"الكينج" محمد منير.. المغني العاشق!
محمد منير، المغني العاشق للوطن، والثائر الذي صنع لنفسه حالة ومدرسة وطريقة في الحب والطرب.
"سارح فى غربة بس مش مغترب.. ايده في جيوبه وقلبه طرب.." هذا هو محمد منير، المغني العاشق للوطن، والثائر الذي صنع لنفسه حالة ومدرسة وطريقة في الحب والطرب، ربما تكون غير مسبوقة أو قابلة للتكرار.
"الكينج" الصوت الجنوبي الدافق.. المحتدم.. الناعم.. المحتل لكل أذن يمكن أن تقذف بها الأقدار في طريقه.. حنجرة عرفت كيف تختار لنفسها ما يخلدها فنا وتاريخا حين خلطت الجاز بالسلم الخماسي النوبي، في كلمات لا تعرف إلا مزج العشق والوطن في عطر أسطوري يزين الدنيا بأبدية.
جاء ارتباط منير بأشعار الصف الأول من شعراء العامية المصرية وقواميسهم المغايرة الخالية من النبرة الرومانتيكية التي سادت منذ أواخر القرن التاسع عشر وموسيقاه المنفصلة عن الطرب الكلاسيكي ليدعم أركان دولته العالية الأسوار والممتدة بطول أجيال وأجيال.
لقد جاء منير من النوبة القديمة بأسوان، مهاجرا بعد غرق قرى النوبة تحت مياه بحيرة ناصر التي خلفها السد العالي، ولكنه أنشأ بصوته سدا جديدا قادرا على توليد مليارات الكيلو وات من الشجن والعذوبة والوطنية وليحمي الطرب من الغرق في أتون الزيف والتكرار والهبوط.
منير نموذج للوحدة الموضوعية والحالة الشعورية الممتدة كأي مدرسة في الشعر أو القصة؛ حيث يغلب عليه الطابع الرومانسي المشغول بوطنية متدفقة واغتراب حزين مغلف بترحال يسكن جنباته وثورة شامخة تسكن حنجرته واختيار كلماته وألحانه وهو ما يبدو جليا في المراحل الغنائية المختلفة من تجربته.
الاغتراب يبدو في نوعية مثل (في عنيكى غربة وغرابة.. وأنا فيكى مغرم صبابة)، (سؤال بسألك إيه آخرت الترحال)، (جاى من بلاد البعيدة لا زاد ولا مية وغربتي صاحبتي بتحوم حواليا).
أما الوطن والثورة والحرية فكانت شغله الشاغل وبدت في أغانيه من نوعية (يا كل الإنسانية الدم ماهوش مية) أو (يا معلقين عالمراجيح والحبل مستورد فاخر فوق الرقاب يا معلمين أحبال قطيفة مدلدلة) و(لو بطلنا نحلم نموت لو عاندنا نقدر نفوت).
وهو يقرر في حسم لا يحتمل اللبس (يا مصر وإنتي الحبيبة وإنتي اغترابي وشقايا وإنتي الجراح الرهيبة وإنتي إللي عندك دوايا) أو (يا حبيبتي يا أم الدنيا يا أغلى الأوطان مين ده اللي يقدر يوصل بيكي لبر امان).
وحين يتغزل بشوارعها وأهلها يغني (فى كل حى ولد عترة وصبية حنان.. وكلنا جيرة وعشرة وأهل وخلان)، وحين يشعر بالاطمئنان يغني (معااااااكى بضحك بصوت عالي ومش خايف وأنا عارف قلبك من الحزن مش خالي)، وحين يعلن التمرد يقول: (مش عايز أحبك مش عايز مش داخل سجنك مش جايز).
ويكرر التحدي (لو حقدر أغير راح أغير لو مش قادر أنا لازم أغير واتغير)، وتظل الحرية هي البحث والشغل الشاغل لمنير (الدم على الأرض خريطة مشتاقة ليوم الحرية).
ومنير هو الوحيد الذي جعل من قلبه (مساكن شعبية) وطالب بهدم أركان العنصرية الكامنة بداخلنا حين طالب بفتح القلوب للأسمر والسمرة (ده الأسود طرحة أمسى والأبيض طلعة شمسي) و(افتح مرة ما تندمشي يا تعيش مرة يا ما تعيشي).
منير إذن هو العاشق المخلص، المهموم بالناس وبالوطن، وليس غريبًا أن يصف حاله حين يقول: أنا المغني اللي عود صوته على قول الحقيقة.. أنا المغني اللي بيلخص سنينه في كام دقيقة.. لا عمري أبدا خنت فني ولا فني خاني.