مدارس القدس.. بين مطرقة التدمير وسندان "الأسرلة"
من يسلم من التدمير يواجه "الأسرلة".. هكذا يبدو حال مدارس الفلسطينيين في القدس، في ظل حرب التجهيل التي تشنها سلطات الاحتلال الإسرائيلي.
من يسلم من التدمير يواجه "الأسرلة".. هكذا يبدو حال مدارس الفلسطينيين في القدس، في ظل حرب التجهيل التي تشنها سلطات الاحتلال الإسرائيلي.
أحدث جولات هذه الحرب، شهدتها الساعات الماضية، عندما استولت قوات الاحتلال، على المدرسة الوحيدة في إحدى التجمعات البدوية شرق مدينة القدس، وصادرتها بالكامل، بعد أقل من أسبوع على افتتاحها.
ووفق شهود عيان، فإن طواقم "الإدارة المدنية الإسرائيلية" برفقة أكثر من 30 آلية عسكرية اقتحمت في الساعات الأولى من صباح اليوم الأحد، تجمّع أبو النوار البدوي شرق بلدة العيزرية بالقدس المحتلة، واستولوا على المدرسة المكونة من 6 فصول، وتعد الوحيدة في تجمّع "أبو النوار"، وتخدم 40 طفلاً فلسطينياً (الصفوف الأساسية - الأول والثاني)، و أُنشئت مع بداية العام بدعم وتمويل من الحكومة الفرنسية، ورغم ذلك تم هدمها.
مخطط تجهيل
ويرى الأمين العام للهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات حنا عيسى، أن هدم الاحتلال مدرسة "أبو النوار الأساسية"، جزء من مخطط إسرائيلي لتجهيل المقدسيين وإضعافهم للسيطرة على المدينة المقدسة.
وأشار عيسى وهو خبير في القانون الدولي، إلى أن أوامر الهدم تبررها سلطات الاحتلال بحجة عدم حصول أصحابها على التراخيص اللازمة من السلطات الإسرائيلية المختصة، خلافاً للمادة 53 من اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية المدنيين في زمن الحرب.
ولفت إلى أن ما تمارسه سلطات الاحتلال جزء من خطط التهويد الرامية إلى اقتلاع وطرد أكبر عدد من المواطنين الفلسطينيين من ديارهم وأراضيهم لبناء المزيد من المستوطنات الإسرائيلية غير الشرعية، والبؤر الاستيطانية العشوائية، والطرق الالتفافية، والقواعد العسكرية الإسرائيلية.
أسرلة المناهج
وعملية تدمير المدارس أو الاستيلاء عليها، هو نمط من أنماط حرب التجهيل التي تشنها سلطات الاحتلال والتي تشمل "أسرلة" المناهج.
ويؤكد حمودة شراب، عضو مجلس ادارة مؤسسة القدس وأستاذ المناهج بجامعة الأقصى، أن الاحتلال يسعى لطمس الهوية الفلسطينية لدى الطلبة المقدسيين؛ بإعادة تشكيل شخصيتهم منذ مراحل الطفولة الأولى.
وقال شراب لبوابة العين الإخبارية إن المناهج الإسرائيلية "فرغت من أي روابط تشير إلى علاقة المقدسي بعمقه الفلسطيني والعربي، واعتمدت على تزييف الوعي لدى الأجيال، وطمس كافة المعالم التي تدل على عروبة القدس وإسلاميتها".
غياب المرجعية الموحدة
ووفق المصادر المقدسية، هناك 181 مدرسة يتعدد الإشراف عليها ما بين بلدة الاحتلال ووزارة المعارف الإسرائيلية والأوقاف الإسلامية والاونروا والخاصة، وهو ما يسبب بوجود العديد من المشاكل، التي من أهمها غياب المرجعية التي تشرف على وضع الاستراتيجية التعليمية، ما يفتح الباب للاحتلال لفعل ما يريد.
ويحذر شراب من خطورة سيطرة الاحتلال على منظومة التعليم في القدس، وذلك بتشويه التعليم، وإجبار المدارس على اعتماد المناهج التعليمة الإسرائيلية، موضحا أن "خطوات الاحتلال تجاه التعليم بالقدس محسوبة بعناية فائقة، فهو يدفع مبالغ طائلة من أجل خطف التعليم من أيدي الفلسطينيين".
ووفق معطيات مقدسية، فإن سياسة الاحتلال العنصرية أدت إلى حرمان 10 آلاف طالب مقدسي من الدراسة، من إجمالي 93 ألف طالب يتلقون تعليمهم في مدارس شرق القدس، وأنهت مسار التعليم الثانوي لنحو 40 % منهم للالتحاق مبكراً بسوق العمل إزاء الوضع الاقتصادي الخانق، الذي أوجد نحو 95 ألف طفل مقدسي تحت خط الفقر.
وشدد شراب على أن "الاحتلال الثقافي الذي يجري للقدس خطير جدا، وغير مسبوق، مؤكدا أن الاحتلال "بهذا الغزو التربوي التعليمي يسعى لتكوين جيل جديد ممسوخ ثقافة وعلما ومعرفة، منسلخ عن ماضيه وحاضره ومستقبله، وبذلك يهدم أحد أهم مقومات المجتمع المقدسي.
تغريب الفلسطيني
عملية أسرلة المدارس تكثفت في الآونة الأخيرة عن طريق خطة وضعها وزير التربية والتعليم بحكومة الاحتلال، النائب عن حزب "البيت اليهودي"، نفتالي بينيت. فبنفس نهج التعامل مع بلديات مدن وقرى الداخل الفلسطيني، يعتمد الاحتلال مع مدارس القدس أسلوب "الميزانيات مقابل الولاء".
بدوره، يؤكد ناصر الهدمي، رئيس الهيئة المقدسية لمناهضة التهويد، أن موضوع التعليم خطير جدا في القدس الشرقية، موضحا أن الاحتلال يحاول أن يسيطر على المناهج في المدارس الفلسطينية، من أجل تغيير الفلسطيني، وتغريب المقدسي عن وطنه ووطنيته عبر مناهج إسرائيلية معدة بعناية فائقة من خبراء إسرائيليين.
وقال الهدمي لبوابة العين الإخبارية: "يريدون من وراء التضييق على التعليم تغيير هوية الفلسطينية ليذوب الفلسطيني في الأسرلة ، ويصبح مغتربا عن أرضه ووطنه وقضيته وتاريخه".
وأشار إلى وجود 7-8 مدارس أجبرها الاحتلال على تدريس المناهج الإسرائيلية في الصيف المقبل ، فيما بات هناك خمسة موجهين لمتابعة الأمر بعدما كان هناك موجه واحد فقط.
و ذكرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية الجمعة الماضية، أن وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية قررت "تشجيع المدارس في القدس الشرقية لتبني الخطة الإسرائيلية عن طريق زيادة خاصة في الميزانية".
وبحسب الخطة، لن تخصص ميزانيات للمدارس التي تدرّس المنهاج الفلسطيني، أي غالبية المدارس في القدس، على الرغم من أن بلدية الاحتلال مسؤولة قانونياً عن تخصيص ميزانيات لجميع المدارس، بغض النظر عن المنهاج المتبع.
ووفقاً للخطة فإن كل مدرسة تعتمد المنهاج الإسرائيلي سوف تحصل على ساعات دراسية إضافية تزيد عن الساعات التي تمنحها مديرية التربية والتعليم الفلسطينية، إلى جانب زيادة ساعات الاستشارات النفسية والتربوية، ودورات تطوير مهارات المعلمين، والمواد التي تنمي مواهب الطلاب كالموسيقى والفنون والإثراء.
وتأتي هذه المحاولات في الوقت الذي تواجه فيه مدارس القدس نقصاً حاداً في الغرف الصفية يصل إلى 1000 صف، إضافة إلى أن المدارس غير مؤهلة لاستقبال طلاب ولا تستوفي معايير الأمان.
aXA6IDMuMTQ5LjI5Ljk4IA==
جزيرة ام اند امز