"كأنني أبدأ اليوم".. ما لم يقله نبيل المالح من قبل
المالح الذي توفي في الإمارات، يستهل مقاله بالقول "كنت في الثامنة عندما صفعني جندي لأنني قلت (لا) رافضًا التنازل عن دوري في ركوب أرجوحة
"كأنني أبدأ اليوم" هو عنوان مقال للمخرج السوري الراحل نبيل المالح.. مقال كتبه قبل وفاته، ونطلع عليه بعد أيام قليلة على وفاته؛ حيث ينشر في عدد مارس من مجلة "الجديد" الثقافية الصادرة في لندن.
يكتب المالح ما هو أقرب إلى "شهادة على العصر" أو ربما ملخصًا لتجربة المخرج الراحل على مدى عقود، بداية من طفولته وتكوينه ومرورًا بأحلامه وطموحاته السينمائية وصولاً إلى الأوضاع والمتغيرات الجارية في المنطقة العربية وأثرها على السينما.
المالح، الذي توفي في دولة الإمارات في 24 فبراير 2016، يستهل مقاله بالقول "كنت في الثامنة عندما صفعني جندي لأنني قلت (لا) رافضًا التنازل عن دوري في ركوب أرجوحة في مقصف عام ووضع مكاني ابن سيده الضابط.. لم أبكِ ولم أشكه لأحد.. وجدت حجرًا صغيرًا رميته به وهربت."
ويستكمل رحلته مع التمرد على كل ما كان يفرض عليه، قائلا "بعد عودته من دراسة السينما في تشيكوسلوفاكيا (التشيك وسلوفاكيا حاليا) في الستينيات "هذه الـ(لا) الأبدية لم تدعني أنتظم في حزب أو تنظيم، ولم أضع نفسي في موقع أن أقبل أمرًا من أحد.. لذا لم أكن موظفًا أبدًا.. وكانت علاقتي بالمفهوم الضمني للسلطة تنمو وتأخذ بعدًا أثّر على مسيرتي، فلقد ترسخت لدي القناعة بأن الفن في ديناميته واكتشافه وثورته على السائد والمألوف سيكون دائمًا على نقيض مع الفن الرسمي ومع قيم ومفاهيم وجماليات السلطة أيا كانت."
ويستعرض المالح في مقاله تجاربه السينمائية ومحاولات المنع التي تعرضت لها أفلامه ومغادرته سوريا في بداية الثمانينيات في جولة أخذته إلى الولايات المتحدة ثم سويسرا وبعدها اليونان التي استقر بها لتسع سنوات قبل أن يعود مجددًا إلى سوريا.
وهنا يقول "ثلاثون عامًا من تجربة السينما في سوريا وما زال السينمائي يقاتل من أن أجل أن يعيش بكرامته (إذا لم يكن موظفًا) ثلاثون عامًا ولا يدري الإنسان فيما إذا كانت ستتاح له فرصة عمل تالية.. ثلاثون عامًا وما زال البيروقراطيون وعباقرة التسلق يملكون القرار ومفاتيح الأمور."
وإضافة إلى المقال، يظهر للنور للمرة الأولى أيضًا حوار مع نبيل المالح، أجراه معه الإعلامي السوري إبراهيم الجبين في دمشق عام 2009، ضمن برنامج (علامة فارقة) الذي كان يعرض على القناة الفضائية الرسمية السورية لكن تم منع عرض الحلقة.
ويجيب المالح في الحوار -الذي أجري في منزله في حي المهاجرين في دمشق- بكل جرأة على أسئلة متنوعة عن السينما والأوضاع الاجتماعية والسياسية في سوريا، في وقت كانت قبضة السلطة على الأوضاع الداخلية في قمة إحكامها.
ومما جاء في الحوار "ما أدعو إليه أننا علينا أن نخرج من عقليات بيروقراطية خارج المنظومة التقليدية في سوريا التي نقوم اليوم بترقيعها دون جدوى".
"نحن لم نفعل شيئا.. ليس لدينا أي (براند) أو ماركة تجارية.. لم نستطع صناعة صورة سياحية لسوريا.. مئات الملايين تصرف في بلاد العالم لتصوير الأفلام السينمائية العالمية بينما كما تعلم سوريا هي استديو طبيعي عملاق لكن لا أحد يأتي لتصوير أفلام فيها."
وعن فلسفته السينمائية وخلافه مع السلطة والرقابة في سوريا، قال المالح في الحوار "الفن الجيد لا مقياس مسبق له، ولا أحد يحدد لي سلفًا ما هو المقياس المسبق للجاد والجيد.. أنت تشاهد عملا كوميديا وبالمقياس العام هو فيلم غير جاد، لكن قد يكون هذا الفيلم جادًّا أكثر خمسين مرة من أفضل فيلم جاد مصنوع بشكل رديء.. في الفن لا أحد يملك في الكون كله قرارًا كيف يجب أن يكون الفن."
وإلى جانب هذا الاحتفاء والتكريم الخاص للمخرج السوري الراحل ضم عدد شهر مارس/ آذار من مجلة (الجديد) حوارًا خاصًّا مع الفيلسوف الفرنسي لوك فيري، وملفًا خاصًّا بعنوان "الثقافة العزلاء"، شمل مقالات لكتاب من مصر وتونس والعراق والجزائر وفلسطين والأردن وسوريا عبروا فيها عن أثر التغيرات الجغرافية الجارية بفعل "الربيع العربي" على الحياة الثقافية في الدول العربية.
aXA6IDE4LjIyNC4zMS44MiA= جزيرة ام اند امز