بايدن يتحسس أثر ريغان في «النورماندي».. إلهام هوليوودي يواجه زحف ترامب
عندما وطأت أقدام الرئيس الأمريكي جو بايدن فرنسا، ظن كُثر أنها زيارة عادية، لكنها غير ذلك فالقصة تحمل ذاكرة عمرها 40 عاما.
وأمس الأربعاء، وصل بايدن إلى فرنسا للانضمام إلى زعماء العالم في إحياء الذكرى الثمانين ليوم الإنزال، وهي زيارة يخطط فيها لاستحضار ذكرى الحلفاء المتحدين، لتسليط الضوء على مخاطر حملته الانتخابية ورسم خط واضح مقارنة مع خصمه دونالد ترامب.
ففي العادة لا يميل الرؤساء الديمقراطيون إلى تبني الجمهوري رونالد ريغان كنموذج يحتذى به، لكن بايدن ينظر بإلهام على ما يبدو، لرحلة الراحل إلى "النورماندي"، في الذكرى الثمانين ليوم النصر بالحرب العالمية الثانية.
وينظر بايدن وفريقه عن كثب إلى الطريقة التي استخدمها الرمز المحافظ في رحلة مماثلة قبل أربعين عاما، وفقا لثلاثة أشخاص مطلعين على خطط الرئيس، تحدثوا لصحيفة "بوليتيكو".
في يونيو/حزيران عام 1984، سافر ريغان إلى الساحل الشمالي لفرنسا لإلقاء خطابين لإحياء ذكرى التضحيات البطولية لآلاف الجنود الأمريكيين خلال الحرب العالمية الثانية.
واستحوذ أحد الخطابين، الذي كتبته بيغي نونان، على اهتمام الأمة، ورفع الدعم لنهج ريغان في السياسة الخارجية.
بل ظهر الخطاب بشكل لافت في الفيديو الذي قدمه ريغان في مؤتمر الحزب الجمهوري اللاحق، وفي نهاية المطاف ساعد عاى حمل الرئيس الراحل إلى ولاية ثانية آنذاك.
ويبدي مساعدو بايدن اهتماما بهذا السيناريو، إذ أقروا بأنهم درسوا رحلة ريغان عن كثب، ويتطلعون إلى جذب انتباه الجمهور المشتت والمحبَط وتذكيرهم بأن هناك الكثير من الأمور التي لا تزال على المحك.
تشابه الكلمات
وبحسب ما طالعته "العين الإخبارية" في مجلة بوليتيكو الأمريكية، ليس من المتوقع فقط أن يحاكي بايدن ريغان في الإشادة بهذه المعارك الحاسمة من أجل الحرية والديمقراطية، بل إنه سيلقي كلمته من حيث وقف ريغان، على تلك المنحدرات الشهيرة التي تحول فيها مسار الحرب.
ويرى المؤرخ جون ميتشام أن هذه المناسبة هي مناسبة "التذكر النشط".
وتحدث المؤرخ مؤخرًا مع بايدن وفريقه عن أهمية يوم النصر والطقوس الرئاسية لإحياء ذكراه، التي بدأت بالفعل مع خطاب ريغان في 1984.
وقال ميتشام، وهو يمشي بين القبور ويتحدث من شاطئ أوماها، "هذا هو الجزء التذكاري، إعادة سرد القصة القديمة مرة أخرى، وجعل القديم جديدا مرة أخرى فيما أصبح طقسا مقدسا".
وتابع "الجزء الفعال هو أن نقدم للبلد والعالم السياق الذي نحن مدعوون الآن للعيش فيه بطريقة تكرم الذين سقطوا، وتحافظ على القيم الأساسية التي ماتوا من أجلها".
ومضى قائلا "توفر النورماندي لبايدن فرصة لتكريم ذكريات الرجال الذين جعلوا حياتنا ممكنة ويدعونا للوقوف من جديد ضد قوى الاستبداد الأكثر ظلاما، وهي قوى تهدد النظام العالمي القائم على القواعد والتحالفات التي انبثقت عن الحرب العالمية الثانية".
ومثلما كانت كلمات ريغان بمثابة صيحة عزم أمريكية موجهة إلى الاتحاد السوفياتي السابق، فإن خطاب بايدن سيهدف إلى توضيح أهمية الاستمرار في مساعدة أوكرانيا في صد الهجوم الروسي. وفق المصدر.
مخاطر محتملة
لكن لا تخلو المقارنة المباشرة مع ريغان وخطاب الأخير الذي يعتبره الكثيرون أحد أفضل الخطابات التي ألقاها رئيس أمريكي في الخارج على الإطلاق، من المخاطر على حملة بايدن الرئاسية، وفق بوليتيكو.
وهذا ينطبق بشكل خاص على بايدن البالغ من العمر 81 عاما، بينما كان ريغان ممثلا هوليووديا يبلغ من العمر 73 عاما في 1984، ولم يكن متأثرا بعد بمرض ألزهايمر.
كما لم يُعرف الرئيس الحالي بالخطابة الرنانة أو حتى، في السنوات الأخيرة، بالتواصل الواضح والفعال مع الجمهور، على عكس ريغان.
وبعيدا عن المخاطر التي تحملها المقارنة بينهما، يبدو أن فريق بايدن مقتنع بوجود فائدة سياسية واضحة في تذكير البلاد، خاصة الجمهوريين الأكثر تقليدية المشككين في الرئيس السابق دونالد ترامب، بأن الرئيس الحالي يدافع عن نفس القيم الديمقراطية التي دافع عنها أحد أكثر رموز الحزب الجمهوري احتراما.
وحسب قول المصدر ذاته، يعزى تصميم ظهور بايدن وكل ما يصاحبه من مشاهد في النورماندي للاستهلاك العام في مقاطع مغلفة، تخطط الحملة واللجنة الوطنية الديمقراطية لنشرها في الأسابيع المقبلة.
وكما هو الحال بالنسبة لبايدن في الوقت الحالي، لم تكن استطلاعات ريغان في النصف الأول من عام 1984، خاصة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، جيدة. إذ كان الناخبون متوترين بسبب الفوضى في جميع أنحاء العالم: بداية من تفجير السفارة الأمريكية في لبنان والغزو الأمريكي لغرينادا في العام السابق على خلفية شبح الأعمال العدائية، فضلا عن زيادة الأعمال العدائية في إطار الحرب الباردة مع السوفيت.
هل ينجح؟
هنا يقول دوغلاس برينكلي، المؤرخ الرئاسي في جامعة رايس الذي أصدر كتاباً بعنوان ’فتيان بوانت دو هوك‘ وهو يشرح بالتفصيل كيف استخدم ريغان ومساعدوه خطابي يوم النصر لتغيير الموقف العالم حول سياسته الخارجية وترسيخ التصورات عنه كقائد أمريكي قوي، "لقد نجح الأمر".
ووصف ريغان في خطابه المشاركين في معركة النورماندي بأنهم رجال "كان لديهم الإيمان بأن ما يفعلونه كان صحيحا، وأنهم يحاربون من أجل الإنسانية جمعاء، وأن الله العادل سيمنحهم الرحمة على رأس هذا الشاطئ أو في الشاطئ التالي".
وتوقع برينكلي أن يتضمن خطاب بايدن أطرا خطابية وسياسية مماثلة لما استخدمه ريغان.
فيما ذكر مساعدون رئاسيون لـ"بوليتيكو" أن الخطاب سيكون دفاعا حماسيا عن الديمقراطية وحلف شمال الأطلسي "الناتو".
وبالعودة إلى الثمانينيات ارتفعت نسبة التأييد لسياسة ريغان الخارجية، التي كانت قد تراجعت بعد عام 1983 الصعب، إلى أكثر من 50 في المئة بعد خطابه في يوم النصر.
وبعد ذلك بأشهر قليلة، وعلى متن موجة من الوطنية الجديدة التي دفعها إلى حد كبير الحنين إلى جيل الحرب العالمية الثانية، فاز الممثل السابق، بولاية ثانية بأغلبية ساحقة على الديمقراطي والتر مونديل.
رياح مواتية؟
من غير المرجح أن يشهد بايدن انقلابا مماثلا في الحظ، ليس فقط بسبب الجمود الحزبي والمشهد الإعلامي المتشعب في العصر الحديث، ولكن لأن سياقات الخطابات الخاصة بكل منهما لا تزال مختلفة بشكل كبير.
فبعد أن أطلق حملته الانتخابية حول موضوعي الحرية والديمقراطية يواجه بايدن حقيقة غير مريحة سياسيا تتمثل في دفعه حربين مستمرتين في أوكرانيا، حيث قضت روسيا على بعض المكاسب الإقليمية التي حققتها كييف في العام الأول من الصراع، وفي غزة إذ لا يزال رد إسرائيل القاسي على هجوم حماس جاريا.
لن يكون خطاب النورماندي في 7 يونيو/حزيران هو المرة الأولى التي يحاول فيها بايدن أن يستلهم إرث ريغان.
فخلال خطابه عن حالة الاتحاد في مارس/آذار الماضي، وبّخ بايدن المشرعين من الحزب الجمهوري "الذين يريدون الابتعاد عن قيادة الولايات المتحدة للعالم" بسبب إعاقة المساعدات الدفاعية لأوكرانيا.
وفي حينه، قال بايدن "لم يمض وقت طويل عندما صرخ رئيس جمهوري يُدعى رونالد ريغان قائلاً ’سيد غورباتشوف، اهدم هذا الجدار"، مما أثار التصفيق. "والآن.. يقول سلفي، رئيس جمهوري سابق، لـ(الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين ’افعل ما تريده بحق الجحيم‘.
aXA6IDMuMTM4LjEyNi4xMjQg جزيرة ام اند امز