الفرصة سانحة.. 3 خيارات أمام بايدن لمد غطاء السلام في الشرق الأوسط
كثر ينظرون لجو بايدن كرئيس يمرر الوقت والأيام حتى تسليم السلطة والتقاعد على البحر، لكن هذه الوضعية بالتحديد مصدر قوته بملف الشرق الأوسط.
وبعد التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار في لبنان، وقرب تولي دونالد ترامب ولايته بما يعنيه ذلك من تقوية لخط إسرائيل في التعاطي مع الأراضي الفلسطينية، يبدو أمام بايدن فرصة لمدة غطاء السلام وفرض حل الدولتين.
ومنذ إنشاء دولة إسرائيل في عام 1948، كانت اللحظات الوحيدة التي بدا فيها الصراع الإسرائيلي الفلسطيني قابلاً للحل هي اللحظات التي تولت فيها الولايات المتحدة زمام الأمور، وفق مجلة فورين آفيرز الأمريكية.
بنفس الدرجة، لطالما حدّت السياسة الداخلية من حجم الضغط الذي يمكن لأي رئيس أمريكي أن يمارسه في هذا الملف. لكن بايدن يتمتع الآن بفرصة لم تتح لأي من أسلافه: لقد تم إعفاؤه من جميع القيود السياسية المحلية في لحظة الحاجة فيها واضحة للضغط الأمريكي.
لحظة حاسمة
ووفق فورين آفيرز، لقد مرّ كل من أسلاف بايدن بفترة ضعف في الحكم، لكن لم يتزامن أي منهم مع مثل هذه اللحظة الحاسمة في الصراع.
الوضع الراهن لا يناسب أحدًا. الفلسطينيون هم الضحايا الأكثر وضوحًا. في العام الماضي، قتلت القوات الإسرائيلية أكثر من 40,000 شخص في غزة، بالإضافة إلى حوالي 700 شخص في الضفة الغربية، حيث لا تسيطر حماس على السلطة.
وبحسب المجلة، لقد وقعت إسرائيل في فخ من صنع يديها: فهي لا تستطيع الاحتفاظ بهويتها كدولة ديمقراطية ودولة يهودية دستورياً في الوقت الذي تحافظ فيه على احتلال تحكم من خلاله أكثر من خمسة ملايين فلسطيني ليسوا مواطنين في إسرائيل.
قبل أن تضيف أن "الولايات المتحدة، بتوفيرها الغطاء الدبلوماسي لاحتلال تعتبره معظم دول العالم غير قانوني - وبتوفيرها الأسلحة التي يعتمد عليها هذا الاحتلال - قد نسفت مصداقيتها، مما يحد من قدرتها على الدفاع عن القانون الدولي وانتقاد الجهات الفاعلة السيئة مثل الصين وإيران وروسيا، لذلك لا بد أن يحدث شيء ما".
فورين آفيرز رأت أن هذه لحظة يجب أن ينحاز فيها بايدن لإنهاء معاناة الفلسطينيين، ومد غطاء السلام في الشرق الأوسط ليشمل الأراضي الفلسطينية بعد لبنان، وتعزيز إرثه الشخصي كرئيس، قبل ولاية جديدة لدونالد ترامب قد تعقد حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
وبناء عليه، هناك ثلاث خطوات مهمة يمكن أن يتخذها بايدن خلال أسابيعه الأخيرة، من خلال إجراءات تنفيذية بحتة، من شأنها أن تخفف من معاناة الفلسطينيين وتحافظ على إمكانية حل الدولتين، وهو ما سيكون أيضًا أفضل طريقة لترسيخ أمن إسرائيل على المدى الطويل.
ووفق المجلة، ينبغي لبايدن الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ورعاية قرار بشأن حل الدولتين في مجلس الأمن الدولي، وتطبيق التشريعات الأمريكية الحالية بشأن قيود نقل الأسلحة إلى إسرائيل.
وستكون هذه الإجراءات الثلاثة بسيطة نسبيًا، ويصعب التراجع عنها. ويمكنها معًا أن تساعد في تغيير مسار الشرق الأوسط الذي يتجه نحو الكارثة.
الاعتراف والقرار الدولي
وعلى قول فورين آفيرز، فإن الاعتراف بالدولة الفلسطينية ليس راديكاليًا كما يبدو. ففي الوقت الراهن، تعترف 146 دولة من أصل 193 دولة في الأمم المتحدة بالدولة الفلسطينية، بما في ذلك أكثر من اثنتي عشرة دولة حليفة في حلف شمال الأطلسي.
وإذا غيّرت الولايات المتحدة موقفها، فإن بقية الدول الرافضة للاعتراف بالدولة الفلسطينية قد تفعل ذلك بين عشية وضحاها. ويجب أن يعترف بايدن بفلسطين بالطريقة نفسها التي اعترف بها الرئيس هاري ترومان بدولة إسرائيل في عام 1948، بعد 11 دقيقة فقط من قيام الدولة الفلسطينية، وبجرة قلم.
في حالة ترومان، لم يكن الاعتراف الرسمي بإسرائيل سوى بيان مكتوب بخط اليد جاء فيه: ”أُبلغت هذه الحكومة بإعلان قيام دولة يهودية في فلسطين، وطلبت الحكومة المؤقتة الاعتراف بها. تعترف الولايات المتحدة بالحكومة المؤقتة باعتبارها السلطة الفعلية لدولة إسرائيل الجديدة“.
في ذلك الوقت، كانت جيوش إسرائيل وأربعة من الدول الأوروبية لا تزال تتصارع على خطة الأمم المتحدة لتقسيم فلسطين، ولم تكن لغة هذا الاعتراف الرئاسي تلزم الولايات المتحدة بدعم أي تفاصيل محددة لتسوية نهائية.
ووفق فورين آفيرز، يجب على بايدن صياغة بيان بسيط مماثل، أو حتى استخدام صيغة ترومان المجردة كنموذج.
كما ينبغي على بايدن أن يرعى قرارًا لمجلس الأمن الدولي لإرساء إجماع دولي لحل الدولتين. إذ لا يزال الإطار الدولي الحالي لتسوية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني يقتصر على قرارات مجلس الأمن 242 و338 و1397.
ويدعو القراران 242 و338، اللذان أُقرا في أعقاب حرب الأيام الستة عام 1967 وحرب 1973 على التوالي، إلى وقف القتال وإعادة الأراضي التي تم الاستيلاء عليها (يفترض أنها لمصر والأردن وسوريا).
ولا يذكر أي من القرارين أي شيء عن السكان الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية أو حتى يذكر كلمة ”فلسطيني“. أما القرار 1397، الذي صدر في 2002، فيكتفي بالتأكيد على ”رؤية لمنطقة تعيش فيها دولتان، إسرائيل وفلسطين، جنبًا إلى جنب ضمن حدود آمنة ومعترف بها.“
في هذا السياق، يمكن أن ينظم بايدن تمرير قرار يعترف صراحةً بدولة فلسطينية ذات سيادة في الأراضي التي تحتلها إسرائيل منذ عام 1967.
ولا يوجد احتمال لاستخدام حق النقض (الفيتو) في هذا السيناريو: تعترف روسيا والصين بالفعل بالدولة الفلسطينية، وقد أشار قادة فرنسا والمملكة المتحدة خلال العام الماضي إلى استعدادهم لمنح مثل هذا الاعتراف قبل اكتمال التسوية التفاوضية.
قيود الأسلحة
أخيرًا، يجب على بايدن تطبيق القوانين الأمريكية الحالية المتعلقة بنقل الأسلحة إلى إسرائيل. لقد أصبح أحد أسوأ الأسرار المحفوظة في واشنطن مكشوفًا الآن: القوانين الأمريكية المتعلقة بعمليات نقل الأسلحة إلى إسرائيل تحمل علامة غير مرئية.
هناك تشريعان رئيسيان على الأقل من التشريعات التي طال انتظار تطبيقها، فالقانون المسمى بقانون ليهي - أو على نحو أكثر دقة، المادة "620M" من قانون المساعدة الخارجية لعام 1961، بصيغته المعدلة في يناير/كانون الثاني 2014، يحكم المساعدات العسكرية الأمريكية التي توزعها وزارة الخارجية (هناك قانون مماثل يحكم مساعدات وزارة الدفاع).
صياغة القانون واضحة لا لبس فيها: ”لا يجوز تقديم أي مساعدة بموجب هذا القانون أو قانون مراقبة تصدير الأسلحة إلى أي وحدة من قوات الأمن في بلد أجنبي إذا كان لدى وزير الخارجية معلومات موثوقة بأن هذه الوحدة قد ارتكبت انتهاكًا جسيمًا لحقوق الإنسان.“
وينطبق هذا القانون على جميع الدول التي تتلقى مساعدات عسكرية أمريكية.
وكتب تشارلز بلاها، وهو دبلوماسي متقاعد حديثاً، في يونيو/حزيران 2024: ”يصر مسؤولو الوزارة على أن الوحدات الإسرائيلية تخضع لنفس معايير التدقيق التي تخضع لها الوحدات من أي دولة أخرى، ربما من الناحية النظرية. ولكن من الناحية العملية، هذا ببساطة غير صحيح“.
ويبدو أن مذكرات التوقيف التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية الأسبوع الماضي، بحق رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع الإسرائيلي السابق يوآف غالانت، تشكل ”معلومات موثوقة“ عن انتهاك جسيم لحقوق الإنسان، شأنها شأن عدد كبير من الأفعال الأخرى الموثقة جيدًا التي ارتكبتها السلطات الإسرائيلية منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وتلقت وزارة الخارجية الأمريكية ما يقرب من 500 تقرير عن استخدام إسرائيل لأسلحة زودتها بها الولايات المتحدة في هجمات على المدنيين في غزة، وفق المجلة.
وبعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان الشهر الماضي، اتهم مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان إسرائيل بارتكاب ”فظائع في لبنان، بما في ذلك أعمال عنف تهدف إلى نشر الرعب بين المدنيين والحرب العشوائية“.
التشريع الثاني الذي يجب على بايدن تطبيقه على إسرائيل هو قانون ممر المساعدات الإنسانية. يحظر هذا القانون جميع عمليات نقل الأسلحة إلى أي بلد ”يحظر أو يقيد نقل أو إيصال المساعدات الإنسانية الأمريكية إلى أي بلد آخر“.
وأدى رفض إسرائيل المستمر للسماح بإدخال أكثر من مجرد قطرات من المساعدات إلى غزة إلى إنفاق إدارة بايدن 230 مليون دولار لبناء رصيف عائم هذا الربيع، وكان يعمل لمدة ثلاثة أسابيع فقط وتمكن من إيصال مساعدات أقل خلال تلك الفترة من المساعدات القليلة التي تدفقت عن طريق البر.
وفي أغسطس/آب، خلص تقرير رقابي صادر عن المفتش العام للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية إلى أن قوات الدفاع الإسرائيلية أعطت الأولوية لمتطلباتها التشغيلية والأمنية على إيصال المساعدات الإنسانية بشكل غير صحيح.
وفي ختام المقال، قال كاتبه، جونا بلانك، "على مدار العام الماضي، لم يُظهر بايدن نفسه على أنه جريء، ناهيك عن كونه راديكاليًا. ولكن طوال حياته المهنية، كان يفاجئ باستمرار أولئك الذين وصفوه بأنه أكثر رجل يمكن التنبؤ به في واشنطن".
وتابع "لا أعرف ما إذا كان بايدن عام 2024 سيقرر إنهاء حياته العامة بلفتة بطولية شجاعة. لكن بايدن الذي عملت معه كان سيوجه فريقه بالفعل لوضع مثل هذه الخطة" حيز التنفيذ.
aXA6IDMuMjIuMjQ5LjIyOSA= جزيرة ام اند امز