أول محكمة دستورية بفلسطين.. جدل بين المؤيدين والمعارضين
المحكمة الدستورية التي شكلها الرئيس الفلسطيني محمود عباس مؤخراً بقرار رئاسي تتعرض لانتقادات قانونية وسياسية واسعة
لا يزال قرار الرئيس الفلسطيني محمود عباس، تشكيل أول محكمة دستورية في فلسطين، يثير جدلًا واسعًا في أوساط الفلسطينيين والخبراء منهم بين مؤيد ومعارض لهذا القرار، فيما فجرت مقالة سابقة لرئيس المحكمة جدلاً إضافيًّا في ظل ما اعتبر توجهات مسبقة حول ملفات مصيرية.
وشكل عباس المحكمة بقرار رئاسي في الرابع من الشهر الجاري، وهو الأمر الذي لقي إدانة من 17 مؤسسة حقوقية فلسطينية ورفضًا حاسمًا من حركة حماس التي بدت أكثر الفصائل الفلسطينية قلقا من القرار في ظل توقعات أن يكون المجلس التشريعي المعطل الذي تحظى بالأغلبية فيه أحد الملفات التي يمكن أن تناقشها المحكمة لاحقا.
ضرورة ملحة
ويؤكد المحامي زياد النجار، أمين سر نقابة المحامين الفلسطينيين، أن تشكيل المحكمة ضرورة هامة وملحة، ويرى أن هذه الخطوة تأخرت كثيرا.
وقال النجار لبوابة "العين" "هذه الخطوة تصب في الصالح العام ؛ إذ هناك الكثير من القوانين والإشكالات الناجمة عن الانقسام بحاجة إلى مراجعة دستورية".
ويوضح حسن العوري المستشار القانوني للرئيس الفلسطيني أن المحكمة ستتولى الرقابة على دستورية القوانين واللوائح والأنظمة، وتفسير نصوص القانون الأساسي والتشريعات، والفصل في تنازع الاختصاص بين سلطات الدولة، لافتا إلى أن المحكمة "تم تشكيلها من قضاة محكمة عليا، وأكاديميين وخبراء في القانون الدستوري ومحامين".
وشدد على أنها "استحقاق دستوري قانوني سيعمل على التخفيف من العبء الملقى على عاتق المحكمة العليا، التي كانت تقوم بمهام المحكمة الدستورية بشكل مؤقت.
تشكيلة المحكمة
وتتشكل المحكمة من 9 أعضاء، هم: محمد قاسم، رئيساً، وأسعد مبارك، نائباً للرئيس، وعضوية: عبد الرحمن أبو نصر، فتحي الوحيدي، وفتحي أبو سرور، وحاتم صلاح الدين، ورفيق أبو عياش، وعدنان أبو ليلى، وفواز صايمة.
تعميق للانقسام
في المقابل، يرى أستاذ القانون الدكتور عبد الكريم شبير، أن تشكيل المحكمة الدستورية في المرحلة الراهنة "تعميق للانقسام القضائي والتشريعي"، منتقدا في حديثه لبوابة "العين" تشكيلها قبل توحد الجهاز القضائي في قطاع غزة والضفة.
وعمليا يوجد جهازان للقضاء في فلسطين، الأول يتبع للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، وآخر في قطاع غزة يخضع لحكومة الظل التي تديرها حماس المسيطرة الفعلية على القطاع منذ منتصف يونيو 2007. وعبر شبير عن خشيته أن يكون تشكيل المحكمة "ضربة استباقية، للحوارات في الدوحة أو القاهرة بين حركتي فتح وحماس"، منتقدا التعجيل بملء الشواغر بالمناصب السيادية العليا في مؤسسات السلطة، أو سن القوانين التي تحتاج توافقا وطنيا.
بدوره، ينتقد الخبير القانوني عصام عابدين توقيت تشكيل المحكمة، معتبرا أنها "خرجت للعلن في ظرف غير طبيعي يشوبه عدم المشاركة المجتمعية وتغييب المجلس التشريعي وحالة تردٍّ سياسي، وتعدٍّ على الحريات والحقوق الأساسية".
بينما يرد النجار، أن الرافضين لتشكيلة المحكمة إما كانوا يتطلعون أن يكونوا جزءًا منها، وإما فصائل تعارض من باب المناكفة، وخوفا من الاستحقاقات التي ستفرضها المحكمة مثل شرعية المجلس التشريعي. وانتقدت 17 مؤسسة حقوقية القرار في رسالة وجهتها إلى الرئيس الفلسطيني، مطالبة بأن يأتي تشكيل المحكمة تتويجاً لإعادة الحياة الدستورية وتوحيد القضاء ودعت المؤسسات الحقوقية في بيانٍ تلقت بوابة "العين" نسخة منه إلى "ضرورة أن يأتي تشكيل المحكمة الدستورية العليا خطوة لاحقة تتوج إعادة الحياة الدستورية المتمثلة بإجراء الانتخابات العامة (الرئاسية والتشريعية) وإعادة توحيد القضاء الفلسطيني".
ودعت المؤسسات الحقوقية إلى "ضرورة أن يراعي تشكيل المحكمة الدستورية العليا تمثيل النساء كمعيار غير تمييزي، وتحقيقاً لالتزامات دولة فلسطين اتجاه الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، التي انضمت لها دون تحفظات، وفي سبيل تحقيق المساواة، ولما فيه من خطوات في سبيل تحقيق العدالة بين المواطنين والمواطنات الفلسطينيات كافة."
جدل المواقف السابقة
وفجّرت مقالة سابقة لرئيس المحكمة المشكلة جدلا كبيرا، كونه أجاز فيها للرئيس رفع الحصانة عن النائب المفصول من حركة فتح محمد دحلان، كما أنه اعتبر المجلس التشريعي غير موجود، مخالفا – بحسب قانونيين – نصوص في القانون الأساسي الذي رأى في مقالته أنه مجرد قانون عادي قائلا "هذا ما يستدعي مناقشة دستورية او عدم دستورية القانون الاساسي ... هو قانون عادي لا أكثر ، لا فرق بينه وبين قانون عادي آخر".
ووصف المدير العام للهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، عمار دويك في تعليق على المقالة بأنها "خطيرة"، معتبرا أنها تضمنت "مغالطات جسيمة ومواقف مسبقة خطيرة". وقال:"مع تحفظي على تشكيل المحكمة في هذا الوقت وبهذا الشكل، أعتقد أن على رئيس المحكمة الاستقالة حفاظا على مصداقية ما تبقى من النظام السياسي".
بدوره، قال المحامي داود درعاوي "مع احترامنا لشخص رئيس المحكمة الدستورية الأستاذ محمد حاج قاسم، ولكن إذا كانت فتواه بشأن قضية النائب دحلان أن القانون الأساسي غير دستوري ولا يسمو على غيره من القوانين العادية إذاً من أين استمد هو شرعية تعيينه في المحكمة الدستورية؟ وكيف له لاحقا أن يترأس محكمة تنظر في مخالفة نصوص تشريعية للقانون الأساسي؟". وأضاف "أليست فتواه بشأن القانون الأساسي سببا لرده عن أي قضية دستورية تنصب على مواد القانون الأساسي؟ ".
aXA6IDE4LjExOC4xMi4yMjIg جزيرة ام اند امز