السيناريو الأرجح أن قطر كانت على علم بخروج الصاروخ من أراضيها ووصوله إلى إيطاليا عبر ليبيا.
"كل يوم فضيحة" هذا هو الوصف الأمثل لأفعال وممارسات تنظيم الحمدين الذي لا يكل ولا يمل من البحث عن الفضائح أينما كانت، فلا يكاد ينقضي يوم دون أن تنتشر فضيحة ذات بُعد دولي، ويكون النظام القطري هو المتورط الوحيد أو الرئيسي فيها. أحدث الصفحات اليوم في كتاب الفضائح القطرية هو الفضيحة المصورة التي كشفت عنها السلطات الإيطالية قبل أيام، فخلال عمليات مداهمة استهدفت جماعات متعاطفة مع النازيين الجدد، عثرت الشرطة الإيطالية على صاروخ قطري وأسلحة أخرى متطورة، وقالت الشرطة في بيان لها: "ضبط خلال العملية صاروخ جو-جو في حالة تشغيل جيدة، ويستخدمه الجيش القطري"، مشيرة إلى أن المشتبه بهم حاولوا بيع الصاروخ عبر محادثات على تطبيق واتساب.
التصريحات القطرية حول هذه الفضيحة تثير الشفقة بقدر ما تثير الضحك، والشفقة هنا على من اختاره النظام القطري للإعلان عن موقفه من هذه الفضيحة، أما الضحك فهو على فحوى التصريحات ومحاولات التهرب من مسؤولية الفضيحة.
هذه الفضيحة الجديدة -والتي لن تكون الأخيرة بكل تأكيد- تثير العديد من الأسئلة، أبرزها: ماذا يفعل صاروخ قطري في إيطاليا؟ وكيف خرج هذا الصاروخ من قطر؟ وكيف عبر الحدود الإيطالية؟ ومن كان المستهدف بهذا الصاروخ؟
ولتوضيح حجم هذه الفضيحة التي تم اكتشافها بالصدفة قبل تحولها لكارثة، ينبغي توضيح طبيعة الصاروخ المضبوط، وهو من طراز "سوبر ماترا 530"، فرنسي الصنع، وكانت تمتلكه القوات القطرية المسلحة، ويبلغ وزنه 245 كيلوجراما، وطوله 3.54 متر، وهو تحديث من الصاروخ طراز R530 الموضوع في الخدمة منذ العام 1980، ويصل مداه إلى 25 كلم، والصاروخ "جو-جو"، ما يعني أنه صاروخ مضاد للأهداف الجوية مثل الطائرات، فهل كان المستهدف طائرة مدنية عادية، أم طائرة حربية، أم طائرة خاصة تقل أحد المسؤولين؟ وكيف لصاروخ بهذه المواصفات أن يخرج من دولة من المفترض أنها ذات سيادة ليباع في السوق السوداء؟ فهل كانت قطر على علم بذلك أم لا؟ وهنا ينطبق المثل الشهير: "إذا كنت تدري فتلك مصيبة، وإن كنت لا تدري فالمصيبة أعظم".
السيناريو الأرجح أن قطر كانت على علم بخروج الصاروخ من أراضيها ووصوله إلى إيطاليا عبر ليبيا، فسجلّ قطر في دعم الجماعات الإرهابية في كل مكان بالعالم بالمال والسلاح ودورها التخريبي في ليبيا، يدعم هذا السيناريو.
ولم يعد سرا أن تنظيم الحمدين يدعم المليشيات المتطرفة في طرابلس التي تنتمي لجماعة الإخوان الإرهابية وتنظيم القاعدة المسلح، ويقدم لهم كل ما يحتاجونه من تمويل وعتاد عسكري ودعم إعلامي في محاولة لمواجهة العملية التي ينفذها الجيش الوطني الليبي لاستعادة الأمن والاستقرار بالعاصمة وتحريرها من قبضة المليشيات المسلحة؛ لذا دائما ما تحذر إيطاليا من تسرب إرهابيين من ليبيا إلى أراضيها ضمن قوارب المهاجرين غير الشرعيين.
وما يدعم هذا السيناريو أيضا أن قطر تدعم أنشطة إسلاميين متطرفين في إيطاليا تحت ستار بناء المساجد والأعمال الخيرية، وهو ما قابله عدد من المحللين الإيطاليين بالسخرية بعد الكشف عن فضيحة الصاروخ بقول أحدهم: "نحن نعلم أن قطر تمول مسجدا جديدا في المنطقة الشمالية من إيطاليا، لكن لم نكن نتوقع أنها تمول بالأسلحة جماعات متطرفة".
أما السيناريو الآخر الذي يشير إلى عدم علم قطر بهذا الأمر، وعلى الرغم من أنه يبدو بعيدا عن المنطق ويجافي الواقع، فإن المصيبة فيه أعظم. فكيف لدولة تدعي أن لديها حكومة وجيشا وسيادة وسيطرة على حدودها أن يخرج هذا السلاح -رغم ضخامته- من حدودها دون علمها؟ وكيف تسمح لصاروخ مكتوب عليه اسمها واستخدمه جيشها المزعوم أن يباع في السوق السوداء مثله مثل أي سلعة رخيصة؟ قد يكون السبب الذي لا نعلمه أن قطر لم تعد بحاجة إلى جيش مسلح يحمي أراضيها، بعد أن أصبح الجيشين التركي والإيراني يقومان بهذه المهمة؛ لذا ربما قررت بيع أسلحة جيشها تدريجيا في السوق السوداء للحصول على أعلى سعر؛ لأنها لم تعد بحاجة لاستعمالها، فهناك وكلاء يقومون بالمهمة؛ لذا قد لا يكون مستغربا أن نسمع أو نقرأ مستقبلا أخبارا من قبيل "دبابة قطرية للبيع"، أو "طائرة حربية قطرية استعمال خفيف للبيع"، أو ربما نصل لمرحلة إعلان مدفوع بعنوان "نظرا لعدم الحاجة إليه.. جيش بكامل تجهيزاته ومعداته للبيع".
التصريحات القطرية حول هذه الفضيحة تثير الشفقة بقدر ما تثير الضحك، والشفقة هنا على من اختاره النظام القطري للإعلان عن موقفه من هذه الفضيحة، أما الضحك فهو على فحوى التصريحات ومحاولات التهرب من مسؤولية الفضيحة.
لم يجد تنظيم الحمدين سوى لولوة الخاطر للإعلان عن موقفه من هذه القضية -لمن لا يعرف من هي لولوة الخاطر فهي المتحدثة باسم الخارجية القطرية، والتي أصبحت منذ توليها منصبها محط سخرية وسائل التواصل الاجتماعي، بعد أن أصبحت عنوانا للكذب والخداع وتزييف الحقائق وتضليل الشعب القطري منذ المقاطعة العربية لنظامه وأصبحت بحاجة إلى من يتحدث باسمها، ليضاف منصب جديد للمناصب القطرية الوهمية وهو "المتحدث باسم المتحدثة باسم الخارجية القطرية"- آخر فضائح الخاطر كانت قبل نحو شهر عندما كشف المذيع البريطاني المخضرم تيم سابستيان كذبها عندما استضافها في برنامجه "دائرة الخطر" على محطة دويتشه فيله الألمانية، ففي هذه الحلقة الشهيرة فشلت الخاطر في الرد على الحقائق التي أثارها المذيع بأن قطر تتعامل بتساهل وتراخٍ شديدين، وعدم اكتراث كبير مع الأشخاص المتهمين بالإرهاب، وهنا لم تنجح الخاطر في الإفلات من تورط تنظيم الحمدين في دعم الإرهاب، وبعد أن وضعتها أسئلة سابستيان الجريئة والصريحة في موقف محرج لم تجد منه مهربا أمام حقائق دامغة، عمدت إلى إقحام موضوع المقاطعة التي تواجهها من الدول الداعية لمكافحة الإرهاب، في أسلوب وصفه المحاور بأنه "مواجهة الحقائق بتعليقات جانبية".
لولوة الخاطر أطلت برأسها من جديد في أزمة الصاروخ، وكأنها ترفض ألا تكون طرفا في أي فضيحة لتنظيم الحمدين، وكأنها تأبى أن يمر أي كذب أو خداع أو تضليل عبر أي شخص سواها، وتمثلت أحدث كذبة فيما قالته أول أمس في أن قطر باعت هذا الصاروخ لدولة "صديقة" في إطار صفقة أسلحة قبل 25 عاما، وأن بلادها بدأت تحقيقا عاجلا بالتعاون مع الجهات المعنية في إيطاليا و"دولة أخرى صديقة"، بيعت لها الأسلحة لكشف الحقائق
وبهذا التصريح الجديد لم نعد أمام كذب معتاد وتضليل متعمد فقط يتجاهل الحقائق الثابتة، بل صرنا أمام مدرسة جديدة في السياسة الخارجية يؤسس لها تنظيم الحمدين والمتحدثون باسمه، مدرسة لها مفاهيمها ومصطلحاتها وكوادرها، فبالأمس كنا أمام مصطلح "الدولة الشريفة" الذي وصف به وزير الدولة للشؤون الخارجية القطري، سلطان بن سعد المريخي دولة إرهابية وهي إيران، متناسيا ومتجاهلا ممارسات طهران التي تنتهك الأعراف والقوانين الدولية؛ من حرق للسفارات، وتدخل بشؤون دول عربية وخليجية، وتهديد أمن واستقرار المنطقة، واليوم تتحدث لولوة الخاطر عن "الدولة الصديقة" التي تشتري أسلحة ثقيلة وتبيعها للإرهابيين في السوق السوداء، فهل تكون "الدولة الصديقة" هي "الدولة الشريفة"، أم ننتظر مصطلحا جديدا من المتحدثين باسم تنظيم الحمدين؟
الكرة الآن في ملعب إيطاليا، التي لديها كافة المبررات لاتخاذ موقف حازم وصارم أمام محاولات العبث القطرية بأمنها واستقرارها، والتدخل في شؤونها، وزرع الفوضى داخل حدودها، وتهميش دورها في بعض الملفات الدولية والإقليمية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة