رسالة إلى أثرياء العالم.. الكرة الأوروبية فيها سم قاتل
أحدثت الحرب الروسية الأوكرانية زلزالا تردد صداه في شتى نواحي الحياة حتى في الرياضة، وخاصة كرة القدم، اللعبة الشعبية الأولى.
الدول الأوروبية الرافضة للحرب والمؤسسات التابعة لها فرضت حزمة من العقوبات استهدفت كل ما هو روسي سواء على مستوى المؤسسات والأفراد، وكان نادي تشيلسي أحد ضحايا هذه العقوبات.
تشيلسي كان مملوكا لرجال الأعمال الروسي الشهير رومان أبراموفيتش الذي يبدو أن كل مشكلته أنه على مقربة من فلاديمير بوتين رئيس بلاده، قبل أن تنقل ملكيته مقابل مبلغ ضخم، لم يستفد منه المالك الذي أعاده للقمة.
نكبة تشيلسي
مع انطلاق الحرب، قرر أبراموفيتش بيع النادي بسبب صعوبة استمرار عمله في بريطانيا، مع بدء تشديدات أوروبية تجاه رجال أعمال ومؤسسات روسية.
ولكن في مارس/آذار الماضي، جاءت المفاجأة وقررت الحكومة البريطانية، أحد أبرز داعمي أوكرانيا، تضييق الخناق على أبراموفيتش -ردعا لروسيا- عبر تجميد أملاكه في بريطانيا بما فيها نادي تشيلسي، بخلاف منازل فاخرة وممتلكات أخرى.
وفي خضم هذا الوضع قررت شركة "ثري" لشبكات الهواتف المحمولة، أحد رعاة تشيلسي الرئيسيين، تعليق رعايتها للنادي اللندني، وإزالة شعارها من القمصان التي يرتديها لاعبو الفريق في المباريات.
كذلك أعلنت شركة "هيونداي" للسيارات إيقاف عقد الرعاية مع النادي، والذي كانت بموجبه الشريك الرسمي لسيارات "البلوز" منذ 2018.
وبعد قرار التجميد أصدرت الحكومة ترخيصا مؤقتا لكي يتمكن تشيلسي من مواصلة أنشطته في ظل تجميد أصول أبراموفيتش، فيما ذكرت تقارير إعلامية أن هناك عدة حسابات بنكية للنادي تم تجميدها مؤقتا بينما تقوم البنوك بتقييم رخصة تشغيل النادي الجديدة.
الترخيص كان لا يسمح في البداية بنقل أو إعارة اللاعبين من وإلى النادي، أو بيع تذاكر مباريات مقبلة سواء بملعب الفريق أو خارجه، ويمكن التربح عن طريق بيع الطعام للمشجعين في أيام المباريات، على ألا يذهب العائد إلى أبراموفيتش.
ويسمح الترخيص لتشيلسي بمواصلة نشاط كرة القدم والسفر مما يسمح للنادي بلعب مبارياته في البطولات الأوروبية.
وحسب ما ذكرته صحيفة "ديلي ميرور" البريطانية، فإن هذا الوضع قد ينتهي بإعلان تشيلسي إفلاسه، في ظل التضييق على مصادر الدخل
ولكن وبعد مفاوضات عديدة بين إدارة النادي والحكومة البريطانية تم الحصول على بعض الاستثناءات في الرخصة أبرزها السماح ببيع التذاكر وبعض الأمور الأخرى حتى يتم دفع الرواتب ولا يتعرض النادي للإفلاس.
من بين الاستثناءات أيضا كانت السماح بعملية بيع النادي لكن شريطة أن يكون ذلك عبر الحكومة البريطانية
وبالفعل تقدمت عدة شركات وتحالفات لشراء النادي حتى استطاع تحالف يقوده رجل الأعمال الأمريكي تود بويلي التوصل لاتفاق مع أبراموفيتش على الاستحواذ على البلوز مقابل 4.25 مليار جنيه إسترليني.
ورغم الاتفاق لكن لم تكتمل عملية البيع إلا بعد موافقة رابطة الدوري الإنجليزي الممتاز والحكومة البريطانية وهو ما حدث يومي الثلاثاء الأربعاء.
خلط السياسة بالرياضة
بعد سنوات طويلة من العمل في مجال النفط، بدأ أبراموفيتش استثماراته في كرة القدم عام 2003 بشراء نادي تشيلسي مقابل 140 مليون جنيه إسترليني، وكان وقتها ناديا مغمورا.
ضخ الملياردير الروسي أموالا طائلة في تشيلسي لتطوير النادي وإبرام تعاقدات مع نجوم مميزين ومدربين من بين الصفوة في العالم، وسرعان ما أثمر المشروع عن صعود "البلوز" لينضم إلى كبار الأندية الأوروبية.
وحقق تشيلسي في حقبة أبراموفيتش العديد من الألقاب، منها على سبيل المثال لا الحصر 5 من ألقابه الـ6 في الدوري الإنجليزي، ولقبيه الوحيدين في دوري أبطال أوروبا، ومثلهما في الدوري الأوروبي ولقب كأس العالم للأندية.
وبخلاف الأموال التي أنفقها أبراموفيتش في الاستثمارات، ذكرت عدة تقارير أن تشيلسي مدين للملياردير الروسي بمبلغ 1.5 مليار جنيه إسترليني، لكنه قال في البيان الذي أعلن فيه بيع النادي: "لن أطلب سداد أي قروض، لم يكن هذا أبدا متعلقا بالعمل أو المال بالنسبة لي، لكن عن الشغف الخالص باللعبة والنادي".
كذلك فإن أبراموفيتش لن يتربح حتى من عملية البيع، حيث أكد "إنشاء مؤسسة خيرية يتم فيها التبرع بجميع العائدات الصافية من البيع، سيكون الأساس لصالح جميع ضحايا الحرب في أوكرانيا، ويشمل ذلك توفير الأموال الضرورية لتلبية الاحتياجات العاجلة والفورية للضحايا".
ولا يعرف حتى الآن تحديدا وبشكل رسمي ما إذا كان أبراموفيتش سيخرج من تشيلسي خالي الوفاض تماما بعد إنفاق مبالغ طائلة على النادي، أم سيحصل على أموال البيع خاصة بسبب "دور محتمل" في الحرب الروسية الأوكرانية، والحديث عن لعبه مهام تتعلق بالوساطة في مفاوضات السلام.
الأمر المثير للسخرية، أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي نقل لمسؤول حكومي أمريكي رغبته في ألا يتم فرض عقوبات على أبراموفيتش "لدوره الفعال في جهود السلام ووقف الحرب".
وتزامنت عقوبات تشيلسي من موجة أخرى من القرارات ضد الشركات الروسية، منها فسخ الاتحاد الأوروبي لكرة القدم "يويفا" عقده مع شركة "جازبروم"، الراعية لدوري أبطال أوروبا وعدة منتخبات أوروبية.
كذلك قرر الاتحادان الأوروبي والدولي لكرة القدم استبعاد الأندية والمنتخبات الروسية من المنافسة في المسابقات التابعة لهما، وتبعهما عدة اتحادات في العديد من الرياضات.
هذه العقوبات فتحت الباب أمام اتهام الحكومات والهيئات الحاكمة لكرة القدم بازدواجية المعايير، وإقحام السياسة في الرياضة رغم الشعارات التي كان يتم تداولها على مدار عدة سنوات، ومفادها "ضرورة فصل السياسة عن الرياضة".
شبكة "فرانس 24" ألقت الضوء على التناقض الذي شهدته الدوريات الأوروبية، خصوصا الدوري الإنجليزي، وقالت إنه يعد أكثر المسابقات الكروية دعما لأوكرانيا، وهو ما يمكن اعتباره "تحولا ملحوظا لمؤسسة رياضية التزمت لفترة طويلة بفكرة إبعاد السياسة بأي ثمن".
ويقول جيمس دورسي، الأستاذ في معهد الشرق الأوسط بجامعة سنغافورة الوطنية: "حظرت الاتحادات الرياضية الدولية، بما في ذلك الفيفا، أي تعبير سياسي أو ديني في المجال الرياضي، وهذا لم يظهر إلا بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، فماذا عن باقي الصراعات في العالم؟".
فيما نشرت صحيفة "جارديان" البريطانية تقريرا بعنوان "الحرب الروسية الأوكرانية تنهي أسطورة حياد الرياضية"، ويقول كاتبه تيم هاربر إن "الغزو الروسي أجبر الرياضة على اختيار جانب".
الكرة الأوروبية فيها سم قاتل
ظهرت تساؤلات عن إمكانية استخدام الحكومات الأوروبية سلطتها بشكل جائر ضد ملاك الأندية من خارج أوروبا، أو الشركات التي ترتبط بعقود رعاية طويلة الأمد وباهظة التكلفة مع الأندية والاتحادات في القارة العجوز.
وتزامنت عقوبات تشيلسي من موجة أخرى من القرارات ضد الشركات الروسية، منها فسخ الاتحاد الأوروبي لكرة القدم "يويفا" عقده مع شركة "جازبروم"، الراعية لدوري أبطال أوروبا وعدة منتخبات أوروبية.
شركة "جازبروم" العاملة في مجال الغاز الطبيعي كانت ترعى أيضا نادي شالكه الألماني، الذي قرر بدوره فك ارتباطه بالشركة.
كذلك قرر الاتحادان الأوروبي والدولي لكرة القدم استبعاد الأندية والمنتخبات الروسية من المنافسة في المسابقات التابعة لهما، وتبعهما عدة اتحادات في العديد من الرياضات.
شبكة "ESPN" قالت إن روسيا ليست أول دولة يتم تعليق عضويتها في الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا"، لكن الحالات السابقة كانت في الغالب تتعلق بالتدخل الحكومي في عمل الاتحادات المحلية، وفي قليل من الأحيان لأسباب سياسية، مثل حظر جنوب أفريقيا في عام 1961 بسبب سياسة الفصل العنصري في البلاد، والإصرار على إرسال فرق مكونة فقط من لاعبين ذوي بشرة بيضاء، أو يوغوسلافيا عام 1992 بسبب الحرب الأهلية داخل البلاد.
وأنهى نادي مانشستر يونايتد الإنجليزي عقد رعاية مع شركة "إيروفلوت" الروسية للطيران، والتي تتولى إدارة رحلاته منذ عام 2013، عقب غزو روسيا لأوكرانيا.
كما فسخ نادي إيفرتون الإنجليزي عقود الرعاية مع الشركات الروسية "USM" و"ميجا فون" و"يوتا".
وأعلن فريق هاس الأمريكي المشارك في بطولة العالم للفورمولا واحد السبت، فسخ عقد سائقه الروسي نيكيتا مازيبين وشركة أورالكالي الراعية، بعد الغزو الروسي لأوكرانيا
هوس العقوبات امتد حتى للاعبين، حيث فسخ عدد كبير من النجوم البارزين عقود رعاية مع شركات روسية أو غير روسية لكنها من دول صديقة "يُشتبه في دعمها لبوتين"، ويأتي على رأس هؤلاء البولندي روبرت ليفاندوفسكي، نجم بايرن ميونخ، الذي فك ارتباطه بشركة "هواوي" الصينية".
وبالرغم من أن ليفاندوفسكي وهواوي لم يعلنا سبب فسخ العقد، فإن العديد من التقارير أكدت أن الحرب الروسية الأوكرانية هي السبب، خاصة أن القرار جاء بعد أيام قليلة من الحرب.
ملاك أندية إنجلترا
الإجراءات التي تم اتخاذها ضد أبراموفيتش قد تسبب قلقا لدى العديد من ملاك الأندية الأجانب في أوروبا، خاصة في الدوري الإنجليزي الممتاز، الذي يستحوذ فيه رجال الأعمال من خارج إنجلترا على أغلبية الأندية.
ومن بين 20 ناديا في الدوري الإنجليزي الممتاز هذا الموسم، هناك 16 ناديا مملوكا إما بشكل جزئي وإما كلي لأشخاص من خارج إنجلترا، ولا يختلف الوضع كثيرا في دوري الدرجة الأولى "تشامبيونشيب"، بوجودهم في 16 من 24 ناديا.
ويستحوذ عدد من رجال الأعمال الروس على عدة أندية في الدوريات الأوروبية الـ5 الكبرى، أبرزها ديمتري ريبولوفليف (موناكو الفرنسي)، وماكسيم ديمين (بورنموث الإنجليزي)، وفارلي أوييف (فيتيس أرنهايم الهولندي).
كما تنشط الاستثمارات القادمة من الصين -أحد أبرز داعمي روسيا- بشكل قوي في الكرة الأوروبية، وتستحوذ على حصص أغلبية في العديد من الأندية أبرزها إنتر ميلان الإيطالي وإسبانيول الإسباني.