إلغاء "نظام الأفضليات" التجاري مع أنقرة.. المخاطر والخيارات
الأرجح أن توجيه ضربة لتركيا باستبعادها من نظام الأفضليات التجارية قد يتسبب في إفراز تداعيات سلبية على الاقتصاد والسياسة التركية.
تستهدف إدارة الرئيس ترامب تركيا في محاولة لممارسة المزيد من الضغوط عليها، لمنع إتمام صفقة 400 دولار التي وقعها أردوغان مع روسيا نهاية عام 2017، ومن المقرر استلام الدفعة الأولى منها في يوليو/حزيران المقبل.
وأنهت واشنطن في مارس/آذار الجاري امتيازات تجارية بقيمة 1,7 مليار دولار في إطار نظام "الأفضليات" التجاري الذي يسمح بإعفاء تركيا من الرسوم الجمركية فيما يتعلق بنحو ألفي منتج من المنتجات الصناعية والمنسوجات الواردة إلى الولايات المتحدة.
وأكدت الإدارة الأمريكية في تبرير قرارها أن تركيا قد خرجت عن نطاق المعايير المطلوبة، للاستفادة من هذا البرنامج، حتى يمنح نظام الأفضليات وصول المنتجات المعفية من الجمارك إلى الأسواق الأمريكية بموجب برنامج لدعم الدول النامية.
وكانت تلك الخطوة بمثابة المفاجأة بالنسبة لتركيا، خاصة مع سعي الرئيس رجب طيب أردوغان إلى تهدئة التوتر مع واشنطن، وإعلانه رغبة تركيا في الحصول على صفقة الدفاع الصاروخية الأمريكية "باتريوت".
رسائل أمريكية إلى أنقرة
والأرجح أن قرار واشنطن يخفى أكثر مما يبدى، فهو في جوهره رسالة سياسية إلى أنقرة مفادها أن الولايات المتحدة لديها الكثير من الأوراق بمتناول يدها، وبإمكانها أن تستخدمها ضد تركيا "في الوقت المناسب". كما يحمل القرار في طياته مؤشراً على بدء مرحلة جديدة من تدهور العلاقات السياسية بين البلدين أكثر من كونه مؤشراً اقتصادياً.
وثمة دوافع تقف وراء قرار واشنطن باستبعاد أنقرة من نظام الأفضليات التجارية أولها إصرار أنقرة على المضي قدماً في إنجاز صفقة $400 مع روسيا، والاستغناء عن عرض منافس من واشنطن شريكتها في حلف شمال الأطلسي، ما يزيد فرص فرض عقوبات أمريكية على أنقرة، قد تمتد إلى منع توريد طائرات f35 ومقاتلات شينوك وطائرات بوينج.
وكانت أنقرة قد تجاوزت مهلة غير رسمية في منتصف فبراير/شباط الماضي، كانت واشنطن قد حددتها لاتخاذ القرار حول ما إذا كانت ستشتري نظام باتريوت الصاروخي الأمريكي الذي تنتجه شركة رايثيون في صفقة بقيمة 3.5 مليار دولار.
لكن استبعاد أردوغان إلغاء الصفقة مع روسيا، فضلاً عن منحه موسكو مشروع بناء محطة للطاقة النووية في تركيا، وخط أنابيب لتصدير الغاز إلى أوروبا عبر الأراضي التركية قد يعرض أنقرة لعقوبات إضافية بمقتضي قانون أمريكي يعرف بقانون التصدي لخصوم أمريكا، لا سيما أن واشنطن ترى أن تركيا لا يمكنها حيازة النظامين معاً.
ويرتبط الدافع الثاني بالخلاف حول الاستراتيجية في سوريا، وتوجه واشنطن نحو دعم الفصائل الكردية السورية عسكرياً ولوجستياً، وصلت إلى حد إقامة قواعد عسكرية أمريكية في شمال شرقي سوريا، وتقديم غطاء جوي لوحدات حماية الشعب الكردية دون التنسيق مع تركيا التي تعتبر الوحدات امتداداً لحزب العمال الكردستاني الذي تصنفه إرهابياً. كما تصاعد الخلاف بين أنقرة وواشنطن بشأن إقامة المنطقة الآمنة في الشمال السوري، ناهيك عن إقرار الكونجرس الأمريكي قانوناً يمنع الانسحاب المفاجئ للقوات الأمريكية في سوريا، وهو الأمر الذي قد يشكل عائقاً أمام تركيا.
خلف ما سبق، يمثل الموقف التركي من العقوبات المفروضة على إيران أحد دوافع واشنطن المهمة نحو محاصرة تركيا؛ حيث رفضت تركيا التوجه الأمريكي نحو طهران، واعتبرته جائراً. وقال وزير الخارجية التركي مولود تشاويش أوغلو: "قد تعلن دول أخرى وقف تجارتها مع إيران، لكن تركيا لن تقطع تعاونها التجاري مع هذه الدولة". الدولة التي تفرض العقوبات لا تستطيع معاقبة الدول الأخرى التي لا تنضم إليها، العالم غير قائم على هذا المنوال، ولن يكون.
أما الدافع الرابع، فيرتبط بالرفض الأمريكي لسلوك أنقرة في مجال الحريات وحقوق الإنسان، والتنديد بسعي الرئيس التركي إلى محاولة تفصيل المشهد السياسي على مقاس طموحاته السياسية. وكانت واشنطن قد انتقدت الاعتقالات العشوائية التى مارستها تركيا ضد من تتهمهم بالانتماء إلى جماعة "خدمة"، واعتبرتها لا ترتكز على سند قانوني.
وفي تصريح له في أغسطس/آب الماضي، أقر رئيس مجلس المستشارين الاقتصاديين للبيت الأبيض، كيفن هاسيت، بأن سبب معاقبة إدارة ترامب تركيا هو فقدها الصلة بـ"الديمقراطية الليبرالية"، خاصة بعد تحول البلاد لجهة النظام الرئاسي.
تأثيرات سلبية على تركيا
والأرجح أن توجيه تلك الضربة لتركيا باستبعادها من نظام الأفضليات التجارية قد يتسبب في إفراز تداعيات سلبية على الاقتصاد والسياسية التركية، فمن شأن التدابير التجارية الانتقائية من جانب الحكومة الأمريكية أن تنهي الثقة الاستراتيجية المتبادلة والتوازن الجيوسياسي بين البلدين، خاصة أن العلاقة تعرضت لهزات عميقة بفعل عدد معتبر من الإشكاليات في الصدارة؛ منها الخلاف حول الدعم الأمريكي للأكراد في شمال سوريا، وإصرار واشنطن على رفض تسليم الداعية فتح الله غولن الذي تتهمه أنقرة بتدبير الانقلاب الفاشل في يوليو/حزيران 2016.
كما من المرجح أن تؤثر الخطوة الأمريكية على التدفقات التجارية التركية؛ حيث سيقلص قدرة تركيا على تصدير سلعها إلى واشنطن بنسبة تصل إلى نحو 17%، وهو الأمر الذي قد يزيد من أزمة الاقتصاد التركي الذي يعاني من انكماش كبير، بفعل العقوبات الاقتصادية التي فرضتها واشنطن في أغسطس/آب الماضي، على خلفية مماطلة تركيا في الإفراج عن القس الأمريكي برانسون الذي احتجزته بتهمة الصلة بجماعة "خدمة". وتسببت العقوبات الأمريكية في هبوط سعر الليرة التى فقدت أكثر من 30% من قيمتها منذ أغسطس/آب الماضي.
على صعيد متصل، فإن قرار ترامب بإنهاء المعاملة التجارية التفضيلية لتركيا لن يكون له تأثير تجاري كبير في المدى القصير، لكن الأرجح أن هذا القرار قد يكون له أثر اقتصادي بعيد، وهو أن الاستثمارات الأمريكية غير المباشرة في تركيا ستنخفض باعتبار أن المستثمرين سيشعرون بالقلق للاستثمار في بلد تم إخراجه من نادي الدول التي تحظى بمعاملة تجارية خاصة.
في المقابل قد ينال الإجراء الأمريكي من رصيد حزب العدالة والتنمية الذي يشهد تآكلاً لا تخطئه عين في جماهيريته؛ حيث تأتي هذه الخطوة قبل أيام من موسم الانتخابات المحلية التركية، وفي الوقت الذي تقرع حكومة أردوغان الطبول فيما يتعلق بإنجازات السياسة الخارجية والقوة العسكرية، إضافة إلى نجاحات أنقرة في التحايل على المؤامرة الدولية التي طالما استهدفت نهضة تركيا وريادتها.
وتجدر الإشارة إلى أن الرئيس التركي يعتبر كل إجراء اقتصادي أمريكي ضد بلاده يأتي في سياق السعي لاستسلام تركيا في جميع المجالات؛ من المالية وصولاً إلى السياسية؛ حيث أكد في تصريحات عدة "نحن نواجه مرة أخرى مؤامرة سياسية، وبإذن الله سنتغلب عليها". وأضاف: "سنعطي جوابنا من خلال التحول إلى أسواق جديدة، وشراكات جديدة، وتحالفات جديدة (ضد) من شن حرباً تجارية على العالم بأكمله وشمل بها بلدنا".
وبرغم أن أردوغان سعى إلى توظيف القرار الأمريكي، بإعلانه في خطاباته أن تركيا تواجه خطراً وعدواناً من قبل أمريكا، وهو ما قد يساعده على نشر البروباجندا أمام الجماهير خلال الحملات الانتخابية.
غير أن سلوك أردوغان الدعائي قد يكون عند حده الأدنى هذه المرة، فمن شأن خطوة ترامب بإنهاء الميزة التفضيلية لأنقرة أن تمنح أحزاب المعارضة التركية ذخيرة إضافية ضد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الحملات الانتخابية المحلية المضادة، وهو ما قد يؤهلها لتحقيق نتائج أكبر، خاصة في المدن الكبيرة التي تحظى فيها المعارضة برصيد معتبر من الكتل التصويتية.
يبدو أن الإجراءات التركية في مواجهة إدارة ترامب التى يبدو أنها سئمت سلوك أردوغان الذي يحاول الاستثمار في تناقضات المواقف الدولية والإقليمية، قد لا تحقق المرجو منها. ولذلك، يمكن القول إن تركيا قد تعاني من آثار قرار الولايات المتحدة سحب حوافز الاستيراد للسلع التركية بموجب خطة الأفضليات التجارية، خاصة أن أنقرة في ظل تراجعها اقتصادياً إضافة إلى ما تعانيه من تراجع في مناعتها الإقليمية والدولية تبدو بحاجة إلى دعم واشنطن.
aXA6IDE4LjE5MS41LjIzOSA= جزيرة ام اند امز