"المختلون نفسيا".. ثغرة جديدة تواجه أجهزة الأمن الغربية
الهجمات الإرهابية الأخيرة في أمريكا وأوروبا كشفت عن ثغرة في جهود المخابرات في تتبع الإرهابيين ومنع حوادث القتل الجماعي
قال عدد من المسؤولين عن مكافحة الإرهاب في أمريكا وبريطانيا وفرنسا إن الهجمات الأخيرة على المدنيين في الولايات المتحدة وأوروبا كشفت عن ثغرة في جهود وكالات المخابرات في تتبع من تحوم الشبهات حولهم من الإرهابيين ومنع حوادث القتل الجماعي.
وأضاف المسؤولون لرويترز أن السمة المشتركة بين هذه الهجمات أن منفذها شخص واحد يبدو أن له تاريخا في المرض النفسي دون أن يرتبط أي منها بصلات مباشرة تذكر بالجماعات الإرهابية.
ومن منظور قانوني واستراتيجي يركز المحققون المسؤولون عن مكافحة الإرهاب على المستوى العالمي على ما تحيكه جماعات العنف القائمة ذات التوجهات العقائدية المعروفة مثل تنظيم داعش الإرهابي من مؤامرات.
ومن الممكن في الولايات المتحدة أن تؤدي القوانين التي تهدف لحماية المواطنين من رقابة الأجهزة الحكومية بما ينال من خصوصياتهم إلى تقييد التحقيق مع أفراد ما لم تربطهم صلات مؤكدة بجماعات إرهابية خارجية.
وقال المسؤولون عن مكافحة الإرهاب لرويترز إن المهاجمين في موجة الاعتداءات الأخيرة لهم سجل واضح في المرض النفسي.
ومن هذه الأحداث إطلاق النار في ملهى للمثليين في أورلاندو بولاية فلوريدا وقتل نائبة بريطانية في شمال إنجلترا وقتل رجال الشرطة في باتون روج بولاية لويزيانا وفي دالاس بولاية تكساس وعملية الدهس بشاحنة خلال الاحتفالات بيوم الباستيل في مدينة نيس الفرنسية وحادث إطلاق الرصاص يوم الجمعة الماضي بأحد المراكز التجارية في ألمانيا.
وتحدث المسؤولون لرويترز مشترطين عدم نشر أسمائهم أو الوكالات التي يعملون بها.
ويوم السبت قال هوبيرتوس أندريه رئيس الشرطة في ميونيخ إن المسلح الذي نفذ الهجوم في المركز التجاري بالمدينة -وذكرت أنباء أن اسمه علي ديفيد سنبلي- كان يعالَج من مرض نفسي قبل الاعتداء وإنه كان مهووسا بفكرة القتل الجماعي. ولم يكن له سجل إجرامي أو أي صلات معروفة بالجماعات الإرهابية.
وقد أطلق الشاب وهو ألماني من أصول إيرانية عمره 18 عاما ومن سكان المدينة النار فقتل 9 أشخاص قرب مركز أولمبيا التجاري.
وتتناقض الأساليب في تلك الاعتداءات تناقضا حادا مع الهجمات التي وقعت في باريس في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وفي بروكسل في مارس/آذار الماضي، ونفذتها جماعات من المتشددين تربطها صلات مباشرة بتنظيم داعش.
وقال المسؤولون لرويترز إن النظم الحالية لجمع المعلومات عن الإرهابيين والمتطرفين لا تستهدف رصد من لهم سجل في المرض النفسي من الأفراد ممن يصادفون أشخاصا أو دعايات من الممكن أن تحرضهم على ارتكاب أعمال عنف.
ففي الهجوم الذي وقع في أورلاندو قال المحققون إن مرتكبه شاهد دعايات على الإنترنت ربما بثها تنظيم داعش الإرهابي، غير أن ما تلا ذلك من تحريات لم يسفر عن ظهور أدلة على أن عمر متين مطلق النار في أورلاندو تربطه أي صلة مهمة بالتنظيم أو بأي جماعات إرهابية أخرى.
وقد اعتقل المحققون الفرنسيون 5 يقال إنهم متواطئون في اعتداء نيس لكن مسؤولا أمريكيا في مجال مكافحة الإرهاب ومسؤولا فرنسيا قالا إن المحققين لم يعثروا حتى الآن على أدلة تشير إلى أن الهجوم تم بتوجيه من إرهابيين أجانب.
وربما تمثل حالة متين أفضل مثال على صعوبة رصد ما يعده أفراد ممن لهم سجل في المرض النفسي من هجمات دون معاونة من أحد أو منعهم من ارتكابها.
وسلم مسؤولون اتحاديون بأن مكتب التحقيقات الاتحادي ظل على مدى 10 أشهر في عامي 2013 و2014 يجري تحريات عن متين بعد أن قيل إنه تباهى أمام زملائه في العمل بأن له صلات بتنظيم القاعدة وجماعات إرهابية أخرى.
وأثناء الفترة التي كان مكتب التحقيقات يتحرى فيها عن متين وضع المكتب اسمه على 3 قواعد بيانات حكومية يفترض أن تؤدي إحداها إلى مزيد من الفحص إذا مر فرد ممن هم على هذه القائمة عبر مطار أو نقطة تفتيش حدودية.
غير أن اثنين من مسؤولي المخابرات الأمريكية قالا لرويترز إن عدم التوصل إلى دليل يؤكد أن متين له أي صلات حقيقية بالإرهابيين دفع مكتب التحقيقات الاتحادي لإغلاق التحقيق ورفع اسمه من قواعد البيانات الثلاثة.
وقال المسؤولان الأمريكيان إن هذه القرارات اتخذت تطبيقا للقوانين التي ترمي لتقييد الرقابة الحكومية اللصيقة لعموم الأمريكيين.
وأضاف المسؤولان أنه لا يسمح لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية أو للمركز الوطني لمكافحة الإرهاب بجمع معلومات أو الاحتفاظ بمعلومات عن المشتبه بهم من الأمريكيين ممن لم يثبت أن لهم صلات بجماعات الإرهاب الدولي.
وقبل ثلاثة أسابيع من تنفيذ مذبحة أورلاندو قال متين لأحد معارفه إنه ضاق ذرعا بالسهر طوال الليل في البحث عن معلومات عن العلاج النفسي، وقال ذلك الشخص لرويترز طالبا عدم الكشف عن هويته إن متين أبلغه أيضا أنه يخشى أن يكون قد أصيب بمرض عقلي.
كما قال المسؤولون الأمريكيون إنهم يجرون تحقيقات لمعرفة مدى الدور الذي لعبته مشاكل الصحة النفسية في إطلاق النار على رجال الشرطة في باتون روج ودالاس. وفي الهجومين ظهرت علامات المرض النفسي الواضحة على مطلقي النار وأبدى كل منهما آراء متطرفة قبل تنفيذ الهجوم.
وقال محام يمثل ميكاه خافيير جونسون مطلق النار على الشرطة في دالاس لوكالة أسوشيتدبرس إنه عندما اتهمت جندية جونسون بالتحرش الجنسي بها أشارت في شهادتها للمحكمة أن من الضروري أن يتلقى جونسون "مساعدة نفسية".
وقال مصدر مشارك في التحقيقات لقناة (سي.إن.إن) التلفزيونية الإخبارية إن جافين لونج مطلق النار على الشرطة في باتون روج أخبر أصدقاء وأقارب أنه يعاني من اضطرابات نفسية.
وأشار بول بيلار وهو من كبار المحللين سابقا في وكالة المخابرات المركزية "عندما ينفجر شخص يعاني من مشاكل صحية نفسية ففي العادة يوجد محفز خارجي له أيضا دور يوفر نوعا من الإطار التنظيمي للفعل العنيف. والتعرف على الذين قد يرتكبون مثل هذه الأفعال وسيكون من الصعب جدا على الدوام محاولة منع تلك الهجمات."
فعلى سبيل المثال جاء الاعتداء على رجال الشرطة بالرصاص في دالاس في أعقاب حادثي إطلاق ضباط من الشرطة النار على رجلين من السود في مينيسوتا ولويزيانا.
وقال المهاجم للشرطة خلال المواجهة بين الجانبين إنه استهدف قتل ضباط الشرطة من البيض انتقاما لمقتل عدد من السود برصاص ضباط شرطة في مختلف أنحاء البلاد.
ومع ذلك فقد قالت جندية خدمت مع جونسون في أفغانستان إن الاعتداء الذي وقع في دالاس يعكس المرض أكثر مما يعكس فكرا عقائديا.
وقالت صحيفة دالاس مورننج نيوز إن هيذر بروكس كتبت على فيسبوك تقول "ليس في الأمر عنصرية. بل مرض نفسي لم يفحصه أحد ولم يعالج."
ونشر المتهم في حادث باتون روج مقاطع فيديو على الانترنت جاء فيها أنه لا شيء سوى المقاومة العنيفة سيوقف حوادث إطلاق الشرطة النار على الأمريكيين السود.
وفي الجولة الأخيرة من الهجمات الدامية في ميونيخ ونيس وباتون روج ودالاس وأورلاندو يقول المسؤولون إن وكالات المخابرات الأمريكية والأوروبية كانت غارقة في محاولة التعرف على الإرهابيين ممن تلقوا تدريبات مباشرة من الجماعات الإرهابية، لا سيما داعش في سوريا ومتابعتهم.
وقال المسؤولون عن مكافحة الإرهاب لرويترز إنه في ضوء انشغال وكالات المخابرات بالحركات الإرهابين وخاصة تنظيم داعش وتنظيم القاعدة في جزيرة العرب وحركة الشباب في الصومال فإن وكالات مثل المخابرات المركزية والمركز الوطني لمكافحة الارهاب وحدة إم.آي5 في بريطانيا لا تملك من الطاقات البشرية سوى ما يمكنها من متابعة أعداد محدودة من الأفراد في وقت واحد.
فعلى سبيل المثال تبذل وحدة إم.آي5 البريطانية جهودا كبيرة لاقتفاء آثار البريطانيين وكذلك الأجانب المقيمين في بريطانيا ممن تربطهم صلات بإرهابيين لكنها لا تجمع بيانات أو تحتفظ بمعلومات عن المتطرفين اليمينيين في بريطانيا.
ومن هنا لم يكن المسؤولون عن مكافحة الإرهاب يعلمون شيئا عن توماس ماير صاحب السجل النفسي الذي أطلق النار على جو كوكس عضو البرلمان البريطاني عن حزب العمال في يونيو/حزيران، رغم أن اتصالاته بجماعة من النازيين الجدد في الولايات المتحدة جعلته موضع اهتمام لجماعة أمريكية تهتم بمراقبة المتطرفين تطلق على نفسها اسم المركز القانوني للفقر الجنوبي.
وقال الجنرال مايكل هايدن المدير السابق للمخابرات المركزية ووكالة الأمن الوطني إن من الصعب بمكان تتبع الجماعات الإرهابية المنظمة ومنعها من التحرك غير أن الأفراد ممن اعتنقوا أفكارا إرهابية دون تدخل من أحد ولهم تاريخ من المرض النفسي يمثلون نوعا جديدا بالكامل من الإرهاب.
وأضاف "الرعب يكاد يشلني. فهذه الظاهرة كما أراها تتيح للمضطربين فعلا وللخطرين حقا التعلق بقضية أشمل تعطي معنى لما يشعرون به من اغتراب."
aXA6IDE4LjIyMS4yNy41NiA= جزيرة ام اند امز