الجماهير الألمانية ترفض إنهاء "لعنة هوب"
الجماهير الألمانية ترفض التخلص من لعنة ديتمار هوب مالك نادي هوفنهايم رغم المستجدات الأخيرة وتوقف المسابقات الألمانية بسبب كورونا.
في يوم 29 فبراير/شباط الماضي، تعرّض ديتمار هوب مالك نادي هوفنهايم لإساءات بذيئة في 3 مباريات بالدوري الألماني أقيمت في اليوم ذاته، بسبب الاعتراض على السياسة الاستثمارية له.
المباراة الأولى جمعت بايرن ميونيخ أمام هوفنهايم بملعب الأخير، وقامت فيها جماهير الفريق الضيف بتوجيه إساءات لمالك صاحب الأرض من المدرجات، وهو ما استفز إدارة البافاري ولاعبيه، ليقوم لاعبو الفريقين بتمرير الكرات على أرض الملعب فيما بينهم في رسالة لجماهير الفريق التي خرجت عن النص بالتوقف عن بذاءاتهم.
أما المباراتان الأخريان فجمعتا بين بروسيا دورتموند وفرايبورج، ويونيون برلين وفولفسبورج، وكرر فيهما جماهير صاحبي الأرض الأمر نفسها ورفعوا أيضا لافتات مسيئة لهوب، وهو ما اضطر حكم لقاء دورتموند لإيقاف المباراة قبل أن يتحدث لاعبو الفريق مع قيادات مشجعيهم لوقف الهتافات خوفا من إلغاء اللقاء.
إساءات اليوم الكبيس لم تكن الأولى لمالك هوفنهايم، لكنها كانت الأكثر كثافة في يوم واحد، تجاه الرجل الذي تمت معاقبة أكثر من نادٍ بسبب إساءة جماهيرها له، وذلك عبر خوض مبارياتها خلف أبواب مغلقة ودون حضور مشجعيها.
الإساءات الكثيفة لهوب الذي يعتبره الكثيرون أحد رجال الأعمال الخيرين في ألمانيا بدت أشبه باللعنة التي حلت على الملاعب الألمانية، فبعدها بأيام تفشى فيروس كورونا في ملاعب العالم أجمع، وتسبب في إقامة بعض المباريات إجباريا بدون جماهير، قبل أن يتوقف النشاط الألماني تماما يوم 13 مارس/آذار ويمتد ذلك لأجل غير مسمى بعدها.
التوقف حرم الجماهير الألمانية ليس فقط من حضور المباريات في الملاعب، بل من مشاهدتها من الأساس ولو عبر الشاشات، ليأتي فيروس كورونا وينتقم لهوب ويذيق الألمان مرارة الغياب عن الملاعب، بل الحرمان أساسا من كرة القدم.
لكن يبدو أن الجماهير لم تتعلم من الدرس؛ فرغم خروج هوب (السبت) بتصريحات تلفزيونية أكد فيها مسامحته للجميع، ورغبته في نسيان كل شيء حدث من قبل، خرجت بعض الجماهير مجددا لتعيد الكرّة، وتواصل هجومها على مالك هوفنهايم وتوجيه الإساءات له.
تاريخ من الهجوم
اعتادت جماهير عدة أندية ألمانية على رأسها دورتموند الهجوم على ديتمار هوب من وقت لآخر خاصة خلال مواجهات فريقها أمام هوفنهايم، لكن ذلك الهجوم زاد خلال الفترة الأخيرة وامتدت لجماهير عدة أندية أخرى بخلاف دورتموند.
في يوم 20 ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي وجهت جماهير دورتموند هتافات عدائية ضد هوب، خلال لقاء الفريقين في الدوري المحلي، وقبل تلك المباراة كانت هناك عقوبة مع إيقاف التنفيذ عليها من 2018 بسبب سب مالك هوفنهايم.
الاتحاد الألماني قرر في فبراير الماضي، على خلفية واقعة ديسمبر وواقعة 2018، تفعيل العقوبة على جماهير دورتموند؛ ما نتجت عنه غرامة 50 ألف يورو وأن يلعب الفريق الأصفر والأسود لمدة عامين في هوفنهايم دون جمهور في كل المسابقات.
وهاجمت جماهير شالكه من جانبها مالك هوفنهايم في مارس الماضي، خلال لقاء الفريقين، ووجهت له هتافات مسيئة ووصفته بصفات بذيئة، مثلما فعلت نظيرتها في بايرن ميونيخ.
وحاول بايرن ميونيخ المساعدة في إيقاف ذلك الهجوم الجماعي على هوب بعد مباراة الفريقين، حيث أعلن كارل هاينز رومينيجه الرئيس التنفيذي عن تشكيل لجنة للتحقيق في الهجوم الذي حدث على رئيس هوفنهايم من أجل إيجاد الجناة.
وكان من المتوقع أن يحدث شيء مماثل من قبل إدارة شالكه أو الاتحاد الألماني للرد على هذا الهجوم، لكن يبدو أن توقف النشاط في ألمانيا قبل منتصف مارس لم يمنح السلطات الألمانية الوقت للتحقيق ومعاقبة الجماهير.
لماذا هوب؟
ديتمار هوب أصبح هدفاً للهتافات العدائية من قبل جماهير بعض الأندية الألمانية، بعدما كشف عن فكره الاستثماري خلال السنوات الأخيرة والذي رفضته قطاعات من الجماهير.
وكان هوب قد انتقد، في وقت سابق، الجماهير الرافضة لإلغاء قانون "50+1" المطبق في الدوري الألماني، الذي يستلزم احتفاظ الجمعيات العمومية بنسبة 51% من أسهم الأندية على أن يكون الباقي للمستثمرين، حيث طالب بأن تكون للمستثمرين الكلمة العليا في أنديتهم لأنهم أصحاب رأس المال، وأن يسمح لهم بنسبة ملكية أكبر.
رغبة مالك هوفنهايم في إلغاء قاعدة الـ"50%+1"، التي تتيح لأعضاء الجمعيات العمومية للأندية بأن تكون صاحبة رأي في القرارات المصيرية لها على حساب المستثمرين، كانت ستحول القرارات في إدارات الأندية الألمانية بشكل كامل إلى أيدي المسؤولين وأصحاب الأموال، وهو الأمر الذي تم رفضه بشدة في ألمانيا.
ليس هذا فحسب، فجماهير أندية مثل بايرن ميونيخ وشالكه ودورتموند وأندية أخرى شعبية مثل بروسيا مونشنجلادباخ، ترفض أن تكون هناك فرق استثمارية مثل ريد بول لايبزيج على سبيل المثال، فهذا سيضر بمصالح أنديتها على المدى البعيد خاصة حال تطبيق مقترح هوب في المستقبل.
الغريب أن هوب نفسه لم يكن ليستفيد من هذا إجازة القانون في الوقت الحالي، بعدما بات له الحق في التحكم في سياسات ناديه هذا العام عقب مرور 20 عاما على بدء استثماراته فيه عام 2000، وذلك وفقا للقانون الألماني، ولعل ذلك هو السبب في تكثيف الهجوم عليه هذا العام أكثر مما سبق.
مكافح كورونا
ديتمار هوب هو رجل أعمال ألماني ينشط في مجال البرمجيات بشكل خاص بجانب مجالات أخرى، ويعد من أغنى الشخصيات في أوروبا، ومعروف عنه تبرعاته لمؤسسات الخير والمشاريع الخيرية في بلاده، لكن اتجاهه إلى كرة القدم كان السبب الرئيسي في عدائه مع الجماهير الألمانية.
وذكرت صحيفة "دير شبيجل" الألمانية في 16 مارس الماضي أن شركة "كيور فاك" الألمانية المملوكة لهوب باتت قريبة من الكشف عن لقاح لمواجهة فيروس كورونا، الذي استفحل في أنحاء أوروبا بشكل كبير لا سيما ألمانيا موقعا الآلاف من المصابين والمتوفين.
وأكدت الصحيفة أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عرض على هوب الحصول على أموال طائلة نظير انفراد الولايات المتحدة الأمريكية باللقاح، وهو ما رفضه مالك نادي هوفنهايم، الذي بات الألمان ينتظرون منه طوق النجاة بعدما كان بعضهم يوجهون له السباب.
اللعنة مستمرة
صرح ديتمار هوب (السبت) في حوار تلفزيوني في برنامج "كارنت سبورت استوديو" عبر قناة "زد دي إف" الألمانية بأنه عفا عن كل الإساءات، موضحا: "أريد أن أنسى كل شيء، كما لو أن التاريخ سيبدأ من الآن".
لكن الغريب أن ردود أفعال الجماهير المتعصبة في ألمانيا لم تتوقف رغم ما قاله هوب، حيث رد عليه أحد المشجعين المتعصبين عبر حساب القناة الألمانية على موقع "تويتر" للتواصل الاجتماعي بالقول: "لو هذه هي رسالة هوب، فيبدو أنه لم يفهم شيئا"، بينما حول أحدهم الهجوم على والد مالك هوفنهايم بالإشارة إلى أن له تاريخا نازيا.
وتبع هذا وذاك الكثير منا لجماهير المتعصبة، لتضطر القناة الألمانية من جانبها بفلترة كل التعليقات المسيئة من الجماهير التي تفاعلت مع تصريحات مالك هوفنهايم.
ليظل السؤال: إلى متى ستظل الأندية الألمانية مصرة على الخلط بين الأمور في حربها مع مالك هوفنهايم الذي بات حاليا يحارب في ساحة أخرى ضد فيروس كورونا؟
aXA6IDMuMTQ1LjE5MS4yMTQg جزيرة ام اند امز