المسارات البديلة لسفن النفط والحاويات.. ماذا يحدث بقناة السويس؟
انتظار إعادة فتح قناة السويس ربما هو أفضل خيار أمام شركات الشحن، وذلك لأن الإبحار عبر طريق الرجاء الصالح يزيد من تكلفة كل المنظومة.
وتقف ناقلات نفط سعودية وروسية وعمانية وأمريكية الآن مع أكثر من 100 سفينة أخرى بالقرب من المدخلين الجنوبي والشمالي لقناة السويس المصرية في انتظار إعادة فتح حركة الملاحة داخل القناة، بعد أن أعاقها جنوح واحدة من كبرى ناقلات الحاويات في العالم داخل الممر المائي الذي يربط بين البحرين الأحمر والمتوسط.
- أخطر 4 أرقام في أزمة قناة السويس.. تكلفة الانسداد 400 مليون دولار بالساعة
- من يتحمل تكلفة أزمة السفينة الجانحة في قناة السويس؟
الأمر جلل، أكثر من 10 ملايين برميل من النفط الخام ومشتقاته جنبا إلى جنب مع ملايين الأطنان من السلع الحيوية الأخرى تقف محاصرة الآن في البحر بسبب الأزمة الجارية التي تحاول السلطات المصرية حلها بشتى الطرق على مدار اليومين الماضيين.
ولكن مع اقتراب الأزمة من كسر حاجز الـ50 ساعة دون حل، اضطرت السلطات المصرية للاستعانة بالخبرات الأجنبية.
في تمام الخامسة من صباح أمس الخميس بتوقيت القاهرة وصل إلى مصر فريق من خبراء التكريك والرفع الثقيل في شركة "بوسكاليس" الهولندية لمساعدة خبراء هيئة قناة السويس في إعادة تعويم ناقلة الحاويات، وهي العملية التي قد تستغرق بحسب تصريحات رئيس الشركة "بيتر بيردوويسكي" لقناة "إن بي أو" الهولندية أياما وربما أسابيع.
لكن السؤال الذي يشغل بال الجميع الآن، هل يملك العالم رفاهية انتظار إعادة فتح قناة السويس لأيام ناهيك عن أسابيع؟ وقبل هذا، ما الذي حدث بالضبط في قناة السويس؟
كيف جنحت السفينة؟
بدأت القصة في الساعات الأولى من صباح الثلاثاء الماضي مع دخول ناقلة الحاويات العملاقة "إيفر جيفن" التي ترفع علم دولة بنما إلى المياه الهادئة لقناة السويس ضمن قافلة الشمال قادمة من الصين متجهة في طريقها إلى ميناء روتردام في هولندا. ولكن في حدود السابعة و40 دقيقة صباحًا بالتوقيت المحلي جنحت الناقلة العملاقة فجأة إثر هبوب عاصفة ترابية بلغت سرعة الرياح فيها نحو 40 عقدة.
انحرف جسم السفينة البالغ طوله نحو 400 متر عن المجرى المائي وارتطمت بالقاع، قبل أن يتسبب جنوحها في سد مجرى القناة بالكامل وبالتبعية إعاقة حركة الملاحة داخل قناة السويس.
بمجرد جنوح الناقلة داخل الممر، بدأت هيئة قناة السويس جهودا معقدة لمحاولة إعادة تعويم السفينة وإرجاعها لمسارها الطبيعي داخل الممر. وعلى مدار الساعات الماضية حاولت مجموعة من القاطرات والكراكات التابعة للهيئة إعادة تعويم الناقلة العملاقة، وتمكنت من إعادة تعويمها بالفعل ولكن بشكل جزئي فقط، حيث إن الجزء الأمامي من بدن السفينة لا يزال عالقًا في ضفة القناة.
في تصريحات خاصة لشبكة "سي إن إن" قال مسؤول مصري بهيئة قناة السويس رفض الكشف عن هويته إن إعادة تعويم سفينة الحاويات تعد عملا معقدا جدا من الناحية الفنية وقد يستغرق أياما، وأضاف أن هيئة قناة السويس تمتلك بالفعل المعدات اللازمة لتعويم الناقلة، ولكن الأمر لا يتعلق بامتلاكها من عدمه بل بكيفية استخدامها.
وفقًا للمسؤول المصري، إذا كانت جهود إعادة تعويم السفينة تتم بالطريقة الخاطئة فإن الأمر قد يستغرق أسبوعًا، ولكن إذا تم إجراؤها بشكل صحيح فلن يستغرق الأمر أكثر من يومين. واستدرك المسؤول في حديثه لـ"سي إن إن" قائلا: "لو كانت جهود تعويم السفينة تتم بشكل صحيح من البداية لكان من الممكن أن تنتهي الأزمة أمس".
بعد أن تنجح جهود إعادة تعويمها بشكل كامل، من غير المرجح أن تتمكن الناقلة من مواصلة الإبحار بشكل طبيعي بسبب الأضرار التي قد تكون لحقت بها، حيث ستحتاج إلى أن يتم سحبها إلى أقرب مرسى في منطقة البحيرات المرة على بعد 30 كيلومترا اتجاه الشمال، وذلك وفقا لـ"سي إن إن".
أقرب ميناء
الخطوة التالية على الأرجح ستكون قطرها إلى أقرب ميناء، والذي سيكون إما ميناء السخنة الواقع على بعد 20 كيلومترًا جنوب مدينة السويس وإما ميناء بورسعيد الواقع على بعد 100 كيلومتر ناحية الشمال. وهناك سيتم تفريغ حمولة الناقلة، وستخضع لإصلاحات طفيفة.
ولكن إذا تبين أن الأضرار التي لحقت بها جسيمة سيتم سحبها إلى حوض بناء السفن.
من جانبها ذكرت "بلومبرج" نقلا عن مصادرها أن ما يعوق إعادة تعويم "إيفر جيفن" حتى الآن هو ثقل حجم السفينة البالغ وزنها نحو 224 ألف طن بالإضافة إلى صغر حجم القاطرات المصرية، وهو ما دفع مالكي السفينة إلى الاتصال بشركة خدمات الإنقاذ البحري والقطر الهولندية "إس إم آي تي سالفدج" التي تمتلك قاطرات أكبر طلبًا للمساعدة.
هل يتم تفريغ حمولة السفينة؟
في تصريحات للتلفزيون الهولندي قال "بيتر بيردوويسكي" رئيس شركة "بوسكاليس" التي وصل خبراؤها لمصر صباح الخميس لمساعدتها في تعويم السفينة، إن هناك تحديات كبيرة أمام خبراء شركته، ربما أبرزها عدم انتظام عمق قناة السويس الذي يبلغ 25 مترا في منتصفها قبل أن يتناقص ليصل إلى 15 و11 مترا وربما أقل على الطرفين، في حين أن غاطس الناقلة الجانحة يبلغ 15.7 متر، وهو ما يعني أن جزءا من مقدمة السفينة غاطس في الوحل.
أيضا يوجد هناك تحد آخر متمثل في حمولة السفينة نفسها. فبحسب الرجل يوجد على متن السفينة نحو 20 ألف حاوية ممتلئة مما يضع ثقلا كبيرا على مقدمة ومؤخرة السفينة.
هذا الحمل الثقيل يجعل إمكانية قطر الناقلة أمرا شبه مستحيل، ولذلك يشير "بيردوويسكي" إلى أن الناقلة قد تضطر لتفريغ جزء من حمولتها من الحاويات وكذلك من النفط والماء حتى تصل لوزن يمكن قطره.
من جهة أخرى، فإن المعدات التي يحتاجها خبراء "بوسكاليس" لإعادة تعويم السفينة لا توجد في مصر وجلبها إلى هناك سيأخذ وقتا، وهو ما يعني أن الأمر قد يستغرق أياما وربما أسابيع كما أشار "بيردوويسكي"، خصوصا أن حرص الخبراء الهولنديين على سلامة جسم السفينة سيجعلهم أشد حذرا وأكثر أناة.
استمرار انسداد القناة بهذا الشكل سيتسبب في مزيد من الازدحام أمام مدخليها، ففي إشعار أرسلته أمس لعملائها أشارت شركة "ليث أجانسيز" – أحد أكبر مزودي خدمات عبور قناة السويس – إلى أنه توجد هناك 42 سفينة عالقة الآن في القافلة المتجهة شمال القناة، فيما تقف حوالي 64 سفينة منتظرة ضمن قافلة الجنوب، في حين قالت شركة "جولف آجانسي كومباني" إن هناك 15 سفينة أخرى تنتظر عند المرسى.
إلى متى سيظل النفط عالقا في البحر؟
يمر حوالي 12% من التجارة العالمية عبر قناة السويس. وتعد القناة طريقا رئيسيا يتدفق من خلاله النفط من منطقة الخليج العربي إلى أوروبا وأمريكا الشمالية. وفقًا لتقديرات شركة أبحاث السوق "كبلر" فإن ناقلات النفط المتوقفة الآن أمام القناة بالإضافة إلى تلك المتوقع وصولها في الأيام القادمة تحمل على متنها ما يقرب من 10% من الاستهلاك العالمي من النفط في اليوم.
أكثر من 9% من النفط العالمي المنقول بحرا، بما في ذلك النفط الخام والمنتجات البترولية المكررة يمر عبر قناة السويس وخط أنابيب النفط "سوميد" الممتد من العين السخنة على خليج السويس إلى سيدي كرير على ساحل البحر المتوسط بالإسكندرية، وذلك وفقا لتقديرات إدارة معلومات الطاقة.
من جانبه أوضح "جيمس ويليامز" خبير الطاقة في شركة "دبليو تي آر جي إيكونوميكس" أن كمية النفط التي تمر عبر قناة السويس تقترب من 3 ملايين برميل يوميا.
وأشار "ويليامز" إلى أنه في ظل ارتفاع المخزونات العالمية من الخام في الوقت الحالي فإن تباطؤ تسليم بعض الشحنات بسبب الوضع الحالي في قناة السويس لن يكون له تأثير كبير على السوق.
في الوقت نفسه توقعت شركة تحليلات النفط "فورتيكسا" أن تتراكم السفن أمام قناة السويس بواقع 50 سفينة في اليوم، كما أشارت الشركة الأربعاء إلى أنه يوجد هناك حاليا حوالي 10 ناقلات نفط عالقة أمام وداخل قناة السويس تحمل على متنها نحو 13 مليون برميل تتأثر بالاضطراب الحاصل.
أكبر ثلاث دول مصدرة للنفط الخام والمنتجات البترولية عبر قناة السويس خلال عام 2021 وفقا لتقديرات "فورتيكسا" هي روسيا بواقع 546 ألف برميل يوميا، والمملكة العربية السعودية بواقع 410 آلاف برميل يوميا، بالإضافة إلى العراق الذي يصدر نحو 400 ألف برميل يوميا عبر القناة المصرية.
على الجهة الأخرى، تتصدر الهند قائمة أكبر الدولة المستوردة للخام والمنتجات البترولية عبر قناة السويس بواقع 490 ألف برميل يوميا، تليها الصين بـ420 ألف برميل يوميا، ثم كوريا الجنوبية بـ380 ألف برميل يوميا.
ويعتمد مدى تأثر تلك الدول بالاضطراب الحاصل حاليا في قناة السويس بطول مدة إغلاق القناة.
الانتظار أفضل خيار
انتظار إعادة فتح قناة السويس ربما هو أفضل خيار أمام شركات الشحن العالمية حتى الآن، وذلك بالنظر إلى أن الإبحار عبر طريق الرجاء الصالح يزيد من طول الرحلة من آسيا إلى أوروبا بواقع أسبوعين، وهو ما يعني تكاليف مادية أكبر والمزيد من التأخير في مواعيد التسليم.
وفي النهاية تنبغي الإشارة إلى معلومة غير صحيحة تداولها عدد كبير من الصحف في الساعات الأخيرة مفادها أن الأزمة حصلت في قناة السويس الجديدة وأنه تم تحويل مسار السفن إلى القناة القديمة الموازية، ولكن هذا غير صحيح.