ليبيا بعد 5 سنوات على الثورة.. أرض "الفوضى والإرهاب"
توقف مؤسسات وتراجع الخدمات وانخفاض صادرات النفط
غياب سلطة مركزية فعالة سمحت لجماعات متطرفة بأن تجد موطئ قدم لها في ليبيا منذ خمس سنوات
انتفضت ليبيا ضد نظام معمر القذافي، قبل خمس سنوات ووضعت حدًّا لـ42 سنة من الديكتاتورية، على أمل بناء ديموقراطية ودولة مؤسسات، لكنها غرقت بدل ذلك في "الفوضى والإرهاب".
وعلى الرغم من الإعلان الأحد عن تشكيل حكومة وفاق وطني، فإن الآمال ضئيلة بعودة الاستقرار إلى البلاد المفككة التي تتنازعها صراعات على السلطة ومعارك بين أطراف متعددة.
في ساحة الشهداء في وسط طرابلس، يرفرف علم "الثورة" الليبي بألوانه الحمراء والسوداء والخضراء استعدادا لإحياء ذكرى انطلاق "الثورة" في 17 فبراير/شباط 2011.
في مدينة سرت الغنية بالنفط، على بعد 450 كيلومترا شرقا وحوالى 300 كيلومتر من أوروبا، يعلو علم "داعش" الأسود، الأبنية وينتشر في الشوارع، بحسب ما أفادت تقارير عدة أخيرا وكالة فرانس برس.
ويقول المحلل لودوفيكو كارلينو، من مركز "آي اتش اس" للتحليل الأمني والاقتصادي، إن تنظيم "داعش" ينظر إلى ليبيا على أنها أفضل بلد لإقامة قاعدة إقليمية لخلافته.
ويضيف أن "توفر مقدرات نفطية ضخمة ووجود طرق تهريب منظمة ومربحة نحو دول جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا، والرقابة الضعيفة على الحدود، تجعل من ليبيا محطة جذابة للتنظيم، كما العراق وسوريا، وربما أكثر حتى".
ويسيطر تنظيم "داعش" الإرهابي منذ يونيو/حزيران الماضي على مدينة سرت الساحلية، مسقط رأس القذافي المطلة على البحر المتوسط، في مقابل السواحل الأوروبية والتي تضم ميناء ومطارا وقاعدة عسكرية.
وحوّل التنظيم المتطرف سرت إلى قاعدة يجنّد فيها المقاتلين، ويدرب عناصره على شن هجمات في دول أخرى، وينطلق منها للتقدم شرقا نحو المناطق الغنية بالنفط وجنوبا نحو الدول الإفريقية المجاورة.
لكن جذور الخطر الإرهابي في ليبيا لا تنحصر ببروز تنظيم "داعش" في أوائل العام 2014 في بلد غرق في الفوضى الأمنية، بعدما لم تتمكن السلطات، التي ورثت الحكم عن القذافي، من نزع سلاح الجماعات التي قاتلت النظام السابق.
ويوضح كارلينو، في تقرير حول صعود الخطر الإرهابي في ليبيا، أن "الفراغ السياسي والأمني في أعقاب سقوط نظام معمر القذافي في 2011، إلى جانب وجود كميات كبيرة من الأسلحة، والرقابة غير الفعّالة على الحدود، جعلت من ليبيا بلد العبور الرئيسي للمقاتلين في شمال إفريقيا نحو سوريا والعراق".
كما أن "غياب سلطة مركزية فعالة سمحت لجماعات متطرفة بأن تجد موطئ قدم لها" في ليبيا منذ خمس سنوات، وعلى رأسها ما تسمى جماعة "أنصار الشريعة" القريبة من تنظيم القاعدة الإرهابي.
ودفع تصاعد الخطر الإرهابي الدول الكبرى إلى التفكير في احتمال التحرك عسكريا في ليبيا، نظرا لموقع البلد الجغرافي الحساس وثروته النفطية الضخمة (أكبر احتياطات النفط في إفريقيا وتبلغ حوالى 48 مليار دولار).
في الوقت ذاته، يضغط الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لتشكيل حكومة وفاق وطني توحد السلطتين المتنازعتين على الحكم منذ أكثر من عام ونصف، قبل اتخاذ قرار حول طبيعة التدخل المحتمل في ليبيا.
ويعترف المجتمع الدولي بالسلطات والبرلمان المستقرة في طبرق (شرق)، لكن يوجد في طرابلس برلمان موازٍ، "المؤتمر الوطني العام"، غير معترف به.
وبفعل الاقتتال بين السلطتين وسيطرة "داعش" على مناطق نفطية، انخفضت صادرات النفط إلى أكثر من النصف، وتوقفت المشروعات الاستثمارية، وأغلقت عشرات الفنادق والمطاعم أبوابها، وتراجع مستوى الخدمات وبينها الكهرباء، وتوقفت معظم المؤسسات الحكومية عن تأدية عملها في ظل غياب سلطة مركزية واضحة.
وسيكون على الحكومة الجديدة، في حال تمكنها من الحكم، مواجهة تحديات أخرى غير الخطر الإرهابي، تتمثل في الانهيار الاقتصادي والارتفاع القياسي في الأسعار، فيما تحتل ليبيا مرتبة متقدمة على سلم الدول الأكثر فسادا.
كما أن الخروج من ليبيا والدخول اليها أصبحا أكثر صعوبة من أي وقت مضى، بعدما توقفت خطوط الطيران الأجنبية عن الهبوط في المطارات الليبية، فيما تقلع الشركات الليبية بطائراتها نحو عدد محدود من الدول المجاورة.
وتقول كريمة الغويل، التي تعمل موظفة في مصرف في طرابلس: "السنوات الخمس الماضية كانت عبارة عن سلسلة من أخطاء بعد أخطاء"، مضيفة "حياتنا اليومية تصبح أكثر صعوبة يوما بعد يوم".
في طرابلس تنشط مجموعة من الأشخاص في تزيين ساحة الشهداء تحضيرا لإقامة احتفال ضخم بمناسبة مرور خمس سنوات على انطلاق الثورة.
لكن الليبيين عاجزون عن الشعور بالفرح في ظل الأوضاع الأمنية والاقتصادية المتردية السائدة.
وتقول فلورانس (50 عاما)، الفرنسية المتزوجة من ليبي: "الحياة أصبحت أكثر غلاء، ولم نعد نستطيع أن نسحب أموالا من المصارف"، في إشارة إلى عدم توفر السيولة في المصارف طوال أيام الشهر.
وتتابع "لكن خوفي الأكبر هو أن يصل داعش إلى طرابلس".
aXA6IDMuMTQ1LjU5Ljg5IA== جزيرة ام اند امز