الأمن والسيادة.. القطب الشمالي قلب استراتيجية كندا الجديدة
لفترة طويلة، تجاهلت أوتاوا منطقة القطب الشمالي الكندي النائي والغني بالموارد وبشكل مفاجئ أصبحت المنطقة محور مشروع وطني جديد وهو مشروع أدركت جهات خارجية، بما في ذلك الولايات المتحدة، إمكاناته مبكرًا.
وفي تصريحات لمجلة "بوليتيكو" الأمريكية، قال روكي آر جيه سيمبسون، رئيس وزراء الأقاليم الشمالية الغربية الكندية مؤخرًا: "كان هناك اهتمام كبير من جهات أخرى.. حتى وزارة الدفاع الأمريكية استثمرت في مشروعين للتعدين في الأقاليم الشمالية الغربية، لكننا لم نفعل.. يبدو أننا لم نستطع الحصول على أي اهتمام من كندا لإنجاز أي شيء في الشمال".
لكن سيمبسون أوضح أن هذا الوضع يتغير أخيرًا بفضل مزيج من الطموح الاقتصادي والضرورة العسكرية وفي ظل أجندة رئيس الوزراء مارك كارني الجديدة لبناء الدولة والضغط الأمريكي لتأمين الحدود الشمالية لأمريكا الشمالية.
ودفعت هذه العوامل كندا لتحويل انتباهها إلى المعادن والبنية التحتية وإمكانات الدفاع الحيوية في القطب الشمالي الأمر الذي قد يعيد تعريف دور الشمال في كل من السيادة الوطنية والأمن القاري.
ويأتي تقييم سيمبسون في الوقت الذي يواصل فيه كارني والرئيس الأمريكي دونالد ترامب محادثاتهما نحو اتفاقية اقتصادية وأمنية جديدة ستسمح لكندا بالاستفادة من الثروة المعدنية الحيوية في شمالها وتعزيز وجودها العسكري في منطقة شاسعة قليلة السكان لكنها تحظى باهتمام متزايد من روسيا والصين.
وسيساعد الإنفاق الجديد على القطب الشمالي كندا على تحقيق التزامها بهدف الإنفاق الجديد لحلف شمال الأطلسي (الناتو) المتمثل في تخصيص 5% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2035، بما في ذلك 1.5% للإنفاق الصناعي العسكري.
ومن المرجح أن تُرضي هذه الخطوة إدارة ترامب، التي تُشارك كندا مخاوفها بشأن التوغلات الروسية والصينية في منطقة غنية بالموارد، حيث يفتح ذوبان الجليد القطبي مسارات شحن جديدة.
وفي حين تهدف سياسة كارني "لبناء الأمة" إلى تدشين مشروعات كبرى في محاولة لجعل الاقتصاد أكثر مرونة لمواجهة الضغوط الاقتصادية لترامب فإنها تتميز أيضا بتركيزها على القطب الشمالي.
وكانت اتفاقية المعادن الأساسية المشتركة بين كندا وإدارة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن قد ساهمت في إثارة هذا الاهتمام، ففي عام 2024، استثمرت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) 8.74 مليون دولار كندي (6.23 مليون دولار أمريكي) في مشروع نيكو للكوبالت والذهب والبزموت والنحاس في الإقليم الشمالي الغربي.
وجاءت هذه الاتفاقية في إطار جهود أوسع نطاقًا للبنتاغون لتأمين المعادن الأرضية النادرة اللازمة لتشغيل المعدات العسكرية في حين ساهمت أوتاوا بمبلغ 7.5 مليار دولار كندي (5.34 مليار دولار أمريكي).
وأعرب سيمبسون عن تفاؤله بأن حماس أوتاوا الجديد تجاه القطب الشمالي قد يتم ترجمته إلى موانئ وطرق سريعة وبنية تحتية عسكرية مفيدة للسكان المدنيين.
ويمكن أن تسهم هذه المشروعات في تحرير النفط والغاز والمعادن الأساسية، مع منح كندا والولايات المتحدة دورًا أقوى في سلسلة توريد عالمية تهيمن عليها الصين.
وقال سيمبسون "من خلال رؤية فوائد الاستثمارات العسكرية في المجتمعات المحلية، سنشهد مجتمعات أقوى.. هذا تعبير جيد عن السيادة".
وأشار إلى أنه يريد من وزارة الدفاع الكندية الاستثمار في "البنية التحتية الصلبة" التي ستعود بالنفع على السكان المدنيين في إقليمه.
وأضاف "الأمن هو البنية التحتية الصلبة والقدرة على إسقاط الصواريخ أو أي شيء يريدون القيام به" وتابع "السيادة الحقيقية هي أن تعيش هناك وتظهر أن كندا هنا، شعبها هنا.. هذه ليست أرضًا محايدة".