لقد تغيّر الكثير منذ يوم السبت 29 سبتمبر/ أيلول 2012، عندما التقى زعيم جماعة أنصار الدين،
الطارقي إياد أغ غالي (قائد فرع القاعدة في منطقة الساحل حالياً) في الجزائر العاصمة مع السلطات الجزائرية. حينها كانت الجزائر تحت حكم بوتفليقة، ومنذ ذلك الحين تغيّر الوضع كثيراً، لأن الجزائريين اليوم لا يريدون التعامل مع الإرهابيين، لدرجة أنهم شعروا بالاستياء كثيراً من إطلاق سراح نحو 270 إرهابياً في مالي مقابل الإفراج عن رهائن أوروبيين وماليين.
منذ سقوط نظام بوتفليقة، أظهر الجيش والشرطة الجزائريان إصرارهما على محاربة الإرهاب، إذ تُبلّغ القوات الأمنية كل أسبوع تقريباً عن اعتقال إرهابيين جدد والتضييق على من تبقّى منهم. وكان آخر المعتقلين عبدي عقباوي، الملقب بعبدي ولد بركة، وهو مبعوث زعيم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، يزيد مبارك، المعروف باسم "أبوعبيدة يوسف العنّابي".
عندما تم إطلاق سراح الرهائن المحتجزين لدى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وبالإضافة إلى تحرير إرهابيين أسرى في السجون المالية، تلقّى التنظيم مبلغاً كبيراً من المال كمقابل. وكشفت المخابرات الجزائرية أن جزءا من هذه الفدية كان مخصصاً لارتكاب أعمال إرهابية في البلاد بعد أن تمكّنت القوات الأمنية من إضعاف التنظيم. وقد اعتقلت الجزائر على أراضيها بعض الأسرى المفرج عنهم في مالي، وهو ما يوضّح لنا أن القرارات المتعلقة بالإرهاب يجب أن تُتخذ بالإجماع مع دول الجوار، لأنه إذا لم يكن الأمر كذلك، فإن السعي لحل المعضلة في دولة ما قد يؤدي إلى خلق مشكلة في البلد المجاور.
في مالي، يؤيد بعض أعضاء الحكومة التفاوض مع الإرهابيين وهو ما سيؤدي بلا شك إلى حدوث مشاكل عاجلاً أم آجلاً. ومن المعلوم أن السلطة المالية الحالية هي مؤقتة، لأنها وصلت إلى سُدّة الحكم من خلال انقلاب عسكري. إنهم يتجاوزون صلاحياتهم، لدرجة أن أحد أعضاء هذه الحكومة المؤقتة أكد أنه يؤيد الحوار مع إرهابيي جماعة نصرة الإسلام والمسلمين التابعة للقاعدة، أي إياد وكوفا.
وبعد اجتماع مجموعة الساحل الخمس، تم تداول أنباء مفادها بأنه في دولة بوركينا فاسو المجاورة لمالي تم إطلاق سراح أكثر من 20 إرهابياً من جماعة نصرة الإسلام والمسلمين الموالية لتنظيم القاعدة طيلة عام 2020، وجاءت هذه الخطوة الحكومية بهدف كسب ودّ الإرهابيين، وهو مسعى لم ينجحوا فيه بالطبع.
هل أرادت الحكومة البوركينابية من وراء ذلك أن يقلل الإرهابيون من هجماتهم في البلاد، مع علمها أنهم سيستهدفون بشكل أكبر مالي والنيجر وجنوب الجزائر؟ يبدو أنهم يعيشون في بلد المخادعين، ويتجلّى ذلك عندما أطلقوا سراح الإرهابيين الخمسة الأوائل في الربع الأول من عام 2020 في الوقت الذي يعلم فيه الجميع جيداً أن وتيرة الإرهاب لم تنخفض في البلاد، بل حدث العكس تماماً.
من خلال هذه المناورة، تمكّنت بوركينا فاسو من إبقاء القائد الإرهابي عمرو ديالو في السجن لأقل من عام واحد، ليعود إلى صفوف جماعة نصرة الإسلام والمسلمين التي يملك صلة مباشرة بقادتها. وكان أحد الإرهابيين الآخرين المفرج عنهم هو اليد اليمنى للزعيم الإرهابي في حركة نصرة الإسلام والمسلمين، أمادو كوفا. ويتعلق الأمر بالمدعو، عبد الله سيكو دياو، المعروف باسم زبيرو البوركينابي، الذي اعتقل بالقرب من حدود بوركينا فاسو مع توجو، حيث كانت لديه كتيبته الخاصة "مجموعة دياو". ولا يُعرف سوى القليل جداً عن بقية الإرهابيين الذين تم إطلاق سراحهم من قبل حكومة بوركينا فاسو، ولكن إذا كان الأمر يتعلق بأسماء مشابهة لمَن تم الكشف عن هوياتهم، فنحن، دون شك، أمام سابقة تتمثل في إعادة 20 من قادة إرهابيي جماعة نصرة الإسلام والمسلمين إلى صفوف تنظيمهم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة