رغم ارتفاع عدد ضحايا الحرب على غزة، لا تزال الإدارة الأمريكية تقدم دعماً غير مسبوق للجيش الإسرائيلي.
موقف أكده وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، في أثناء زيارته للمنطقة، والتي جدّد خلالها دعم بلاده للعمليات العسكرية الإسرائيلية دون قيود، مشددًا على الموقف المنحاز وغير الأخلاقي وغير القانوني للإدارة الأمريكية في مساندتها للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
الموقف الأمريكي الداعم بشكل مطلق للعملية العسكرية الإسرائيلية ضد قطاع غزة أسفر عن العديد من التداعيات السلبية على المصالح الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك على أرواح الأمريكيين المقيمين في المنطقة.. ومن تلك التداعيات -حسب رأيي- ما يلي:
أولاً: المطالبات المتكررة بغلق السفارات الأمريكية في بعض الدول العربية: فقد تقدَّم 32 عضواً في البرلمان العراقي من أصل 329 بوثيقة رسمية يطالبون فيها رئاسة البرلمان بعقد جلسة استثنائية، تتضمن المطالبة بإغلاق السفارة الأمريكية في بغداد، وطرد السفيرة الأمريكية لدى العراق آلينا رومانوسكي وتعليق العلاقات الدبلوماسية مع جميع الدول الداعمة لإسرائيل في حربها ضد غزة.
كذلك تجمهر العشرات من التونسيين أمام مقر سفارة الولايات المتحدة الأمريكية بالعاصمة التونسية للمطالبة بغلق السفارة ورحيل سفيرها.
أضف إلى ذلك، ما تردد هنا في واشنطن وبجوار الكابيتول من معلومات عن معارضة عدد من النواب والنشطاء الكويتيين تعيين السفيرة الأمريكية الجديدة لدى الكويت كارين ساساهارا، بل المطالبة بمنعها من تسلم مهام عملها، لكن الحكومة الكويتية رفضت تلك الدعوات، وحسمت الجدل بشأن اعتماد السفيرة الأمريكية القادمة.
ثانياً: الاستهدافات والتهديدات المعلنة ضد القوات الأمريكية في العراق وسوريا وإيران: فقد كشفت وزارة الدفاع الأمريكية عن أن القوات المتمركزة في الشرق الأوسط تعرضت لـ13 هجوماً في أقل من أسبوع، وعلى سبيل المثال تعرضت القوات الأمريكية في العراق في 18 أكتوبر/تشرين الأول لهجومين منفصلين بطائرات مسيرة، تسبب أحدهما في إصابات طفيفة لعدد صغير من الجنود.
ونتيجة لذلك، أعلنت وزارة الدفاع أن الجيش يتخذ خطوات جديدة لحماية قواته في الشرق الأوسط مع تزايد المخاوف بشأن هجمات على القواعد الأمريكية، وكذلك أعلنت الإدارة الأمريكية أن لديها خططاً لإجلاء الأمريكيين في الشرق الأوسط إذا خرج الصراع في غزة عن السيطرة.
معلوم أن هناك ما يقرب من 600 ألف من مواطني الولايات المتحدة يعيشون في إسرائيل ولبنان ويشكلون مصدر قلق للإدارة الأمريكية، وفقا لماً ذكره مسؤولون في إدارة الرئيس جو بايدن، وبالتالي فإن عملية إجلاء هؤلاء ستمثل أسوأ سيناريو على خلفية الحرب الإسرائيلية على غزة، أضف إلى ذلك التهديدات المعلنة من الحرس الثوري الإيراني باستهداف المصالح الأمريكية وهو ما سمعناه من مساعد قائد الحرس الثوري الإيراني محمد رضا نقدي من أنه إذا لم تتوقف الجرائم الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني فسوف يتوجب استهداف المصالح الأمريكية في المنطقة، ومعلوم أنه رداً على تلك التهديدات، شنّت الولايات المتحدة ضربات على منشآت في شرق سوريا يستخدمها الحرس الثوري الإيراني وجماعات مرتبطة بإيران.
ثالثاً: التراجع الملحوظ في نسبة الثقة بالولايات المتحدة؛ إذ تشير الأرقام التي أسفر عنها استطلاع الرأي العام الذي أجرته المجموعة المستقلة للأبحاث وشركاؤها في المنطقة، الذي شمل عينات وطنية من 6 دول عربية؛ هي (العراق وسوريا والأردن ومصر ولبنان وفلسطين) في الفترة من 17-29 أكتوبر/تشرين الأول 2023، إلى أن الولايات المتحدة تخسر نفوذها بشكل قد يؤثر على الأولويات الثلاث التي حددتها وثيقة الأمن القومي، والتي تشمل التفوق على الصين والحد من نفوذ روسيا، بالإضافة إلى مكافحة الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط.
ونتيجة الدعم الأمريكي لإسرائيل، وصلت نسبة الثقة بالولايات المتحدة وتأثيرها بين شعوب المنطقة إلى أدنى مستوياتها، بينما تصاعدت نسبة التأييد لمنافسيها وخصومها الاستراتيجيين؛ وهم الصين وروسيا وإيران.
ويتضح من ذلك أن طريقة تعامل الولايات المتحدة مع حرب غزة أفقدتها ما تبقى لها من مصداقية وحيادية بين الجماهير العربية، كما أنها خسرت قوتها الناعمة في المنطقة التي استثمرت فيها على مدار قرن من الزمن تريليونات الدولارات، وكثيراً من الدماء والجهود التي على ما يبدو أنها مهددة بالضياع كلياً بسبب الصراع في غزة.
رابعاً: احتمالية زيادة الأعمال الإرهابية: فقد دفعت هذه الأزمة رؤساء المخابرات داخل أمريكا وبريطانيا لإصدار تحذير مشترك، ما يعد سابقة تاريخية تتحدث عن احتمالية تزايد المخاطر، خاصة «الإرهاب الداخلي» نتيجة لأحداث غزة، بالإضافة إلى تفشي مقاطعة علامات تجارية أمريكية بين مواطني الدول العربية، حيث تواجه العديد من العلامات التجارية الغربية والأمريكية - على وجه الخصوص- حملة مقاطعة بسبب هذه الحرب.
فرواد مواقع التواصل الاجتماعي، في مصر والعالم العربي دشنوا خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حملات واسعة لمقاطعة شركة بيبسي وشركة ماكدونالدز الأمريكية للمأكولات. وفي 13 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تكبّدت «ماكدونالدز» و«كوكاكولا» خسائر فادحة بسبب دعمهما العلني للجيش الإسرائيلي.
في خلاصة لكل ما سبق، يتضح أن المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط تعرَّضت للكثير من المخاطر بعد دعم الولايات المتحدة المطلق، برئاسة الرئيس جو بايدن للعمليات العسكرية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين وتقديم الأسلحة اللازمة لتل أبيب بغض النظر عن الالتزام بالقيم الأمريكية واحترام حقوق الإنسان ومبادئ القانون الدولي، التي غالباً ما كانت تُروج لها الولايات المتحدة كغطاء لسياسة المصلحة فوق كل اعتبار، التي تتبعها واشنطن، مما قد يسبب تراجع مصداقية أمريكا في منطقة الشرق الأوسط والعالم أجمع في قادم الأيام.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة