«مملكة حماس» في بريطانيا.. شبكة تمويل متجذرة وعلاقات وثيقة بالإخوان

تحقيق عبري كشف عن شبكة مالية معقدة تمتد من قلب العاصمة البريطانية إلى قطاع غزة، تعتمد فيها حماس على واجهات إنسانية ومؤسسات محسوبة على تنظيم الإخوان، لجمع وتبييض الأموال التي تدعم عملياتها.
التحقيق الذي بثته القناة 12 العبرية، أكد أنّ بريطانيا باتت واحدة من أكثر الدول الغربية دعمًا للتنظيم ماليًا، إلى درجة أنها تُوصَف داخل أجهزة الأمن الإسرائيلية بأنها «العاصمة المالية لحماس في الغرب»،، لكنه أثار تساؤلات بشأن توقيته وخاصة بعد قرارات لندن الأخيرة ضد الدولة العبرية.
- شخصان و3 كيانات.. عقوبات أمريكية بريطانية تضرب شبكة تمويل لـ«حماس»
- «رابطة مسلمي بريطانيا».. هل بدأت بريطانيا مسار مكافحة الإخوان؟
ووفق التحقيق فقد تمكّنت تلك الشبكة عبر عقود من التغلغل داخل المجتمع المدني تحت مؤسسات وهيئات تنشط تحت عناوين العمل الخيري والإنساني.
ويربط التحقيق بين هذه الشبكة وقيادات بارزة في جماعة الإخوان، مذكّرًا بأن التحالف التاريخي بين الطرفين وجد في مساحة الحرية والثغرات القانونية والسياسية في البيئة البريطانية تربة خصبة للتمدد والعمل بحرية، سمحت للحركة بترسيخ نفوذها داخل الساحة البريطانية.
من الاحتجاجات إلى البنية المؤسسية
ومنذ تصاعد الهجوم الإسرائيلي على غزة بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، شهدت المدن البريطانية – لا سيما لندن – مظاهرات ضخمة مؤيدة للفلسطينيين، بعضها قادته منظمات وناشطون مرتبطون بحركة «حماس» بشكل مباشر أو غير مباشر.
لكن وفقًا لتحقيق القناة 12، فإن النشاط الميداني في الشارع ليس إلا واجهة لبنية مؤسسية عميقة تعمل منذ عقود في قلب المجتمع البريطاني، وتستغل مناخ الحريات والسياسات المتساهلة نسبيًا تجاه بعض الجمعيات الإسلامية.
وتُشير التقديرات الأمنية الإسرائيلية إلى أن أكثر من 25% من التمويل غير الحكومي لحماس يأتي من داخل بريطانيا، عبر شبكة من الجمعيات والصناديق والأنشطة التي تجمع الأموال تحت مظلة «العمل الخيري»، قبل أن تُحوّل لاحقًا إلى التنظيم في غزة والضفة الغربية.
العلاقة مع تنظيم الإخوان
ترتبط هذه الشبكة في جذورها بتنظيم «الإخوان»، الذي لطالما اعتبر بريطانيا ساحة آمنة للعمل السياسي والدعوي منذ خمسينيات القرن الماضي.
ويُعتبر فرع «حماس» امتدادًا مباشرًا للإخوان، سواء من حيث الأيديولوجيا أو البنية التنظيمية.
وقد استفادت الحركة من الحضور الإخواني القوي في المساجد والجمعيات التعليمية والدعوية البريطانية، ما وفّر لها غطاءً سياسيًا ومجتمعيًا متينًا.
وقد أنشأ القيادي الإخواني الراحل يوسف القرضاوي في عام 2001 «تحالف الخير» في لندن، والذي ضمّ عشرات الجمعيات الإسلامية، من بينها منظمات تابعة أو قريبة من «حماس».
ووفق التحقيق الإسرائيلي، فإن هذا التحالف جمع مئات الملايين من الدولارات، معظمها خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية، قبل أن يتم حظره لاحقًا، إلا أن الصناديق التي كانت تعمل تحت مظلته واصلت أنشطتها وتوسّعت.
أسماء بارزة في شبكة «حماس» البريطانية
وكشف التحقيق عن عدد من الشخصيات التي تُعدّ من قيادات «حماس» أو الداعمين لها داخل بريطانيا، يحمل بعضهم الجنسية البريطانية، وينشطون بحرية شبه كاملة وهم:
ماجد الزير
فلسطيني من الخليل، كان يدير «مركز العودة الفلسطيني» في لندن، وهو أحد الأذرع الإعلامية والسياسية لـ«حماس» في أوروبا.
ويُعد الزير من أبرز الشخصيات التي نسّقت حملات واسعة في أوروبا ضد إسرائيل، وهو مطلوب لدى تل أبيب وواشنطن.
زاهر بيراوي
فلسطيني من نابلس، يُوصف بأنه «رئيس ساحة بريطانيا في حماس». درس في بريطانيا وقاد تنظيم «أسطول مرمرة» الذي حاول كسر الحصار على غزة.
ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، يقود الاحتجاجات في لندن، وبارك علنًا هجوم «حماس» في اليوم التالي.
وصفه أحد المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين بأنه «يدير فعليًا جميع العمليات في بريطانيا، كأنه رئيس البرلمان الفلسطيني في أوروبا».
عصام يوسف مصطفى
فلسطيني من أصل أردني، يحمل الجنسية البريطانية، شغل سابقًا عضوية المكتب السياسي لحماس، وترأس «صندوق إنتر بال» في لندن، الذي يُعد أكبر ممول للحركة في أوروبا.
ورغم خضوعه لعقوبات أمريكية وتصنيفه إرهابيًا في إسرائيل، لا يزال الصندوق يعمل بحرية في بريطانيا.
محمد صوالحة
أحد مؤسسي الجناح العسكري لحماس في الضفة الغربية، هرب إلى بريطانيا بعد مطاردته من قبل إسرائيل، وكان عضوًا في وفد «حماس» الذي زار موسكو.
يرتبط بعلاقات قوية مع حزب العمال البريطاني، وكان على صلة وثيقة بجيريمي كوربين، الزعيم السابق للحزب.
ثغرات في الرقابة البريطانية
ورغم تصنيف «حماس» كمنظمة إرهابية محظورة في بريطانيا، يُظهر التحقيق أن السلطات لم تقم بخطوات جدية لوقف نشاط الجمعيات المرتبطة بها.
ويرى محللون إسرائيليون أن هذا التراخي مكّن «حماس» من تطوير شبكة مالية متقدمة، تشمل شركات تُستخدم لتبييض الأموال وتحويلها إلى غزة.
ويقول أودي ليفي، الرئيس السابق لقسم مكافحة تمويل الإرهاب في «الموساد»: «تحوّلت بريطانيا إلى الدولة المركزية التي تمر عبرها الأموال إلى حماس، حتى بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول».
وأضاف ليفي للقناة العبرية: «لقد نجحوا في استخدام شركات اقتصادية وجمعيات إنسانية لجمع الأموال وإرسالها، تحت غطاء المساعدات».
التمويل الحكومي غير المباشر
واحدة من أكثر النقاط المثيرة للجدل في التقرير تتعلق بوثيقة كشفتها منظمة «إن جي أو مونيتور» تشير إلى أن الحكومة البريطانية – رغم أنها لا تدعم «حماس» رسميًا – قدّمت تمويلًا عبر قنوات الأمم المتحدة (خصوصًا اليونيسف) وصل بشكل غير مباشر إلى مؤسسات في غزة تُسيطر عليها «حماس».
وتوضح الوثيقة الصادرة عن وزارة الخارجية البريطانية في نوفمبر/تشرين الثاني 2022 أن برنامج «الدعم الإنساني في الأراضي الفلسطينية» يشمل تحويل أموال نقدية مباشرة عبر وزارة التنمية الاجتماعية في غزة، التي تُدار من قبل حكومة «حماس».
وتقول المحامية آن هرتسبرغ من المنظمة المذكورة: «من خلال اليونيسف، تعمل الحكومة البريطانية مع الوزارة التي تسيطر عليها حماس في غزة. هناك غضّ نظر واضح عن هذه العلاقة».
ورغم هذه المعلومات، لا يمكن تجاهل أن بريطانيا تخوض معركة داخلية معقدة تتعلق بالتوازن بين حرية التعبير والعمل الخيري من جهة، وبين مكافحة التطرف وتمويل الإرهاب من جهة أخرى.
ويُرجح أن السلطات البريطانية تراهن على مراقبة دقيقة لما يجري، لكنها تواجه تحديات قانونية وسياسية تجعل من الصعب اتخاذ إجراءات واسعة بحق منظمات تملك تغطية مجتمعية أو سياسية.
ورغم صدور قرارات بتصنيف «حماس» كمنظمة إرهابية كاملة في المملكة المتحدة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، إلا أن التطبيق العملي للقوانين لا يزال يواجه صعوبات في إثبات الصلات المباشرة بين بعض الجمعيات وعمليات التمويل العابر للحدود.
ويكمن جزء من الأزمة في تعقيدات العمل الإنساني والقانون الدولي، حيث تُستخدم القنوات الأممية كجسر غير مباشر بين الغرب والتنظيمات الناشطة في غزة.
بريطانيا والضغوط على إسرائيل
وكانت بريطانيا هددت إلى جانب فرنسا وكندا، إسرائيل بفرض عقوبات في حال لم توقف توسيع المستوطنات في الضفة والحرب في غزة.
واستدعت الحكومة البريطانية، السفيرة الإسرائيلية لدى لندن تسيبي حوتوفلي إلى وزارة الخارجية بشأن توسيع العمليات العسكرية في قطاع غزة.
وأعلن وزير الخارجية البريطاني تعليق لندن مفاوضات التجارة الحرة مع إسرائيل بسبب الوضع في غزة. كما فرضت المملكة المتحدة عقوبات على عدد من الأفراد والكيانات في الضفة الغربية المحتلة، قالت إنهم مرتبطون بأعمال عنف ضد الفلسطينيين.
كما حذر رئيسا الوزراء البريطاني كير ستارمر والكندي مارك كارني والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في بيان مشترك، من أن دولهم "ستتخذ إجراءات" إذا لم توقف إسرائيل هجومها العسكري الذي استأنفته على غزة وترفع القيود المفروضة على المساعدات.
وذكر البيان "منع الحكومة الإسرائيلية إدخال المساعدات الإنسانية الأساسية إلى السكان المدنيين أمر غير مقبول وينتهك القانون الإنساني الدولي"، مضيفا: "نعارض أي محاولة لتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية... لن نتردد في اتخاذ المزيد من الإجراءات، بما في ذلك فرض عقوبات محددة الهدف".
وأكد القادة الثلاثة أنهم "لن يقفوا مكتوفي الأيدي إزاء الأفعال المشينة" لحكومة إسرائيل برئاسة بنيامين نتنياهو في غزة.
وشددوا على أن "الإعلان عن السماح بدخول الحد الأدنى من كمية الغذاء غير كاف على الإطلاق" وطالبوا "الحكومة الإسرائيلية بوقف عملياتها العسكرية في غزة والسماح فورا بدخول المساعدات الإنسانية".
ودان ستارمر وكارني وماكرون "اللغة البغيضة التي استخدمها أعضاء الحكومة الإسرائيلية مؤخرا والتلويح بالتهجير القسري للمدنيين الذين يواجهون الدمار والخراب في غزة".
وحذروا من أنه "إذا لم تضع إسرائيل حدا لهجومها العسكري الجديد ولم ترفع القيود المفروضة على المساعدات الإنسانية، فسنتخذ إجراءات ملموسة أخرى ردا على ذلك".
وأكد القادة الثلاثة: "نحن مصمّمون على الاعتراف بدولة فلسطينية في إطار حل الدولتين ونحن مستعدون للعمل مع آخرين لتحقيق هذه الغاية"، في إشارة إلى المؤتمر المقرّر عقده في يونيو/حزيران في الأمم المتحدة "لإيجاد توافق دولي حول هذا الهدف.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMzgg جزيرة ام اند امز