"الشارقة وجهة نظر 4".. بورتريهات تعكس الأحلام والهواجس
في معرض "الشارقة وجهة نظر 4" الذي نظمته مؤسسة الشارقة للفنون، حضرت الصورة الذاتية بوقع مختلف ليتغير الشكل ويبقى المسمى
"البورتريه" أو الصورة الذاتية مصطلح متداول عرفه الجميع، فمن منا لم يأخذ صورة "بورتريه" من قبل من أجل جواز سفر أو بطاقة تعريف هوية؟
في معرض "الشارقة وجهة نظر 4" الذي نظمته مؤسسة الشارقة للفنون بمبانيها الفنية بقلب الشارقة حضرت الصورة الذاتية بوقع مختلف ليتغير الشكل ويبقى المسمى، حيث غابت الملامح الواضحة الصريحة لأصحاب الصور، لكنها رغم ذلك بقت موقعة تحمل أسماءهم معرفة بهم.
هكذا تجلت أعمال المعرض "وجهة نظر" الفوتوغرافي في نسخته الأخيرة ليكون شاهدا على رؤى فنية استطاعت أن تحول الصور الذاتية إلى مضامين تعكس أحلام وهواجس وقضايا أصاحبها، حيث تتمحور ثيمة هذا العام حول تصوير الفنان صاحب العمل لذاته صور "بورتريه" يكشف فيها جزء من هويته وتصوره لنفسه.
جاءت ثيمة "البورتريه الشخصي" هذا العام لتكون اختباراً لمدى إمكانية تطور خبرات المصورين من محترفين وهواة، حيث يمزج المعرض بين الهواية والاحتراف، فـ "البورتريه" أو فن الصورة الشخصية أحد أكثر الثيمات الفنية تعقيداً، لما يعكسه من دلالات نفسية وفنية، حيث تنقل صفات حقيقية للشخص الذي يتم تصويره، أو مشاعر المصور اتجاهه، ورؤيته الخاصة له، وما يزيد الأمر تعقيداً أن تصبح أنت المُصَوِر والمُصَوَر معا، لتقدم نفسك بنفسك في عمل يحمل زواياك المتعددة كما تراها أنت وتسمح للجمهور أن يستكشفها، وهو ما تطلبه ثيمة البورتريه الشخصي لـ "الشارقة وجهة نظر 4".
نسخة المعرض للعام 2016 التي فتحت أبوابها للجمهور مساء السبت الماضي شارك فيها 80 مصوراً هاوياً ومحترفاً من مختلف دول مجلس التعاون الخليجي، وقدمت 245 صورة فوتوغرافية تباينت في مضامينها وفحواها، فجاءت بعض اللقطات مباشرة وصريحة مخاطبة الجمهور ببساطة، والبعض الآخر راوحت بين تداخل تقنيات وعناصر المشهد المصور لتكوين المضمون والرسالة، لترتسم بذلك تشكيلة بانورامية لصور "البورتريه الشخصي" للمشاركين تعطي صورة عامة عن جوانب شتى من الحياة.
يأتي عمل المصور الإماراتي علي مراد على سبيل المثل ليتحدث عن علاقة الزمان بالمكان وما ينتج عنهما من ذاكرة حسية للإنسان، ما ترجمه المشارك بسلسة تكونت من 5 أعمال ظهر فيها في أحد المواقع التراثية القديمة بمنطقة قلب الشارقة كجزء من مكونات المكان وأحد جدرانه في دلالة على الارتباط النفسي بعناصر المحيط ذات الدلالة الزمنية، حيث تلاحم المصور بجسده مع زوايا وجدران الأبنية العتيقة في رمزية لتشبثه بقيم المكان من خلال استخدام جسده كوحدة قياس تدلل على مدى حبه وارتباطه بهذه الأرض.
أما الفنان التشكيلي السوري مازن الأشقر الذي تركزت لقطاته الفوتوغرافية حول صور البحر، فقد جاء عمله بدافع شخصي ناجم عن شعوره بمعاناة اللاجئين ونظرتهم للبحر كخلاص ومخلص إما بالعبور أو الموت.. فيحدث تطور في السلسة المصورة من خلال التقاط الفنان صوراً ذاتية في مرسمه الذي امتلأ بكثير من العناصر المشوشة والمبعثرة، حيث غابت ملامح وجه الأشقر ليبقى الجسد واضحاً، ومن ثم تظهر ملامح البحر في العمل الثاني والثالث والرابع متخذة مساحة أكبر من حيز الصورة كمنفذ للخروج من ضبابة المحيط المرمز بمحترفه الفني في العمل.
المعاناة الإنسانية وإن بدت في عمل الأشقر مستترة خلف رمز البحر إلا أنها وضحت بجلاء في عمل هاجر بولحبال التي ركزت في صورها على قضية التميز العنصري من خلال اللون، حيث التقطت المشاركة لنفسها صورة واضحة الملامح لتحول واحدة ببشرة فاتحة والأخرى ببشرة داكنة سوداء، لتضع المتلقي في حالة مقارنة وتقبل ورفض في آن واحد، لتأتي ثالث أعمال المشاركة برسالة المساواة بين أعراق البشر من خلال استخدام مئات الصور لأشخاص مختلفين من أجل تكوين صورة شخصية لها في رمزية للوحدة والأخوة بين البشر.
وعلى ما يبدو أن الرمز أخذ حيزا كبيرا من أفكار المشاركين في المعرض حيث حضر عمل طالب كلية الطب الأردني حازم تيفور تحت عنوان "الابتسامة الظاهرة" والذي بدا فيه وجه تيفور مغطىً بضماد طبي رسم عليه ابتسامة كبيرة في دلالة عن معاناة البعض وتألمهم الداخلي من خلال الربط الذهني بين رؤية الضماد كمادة مرتبطة شرطيا بالألم، لكن رغم الشعور بالمرارة تظل الابتسامة السلاح الأكبر لمحاربة المشاعر السلبة، وقد تم اختيار العمل بلوني الأبيض والأسود من أجل التركيز على فكرة العمل الدون الذهاب لجمالية الألوان.
ومن مقاومة المشاعر السلبة في عمل تيفور لمقاومة الصورة النمطية للمرأة العربية كما بدت في عمل طالبة الفنون السودانية عبير عبدالمنعم ينتقل مشاهد المعرض لبعد فني لمضمون "البورتريه" كما بدا في "وجهة نظر4" حيث اختارت عبدالمنعم حرية المرأة العربية وتحررها موضوعا لأعمالها من خلال تسليط الضوء على مسألة حرية النساء في الرداء دون قيد منادية بعدم إطلاق الأحكام بالظاهر، وقد اختارت لتلك الفكرة تقنية تداخل الصور، حيث صورت عبير نفسها في عدة لقطات مختلفة ارتدت في بعضها النقاب واخرى دون حجاب، لتدمج فيما بينها مشكلة بعد وعمق في المشهد يشي عن مفهوم تضارب حرية النساء في بعض المجتمعات العربية.
عمل حسين الكميش من البحرين جاء ملخصا للإنسان المعاصر المسحوق بين دوامة العمل اللامتناهية وأحلام تحقيق الذات، حيث لخص المشارك معاناة شخصية كموظف في القطاع الخاص ورغبته التي دفعته في إكمال دراسته العليا من أجل تحقيق ذاته لنيل فرص أفضل في المستقبل، لكن في المقابل فقد كثير من حياتنا الاجتماعية مصور ذلك بلقطات مختلفة من إيقاع حياة الذي يقضي معظمه في الدراسة وإنهاء مهام الشغل. وقد وضع المصور في جميع أعماله صندوق ورقي مفتوح يمكن تفسيره بعدة محامل وتأويلات قد تكون سلبية أو إيجابية حسب نظرة المتلقي.
aXA6IDMuMTQuMjQ5LjEwNCA= جزيرة ام اند امز