القوات الأجنبية في أفغانستان.. مصائب الانسحاب وفوائد الرحيل
أزف رحيل القوات الغربية من أفغانستان، بعد عِشرة طويلة مع السكان، الذين يجنون من الانسحاب فوائد، فيما يجرّ عليهم مصائب لا تنتهي.
فمنذ أصبح ظهر الحكومة الأفغانية مكشوفا بفعل عزم القوات الدولية التي تقودها الولايات المتحدة على مغادرة البلاد، تصاعد القتال بين قوات الأمن ومسلحي حركة طالبان، الذين سيطروا على مزيد من الأراضي.
بيد أن هذا الانسحاب ليس كله شر، بالنسبة للأفغانيين، الذين يستفيدون من بقايا مخلفات القواعد الأمريكي، إذ ينعش بيع الخردة، وبعض المقتنيات جيوب هؤلاء.
أنقاض باغرام
مير سلام سلام أحد هؤلاء؛ حيث يجني من مجاورته لقاعدة باغرام الجوية الشهيرة، أموالا، عبر بيع حفنة من الأجهزة الإلكترونية المعطلة، التي انتشلها من وسط كومة من الخردة.
هواتف عسكرية بدون سمّاعة، لوحات مفاتيح لحواسيب محطمة، عبوات تحفظ حرارة المشروب بدون أغطية، إطارات ممزقة، هياكل آلات طباعة ومقابس كهربائية بلا أسلاك، بعض ما يعثر عليه الرجل الأربعيني.
وعلى بُعد بضعة كيلومترات يُخلي الجيش الأمريكي أكبر قاعدة جوية له في أفغانستان كانت في كثير من الأحيان عرضة لهجمات، وذلك في إطار خطة واشنطن للانسحاب من البلاد بعد وجود عسكري استمرّ 20 عاماً.
وتقع قاعدة باغرام الموروثة من الاحتلال السوفياتي على بعد حوالى خمسين كيلومتراً شمال كابول، وستُعاد في ليلة وضُحاها إلى القوات الأفغانية بعد أن تمركز فيها منذ عام 2001 عشرات آلاف الجنود الغربيين فضلاً عن أنها تضم سجنًا سرّيًا.
غضب من الأمريكيين
ويشكو مير سلام من سلوك الجنود الأمريكيين في تنظيف مواقع، قبل الرحيل، ويقول إن ما لا يأخذونه معهم على متن عشرات الشاحنات وطائرات الشحن في حركة يومية بدأت منذ مطلع مايو/أيار، "يفجّرونه أو يحرقونه".
ويضيف "بالطبع أنا غاضب! لقد قتلوا أهلنا وأطفالنا في هذه الحرب، كان هناك في هذه القاعدة أشياء جديدة كثيرة، ما يكفي لإعادة بناء أفغانستان 20 مرة. لكنهم دمّروا كل شيء".
ويشارك مير سلام رفيقه محمد أمين في التذمر من الأمريكيّين قائلا: "لقد جاؤوا لبناء بلدنا لكن الآن يدمّرونه، كان يمكنهم إعطاؤنا كل ذلك".
في مساحة تصل إلى عشرات الأمتار المربعة، تتكدّس كراسي مكاتب، وشاشات تلفزيون، وأثقال وآلات رياضية، وبيانو كهربائي بالإضافة إلى أكاليل وأغصان أشجار عيد الميلاد. تخرج من حقائب إسعافات أولية ممزقة أكياس تسريب وضمادات... كل ما يمكن أن يُستخدم بشكل يومي في قاعدة للعمليات الخارجية حيث يعيش جنود وضباط يستعدون للمعركة أو يستريحون.
هنا عثر عبد البصير الذي جاء مع صديق له من كابول، على ستة أبواب معدنية مع مقابضها المستديرة، ودفع سعر كل منها 1200 أفغاني.
الشاب الأفغاني انتشل حذاء "رينجر" أصلي بالكاد مستخدم ويستخرج آخر دبًّا محشوًا وكرة روغبي صغيرة.
ويستأجر الرجلان مقابل ألف أفغاني (12 دولاراً) في الشهر، أرضاً متواضعة مسيّجة للبحث عن بقايا أغراض يجمعونها على أمل بيع المعدن كخردة.
وعلى طول الطريق، يحرس رجال مسلحون المستودعات وساحات الخردة الأكبر؛ أما تلك التابعة لحجي نور رحمن فهي من بين ساحات الخردة المغلقة بباب ثقيل، ويقول "كل ما يمكن إعادة استخدامه يشتريه الناس".
مصائب الانسحاب
يؤكد حاكم منطقة باغرام لاله شرين رؤوفي في حديث لوكالة "فرانس برس" أن "التحضيرات جارية لتسليم القاعدة بشكل كامل إلى قوات الأمن الأفغانية".
ولملء الفراغ، يقول المسؤول المحلي: "لقد بدأنا تجنيد جنود" وسيأتي آخرون من أقاليم أخرى، مشيراً إلى أن في الإجمال يُفترض أن يتسلم 2800 عنصر القاعدة، ويتابع: "سنأخذ أولئك الذين يستوفون المعايير".
حاكم المنطقة يعرب لا يخفي قلقه وتشاؤمه؛ ويقول إن "انسحاب القوات الأمريكية سيكون له تأثير سيء على اقتصاد البلاد واقتصاد باغرام"، على وجه الخصوص، ويؤكد: "وجودها هنا وفّر وظائف لآلاف الأفغان"، من الميكانيكي إلى الخبّاز.
وينقل المسؤول الحكومي نبض الشارع حول مصائب الانسحاب قائلا: "التقيتُ موظفي شركة كانت تقدّم مواد غذائية للقاعدة، يشعرون بالخوف لفقدان وظائفهم".
في المقابل، يلفت الحاكم إلى أن خطة استعادة السيطرة على الموقع جاهزة: "نعمل مع الشرطة والجيش وأجهزة الاستخبارات لحماية القاعدة ومنع هجمات العدو".
فحركة طالبان ليست بعيدة عن المكان وعناصرها متواجدون بين سهل شامالي المجاور ومنحدرات تحمل الريح غبارها وتذريه على المدينة.