الكاتبة أريج جمال لـ"العين": الكلام الصادق يمكن أن يُغيِّر العالم
مجموعتها "مائدة واحدة للمحبة" مرشحة لجائزة ساويرس للإبداع القصصي
في 88 صفحة فقط من القطع الصغير، وبغلاف لافت للفنانة غادة خليفة، خرجت الكاتبة والقصصية الشابة أريج جمال على الساحة الأدبية
في 88 صفحة فقط من القطع الصغير، وبغلاف لافت للفنانة غادة خليفة، خرجت الكاتبة والقصصية الشابة أريج جمال على الساحة الأدبية بمجموعتها الأولى «مائدة واحدة للمحبة» التي صدرت عن دار روافد بالقاهرة العام الماضي، التي سرعان ما جذبت الأنظار واحتفت بها الدوائر النقدية احتفاء كبيرا.
استوعبت المجموعة تجربة كتابية مختلفة، على مستوى السؤال واللغة والطرح، وعلى مستوى الاستدعاءات النصية السابقة واستحضار التشابهات النفسية والذاتية بين الكاتبة وبين شخصيات إبداعية بقامة فيرجينيا وولف وإديث بياف وداليدا، حساسية أريج العالية في التعاطي مع الفنون والآداب، النصوص والأفلام والأصوات الجميلة أكسبتها قدرة مدهشة على استدعاء هذا المخزون من الصور والأصوات والنصوص وتضفيره في نصها، ومنحها حياة جديدة داخل قصص مجموعتها، سيفاجأ قارئ المجموعة بحضور لافت لإديث بياف بصوتها الناعم الحالم، وباستدعاء فيلم «أحلى الأوقات» الذي يبدو أنه بات من الأفلام "الأيقونية" لجيل أريج، وأيضا فيرجينا وولف وداليدا وأنسي الحاج، "تستدعي أريج ما شاءت بطريقة سلسة بعيدة عن الحشو أو الادعاء".. هكذا أكد غير ناقد كتب عن هذه المجموعة اللافتة..
«مائدة واحدة للمحبة» لأريج جمال تنافس بقوة على جائزة ساويرس للإبداع الأدبي في مجال القصة القصيرة. «العين» التقت القصصية الشابة.. وحوار عن الجائزة والكتابة والقصة القصيرة..
صدرت «مائدة واحدة للمحبة» العام الماضي.. وترشحت ضمن القائمة القصيرة لجوائز ساويرس 2015.. كيف لحقت المجموعة بالنصوص المتنافسة؟
عرفتُ عن الجائزة بالصدفة، بعث لي بالشروط والتفاصيل صديقي الشاعر محمد الضوي، تقدمتُ بالكتاب «مائدة واحدة للمحبة» في اليوم الأخير من الموعد المُعلَن لقبول الطلبات، قبل نصف ساعةٍ فقط من إغلاق الباب، ولم أعرف عن ظهور "المائدة" على القائمة القصيرة إلا حين اتصلت بي الشاعرة الجميلة سارة علام، تُبارك لي، كنتُ أجلس في السينما أنتظرُ حضور فيلم "قدرات غير عادية"، بذهن خال من الأفكار، تغيَّر مزاجي بالطبع.
برأيكِ.. هل تلعب الجوائز الأدبية دورًا محوريا في تسليط الأضواء على الكتّاب وترويج النصوص؟
الجوائز مُهمة لأنها تلفت نظر القارئ إلى الكتاب؛ ولأنها تدفعه كي يشتريه، وكي يصبر على مَنْ كتبه حتى ينتهي مما يريد قوله، الجوائز تقفُ كشرطي مرور في الشارع، يُشير لاتجاهات السير، قد لا تقودك الاتجاهات إلى المكان الذي يُناسبك، لكنها على الأقل سوف تقودك إلى مكان ما، من ناحية أخرى هي توفر الدعم النفسي وبعض الدعم المادي يُساعدان على الاستمرار بالطبع، خاصة حين يكون المرء كاتبًا في البلاد العربية التي ما زالت شعوبها ترى أن القراءة هي نوع من الترف.
أعلم أن المنافسة بين نصوص القائمة القصيرة "حامية" خصوصا مع المستويات الممتازة من الجودة الفنية والرؤية التي تقدمها هذه النصوص.. هل قرأت أيا منها؟ هل ثمة ما لفت انتباهك بصورة خاصة من بينها؟
قرأتُ أعمال معظم المُرشحين في القائمة، عناوين النصوص وأسماء الكُتاب تقول إن هناك تنويعة جيدة في اختيارات لجنة التحكيم، وهو أمر "مدهش" ويجعل القرار النهائي أصعب على اللجنة كما أظن، في النهاية تُعبر لجنة التحكيم عن ذائقة ما وهي تُقرر، وهو أمر منطقي ومقبول، ثم إن وجود الأعمال المُرشحة في المتناول هو جائزة في حد ذاته.
«المائدة» مجموعتك الأولى لاقت الكثير من الاحتفاءات بقصصها في وقت قصير.. أعلم أن نصوصها تشكلت على مساحات زمنية أكبر.. كيف تخلقت المائدة وتراصت نصوصها؟
كانت "المائدة" هي الدرجة الأولى التي صعدتها في طريق لم أختره تمامًا، ولم أكن واثقة حينها أنني سأواصل السير فيه، أو إذا كان الأمر مُجديًا في حياتي أصلًا، أعني أن أكتب وأنشر وأن يقرأ الناس ما أكتبه، ما حدث هو أنني حصلتُ على الكثير من التشجيع على هذه الخطوة العفوية والمبدئية أيضًا، الكثير من الإشباع، فصدقتُ نفسي وأكملتُ المسير، أنا مدينة للمائدة بهذا تحديدًا، هي جعلتني أصدق نفسي.
كيف كُتبت المائدة؟ كان هُناك الكثير من القطع الصغيرة قبل أن أقرر النشر، لكن أول نص حقيقي أكتبه كان «حكاية اللوح الزجاجي الذي يطلع للبنت من المنام»، خرج النص تلقائيًا، كأن خيطًا ما قد انسحب في يدي عفوًا، قرأت الكاتبة والروائية سُمية رمضان النص وشجعتني، الشاعر القريب عصام أبو زيد قرأ وتحمس له أيضًا، أحسستُ أنه عليّ الآن أن أبدأ، هكذا فقط.
تلا ذلك، ما يشبه عملية التداعي الحر للنصوص، فبعد «اللوح الزجاجي» كتبتُ «مائدة واحدة للمحبة» ثم توالت النصوص، باستثناء "يسوعنا" و"فجائع النسيان"، لأنهما أقدم في الزمن نسبيًا. بنهاية هذه المرحلة قررتُ أن أنشر، كان "الطنين" النص المترجَم إلى الألمانية نقطة في صفحة جديدة، أظنُ أنها اكتملت في المجموعة الثانية التي سوف تصدر عن الكتب خان «تحت مظلة في فرانكفورت».
عادة ما يتجاوز قراء الأدب المحترفون العتبات النصية الأولى.. ويتوقفون أمام اللغة التي كتبت بها النصوص، وغالبا ما تكون معيارا جوهريا في الحكم عليها.. برأيك هل ستكون "لغة الكتابة" هي المرجح في اختيار النص الفائز بالجائزة؟
أعتقد أن اللغة هي دائمًا طرف من أطراف اللعبة الأدبية، لكنها ليست كل اللعبة، يختار النص لُغته، يختار الكاتب اللغة المُلائمة للنص، لكن اللُغة لا تنافس وحدها، هي مثل لون قميص النص، ليست كل الثياب التي تُحدد المظهر الخارجي، حتى في الشعِّر أظن أن اللُغة لم تعد الاهتمام الأول للشاعر، في الرواية تحديدًا تجلس اللغة في الصفوف الخلفية، إذا استعلت اللُغة على النص أفسدته، وبالتالي لا أظن أن المنافسة بين النصوص تحدث باللُغة أصلًا.
من الجزئي إلى الكلي.. ومن لغة النص إلى وجود النص.. تبدو أريج متكئة على تصورات واضحة ومحددة لمفهوم الكتابة؟
بالنسبة لي، يتغيَّر مفهوم الكتابة باستمرار، كنتُ أقول قبل عامين من الآن "الكتابة هي كل شيء"، لكن حتى هذه العبارة بِتُّ أفهمها على نحو أعمق كلما مرَّ الوقت، هُناك بُعد شخصي يتعلق بعملي أنا ككاتبة، في الفترة الأخيرة من حياتي مثلًا، خسرتُ العمل الذي كان يؤمِّن لي دخلًا معقولًا، كنتُ أعيش قصة حب عظيمة، انكسر عُنقها فجأة وأصبحت تهرول كالمذعورة في اتجاه المقابر، مع ذلك لو أنك سألتني كيف تشعرين الآن، سأقول لك أشعرُ بالخفة، أطيرُ مع الكتابة بجناح واحد، فينبت جناح آخر من مكان لا أعرفه، وأنجو.
حاليا، أعملُ على روايتي الأولى، فأعيد اكتشاف العالم بعيني طفلة أخرى، أكتبُ عن الأفلام والروايات كما لو أن كل أهل الكوكب سوف يقرأون مقالاتي، أعرف أنها كذبة، لكنها الكذبة الوحيدة القابلة للتصديق في حياتي، في الواقع الكتابة فعلًا هي كل شيء، لأنها الوسيلة التي أعرفها لصناعة عالم منتظم من كل هذا "الهبل" الذي يُحيطُ بي. بالنسبة للكتابة كمفهوم كوني وإنساني، أومن كما علّمتني أمي الروحية سُمية رمضان ذات يوم، أن كل مخلوق على هذا الكوكب يولد وفي عنقه واجب ما "هوم ورك"، عشتُ طويلًا بلا هدف، حتى اكتشفتُ أن الواجب الذي يخصني هو أن أقول الحقيقة كما أراها بأجمل طريقة ممكنة، أومن وأعتبره ديني الخاص، أن كلمة صادقة تُقال في هذه الغُرفة الضيقة التي نجلس فيها، سوف تغيِّر العالم الواسع في الخارج، الكثير من الكلام الصادق الذي يُقال بصبر ودأب، يستطيع أن يُغيِّر العالم.
aXA6IDE4LjIyNy4xOTAuMjMxIA== جزيرة ام اند امز