الإخوان تتبرأ من «حسم» بعد «عاصفة التدريبات».. مناورة أم استعطاف؟

عقب الضجة الكبيرة التي أثارها مقطع مصور نشرته حركة سواعد مصر «حسم» وهددت فيه بشن هجمات إرهابية في مصر، أصدرت جماعة الإخوان، المدرجة على قوائم الإرهاب في عدد من الدول، بيانا على لسان القائم بأعمال المرشد في جبهة إسطنبول محمود حسين تبرأت فيه من الحركة.
تنظيم الإخوان أكد أنه لا صلات بينه وبين حركة حسم، وأنه لديه موقف ثابت تجاه تقوية مؤسسات الدولة وفي مقدمتها القوات المسلحة لتكون قادرة على مواجهة التحديات في المنطقة.
وجاء بيان محمود حسين الذي عُمم أيضًا كرسالة داخلية في جبهة إسطنبول بلهجة مختلفة عن البيانات التقليدية التي تصدرها جماعة الإخوان، المدرجة على قوائم الإرهاب، إذ تضمن مفردات جديدة منها الحفاظ على مؤسسات الدولة وتقوية القوات المسلحة، في طريقة أشبه للمناورة التي تحاول بها الجماعة تضليل الحكومة المصرية وإظهار أنها ليست ضدها.
وصدر هذا البيان بعد دعوة رئيس حزب غد الثورة والمقرب من الإخوان أيمن نور لجماعة الإخوان لإدانة تهديدات حركة حسم الإرهابية، لمؤسسات الدولة المصرية، لكن المفارقة أن الجبهة الإخوانية الأخرى (جبهة لندن) المناوئة لجبهة إسطنبول لم تُصدر بيانا لإدانة هذه التهديدات.
بينما احتفت بالفيديو ما يعرف بالأمانة العامة لجماعة الإخوان التابعة لجبهة المكتب العام/تيار التغيير والتي عملت الحركات الإخوانية المسلحة بالتنسيق معها خلال السنوات الماضية، وأشاد قادة من المحسوبين على جبهة المكتب العام منهم يحيى موسى، المدان في مصر بقيادة الحركات الإخوانية المسلحة، بفيديو "حسم" واعتبروا أنه دليل على أن هذه الحركات لم تنتهِ وأنها ستواصل العمل المسلح.
شرعنة الإرهاب الإخواني
ويكشف البيان الصادر عن جبهة إسطنبول المناورات الإخوانية المعتادة، فالجماعة المدرجة على قوائم الإرهاب في عدد من الدول تحاول غسل سمعتها ونفي ارتباطها بالحركات الإرهابية التي أنشأتها جماعة الإخوان بالأساس كحركة سواعد مصر "حسم".
وتُخفي جبهة إسطنبول والقائم بعمل المرشد فيها محمود حسين عن عمد الحقيقة المتمثلة في أن جماعة الإخوان قررت اللجوء للعمل المسلح بعد الإطاحة بها من الحكم في مصر عام 2013، وحدث أن اجتمع مجلس الشورى العام لجماعة الإخوان في مصر خلال فبراير/شباط 2014، اجتماعا سريا، لبحث استراتيجية التعامل مع الحكومة والجيش المصري وبحث المجلس عددًا من الخيارات وبعد مشاورات وتشكيل لجنة لوضع تصور للصراع مع مصر، قامت اللجنة بوضع تصور سمته "خطة الإنهاك والإرباك والحسم"، تقوم على أساس استخدام العنف من أجل إسقاط النظام المصري وعودة الإخوان للحكم مرة أخرى.
وجرى شرعنة هذه الحراك عن طريق لجنة شرعية شكلتها الجماعة برئاسة مجدي شلش، القيادي بالجماعة وقتها، التي أصدرت دراسة سمتها "فقه المقاومة الشعبية للانقلاب" شرعنت فيها العمل الإرهابي وأباحت استهداف مؤسسات الدولة المصرية ورموز الحكومة والمدنيين وكل المعارضين لجماعة الإخوان.
وبالفعل، شكلت جماعة الإخوان في تلك المرحلة إدارة خاصة سمتها "إدارة العمل الثوري" تحت إشراف اللجنة الإدارية العليا (الأولى) التي عملت كبديل مؤقت لمكتب الإرشاد، بعد القبض على غالبية أعضاء المكتب في أعقاب عزل الإخوان من الحكم، وبموافقة من القيادة العليا لجماعة الإخوان ممثلة في محمد كمال عضو مكتب الإرشاد ورئيس اللجنة الإدارية العليا، والذي حصل بدوره على موافقة محمود عزت القائم بأعمال مرشد الإخوان في تلك الفترة وحتى أغسطس/آب 2020، ولم يكن محمود حسين، القائم بأعمال المرشد حاليا في جبهة إسطنبول، ببعيد عن هذه التطورات إذ كانت تُبلغ له كل التفاصيل عن طريق قناة اتصال خاصة مع قيادة الإخوان في مصر.
ولتنفيذ مخططاتها، أنشأت ما يُسمى "إدارة العمل الثوري" في الإخوان مجموعة من الحركات المسلحة كان منها حركة المقاومة الشعبية، وحركة العقاب الثوري وشنت تلك الحركات هجمات ضد مدنيين ومحولات كهرباء ومنشآت حكومية وأفراد أمن، وادعت حركة العقاب الثوري في بيان لها عام 2015 أنها نفذت عشرات الهجمات المتفرقة من بينها عمليات اغتيال وتفجيرات في مختلف أنحاء الجمهورية، أبرزها عملية تفجير خطوط الكهرباء المغذية لمدينة الإنتاج الإعلامي في أبريل/نيسان 2015 وهو ما أدلى لتوقف البث التلفزيوني لعدد من القنوات.
ووفق التصور الذي وضعته لجنة الخطة الإخوانية كانت الجماعة تعتقد أن الدولة المصرية ستنهار إذا استهدفت بسلسلة هجمات إرهابية، لكن نجحت أجهزة الأمن المصرية في إحباط المؤامرات الإرهابية والقبض على عدد كبير من قيادات الإخوان المشتركين في العمليات الإرهابية، وحينها أدرك محمود عزت، القائم بعمل مرشد الإخوان، أن الجماعة خسرت المواجهة وسعى للمناورة والمراوغة بنفس الطريقة التي يعمل بها محمود حسين، هذه الأيام، فعزل محمد كمال من رئاسة اللجنة الإدارية العليا (الأولى) وأبقى عليه عضوا في اللجنة الإدارية الثانية، لكن الأخير استقال من الجماعة في 2016 وشكل جبهة المكتب العام وانضم له عدد من المكاتب الإدارية التابعة للجماعة وحدث الانقسام الشهير في الجماعة وقتها.
ولم تتوقف جماعة الإخوان في وقت الخلاف عن العمل الإرهابي، بل شنت هجمات إرهابية منها عملية اغتيال النائب العام المصري المستشار هشام بركات، وكذلك أعلنت حركتا سواعد مصر "حسم"، و"لواء الثورة" عن نفسيهما وشنا سلسلة من الهجمات الإرهابية على مدار الفترة التالية.
مناورة الجماعة بعد الفشل
ومن جديد، عادت جماعة الإخوان إلى المناورة بعد أن ظهرت حركة "حسم" على الساحة من جديد خلال الأيام القليلة الماضية، فبيان محمود حسين له العديد من الأهداف وفق ما يرى مراقبون وخبراء في شؤون جماعة الإخوان.
ويرى أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الإسلامية، أن البيان الذي أصدرته جبهة إسطنبول والقائم بأعمال المرشد فيها محمود حسين محاولة منها للتقرب من الدولة المصرية وإبراز الاتجاه الخاص بهذه الجبهة باعتباره بعيدًا عن العنف والعمل المسلح ورافضا له، مضيفًا أن محمود حسين يزعم أنه يجسد المدرسة الإخوانية الإصلاحية البعيدة عن العنف في محاولة لبناء حالة من حالات الثقة مع الدولة المصرية على أمل أن يتم استئناف حوار بينها وبين جماعة الإخوان- جبهة إسطنبول.
وأضاف "بان"، في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، أن محمود حسين وجبهته يحاولان البحث عن المشروعية ومساحة للعمل بعدما فشلت جماعة الإخوان طوال السنوات الماضية في تحقيق أي تقدم على صعيد أي ملف، كما أن هذا لا ينفصل عن الخلاف الإخواني وانقسام الجماعة إلى جبهات هي جبهة إسطنبول، وجبهة لندن، وجبهة المكتب العام.
وأشار الخبير في شؤون الحركات الإسلامية إلى أن محمود حسين يعتبر نفسه الوريث الأقرب صلة بنهج وقيادة محمود عزت لجماعة الإخوان، وبطبيعة الحال بالقيادات التاريخية للإخوان ككل، وهذه القيادات التاريخية اختلفت مع محمد كمال، عضو مكتب الإرشاد، من قبل حول مدى جدوى العمل العنيف لأنها رأت أن الاستمرار في العمل العنيف بمثابة انتحار للجماعة ككل.
بدوره، يعتبر صبرة القاسمي، المحامي الحقوقي والباحث في جماعات الإسلام السياسي، أن بيان جبهة إسطنبول الأخير ومن قبله فيديو حركة حسم الإرهابية نوع من أنواع توزيع الأدوار بين المكونات المختلفة لجماعة الإخوان، مضيفا أن الجماعة مارست الإرهاب والعنف وسفكت دماء المصريين لكنها الآن تحاول أن تتبرأ من أفعالها وتقدم نفسها من جديد على أمل أن تجد مجال للعودة للمجتمع من جديد وهذا لا يتم إلا بعد صفقة تسمح لها بذلك.
وأضاف "القاسمي" في تصريحات لـ"العين الإخبارية" أن فيديو حسم بمثابة تهديد للدولة المصرية وأنه لم يصدر إلا بعد أن يأست الجماعة من أن تقبل مصر ودول المنطقة العربية بعودتها فأرادت الإرهاب والتخويف وإرسال رسالة بأن هناك مجموعات مسلحة جاهزة للعمل العنيف وأن تستعد لموجة جديدة من الهجمات الإرهابية، وذلك حتى يتم توظيف هذا الحدث سياسيا من قبل قيادة الإخوان.
وأكد أن محمود حسين وجبهة إسطنبول وكذلك أيمن نور المحسوب على الإخوان سارعوا إلى إدانة الفيديو حتى ينفوا الصلة الموجودة بين الإخوان والإرهاب، وفي نفس الوقت تحدث محمود حسين عن دعم الجيش المصري، رغم أنه يعادي الدولة المصرية، لكن كل هذا مناورة لكي تقبل مصر بالحوار مع الإخوان أو على الأقل تمنح لهم مساحة عمل في المجتمع بعدما أفلست الجماعة وفشلت طوال السنوات الماضية، معتبرًا أن الشعب المصري هو من لفظ الجماعة وبالتالي فلا أمل في عودتها إلى المشهد من جديد في الوقت الراهن رغم مناوراتها ومحاولاتها استعطاف المصريين ومؤسسات الدولة المختلفة.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTU2IA== جزيرة ام اند امز