"أشواك الإرهاب في طريق الحرير الصيني".. إعلان داعش لـ"ولاية الهند"
خبراء في الشأن الآسيوي يفسرون لـ"العين الإخبارية" رغبة أطراف دولية في اللعب بورقة داعش لتخريب "طريق الحرير" ووقف صعود الاقتصاد الصيني.
يسعى تنظيم داعش الإرهابي بإعلانه الأخير "ولاية" جديدة في شبه القارة الهندية، ضمن دولة الخلافة المزعومة، إلى تعزيز موقفه المتهاوي واستعادة مكانته المنهارة عند أتباعه، خاصة بعد خسارته الكبيرة في سوريا والعراق.
ولم يستبعد خبراء في الشأن الآسيوي، في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، وجود علاقة بين "مبادرة الحزام والطريق" الصينية، وإعلان داعش لـ"ولاية الهند"، تمثل رغبة أطراف دولية في اللعب بورقة داعش لتخريب تلك المبادرة ووقف الصعود الاقتصادي لبكين.
رجح هؤلاء الخبراء تمدد التنظيم داخل القارة الأفريقية خلال المرحلة المقبلة؛ بحثا عن موطئ قدم له عبر إعلان "ولاية" جديدة بأفريقيا؛ وذلك لتأكيد قدرته على البقاء، وللزعم بالانتشار في مناطق متفرقة في آنٍ واحد.
وبعد مرور أسابيع على انهيار خلافة داعش المزعومة في سوريا والعراق، أعلن التنظيم الإرهابي ما سماها "ولاية" جديدة في إقليم كشمير المتنازع عليه بين الهند وباكستان.
وذكرت وكالة "رويترز"، منذ يومين، أن حسابات مرتبطة بالتنظيم الإرهابي على شبكات التواصل أعلنت تأسيس "ولاية الهند" بعد مقتل مسلح قيل إنه على صلة بالتنظيم، في اشتباك بين مسلحين وقوات الأمن الهندية في الشطر الذي تسيطر عليها نيودلهي من كشمير.
وأعلن داعش أنه أوقع ضحايا من قوات الجيش الهندي في بلدة أمشيبورا في منطقة شوبيان في كشمير.
وكانت الشرطة الهندية أصدرت، يوم الجمعة الماضي، بيانا قالت فيه إن مسلحا يدعى إشفاق أحمد صوفي قتل في اشتباك في شوبيان.
"طريق الحرير" مفروش بأشواك داعش
وأشار الدكتور أحمد قنديل، الخبير في الشأن الآسيوي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إلى مجموعة من العوامل ساعدت تنظيم داعش على التمدد والتوسع بقوة في إقليم كشمير، وإعلان ولايته الجديدة؛ أبرزها الفراغ الأمني، وضعف الرقابة والقبضة الأمنية، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة بسبب عدم وجود فرص ومشروعات تنموية حقيقية بسبب هروب المستثمرين.
وأضاف: أسهم النزاع السياسي طويل الأمد بين الهند وباكستان حول إقليم كشمير، الذي تسيطر عليها نيودلهي فعليا، في السماح لداعش بانتهاز الفرصة واستغلال مشاعر الغضب لدى المسلمين بالإقليم ضد الهند، إلى جذب عناصر جديدة للتنظيم.
قنديل لم يستبعد، في الوقت ذاته، وجود علاقة بين "مبادرة الحزام والطريق" بالصين والتمدد الواسع للتنظيم في الإقليم وإعلان ولاية الهند.
وقال: "باكستان محطة مهمة في المبادرة الجديدة، وإقليم كشمير يقع على مسافة قريبة جدا من طريق الحرير الصيني، وهناك قوى وأطراف دولية ربما تساند بشكل غير مباشر التنظيمات الإرهابية في الإقليم؛ لتخريب المبادرة الصينية".
وتابع الخبير في الشأن الآسيوي: ربما تسعى هذه الأطراف إلى محاولة عرقلة ووقف النفوذ والنمو الاقتصادي والعسكري الكبير لبكين، وهو ما قد يفسر وقوع عمليات إرهابية عديدة على خط طريق الحرير الصيني في الفترة الأخيرة.
وكان الرئيس الصيني شي جين بينغ قد أشاد، في تصريحات أخيرة له، بالتوقيع على اتفاقات تجاوزت قيمتها 64 مليار دولار خلال قمة مبادرة الحزام والطريق بالصين وذلك مع سعيه لطمأنة المتشككين بأن المشروع سيحقق نموا مستداما لكل الدول المشاركة فيه.
وأكد شي أن مبادئ السوق ستطبق في جميع مشروعات التعاون التي تتضمنها المبادرة التي تهدف إلى إحياء طريق الحرير القديم الذي كان يربط بين الصين وآسيا وأوروبا، مضيفا أن المبادرة ستحقق تنمية ذات مستوى مرتفع وصديقة للبيئة.
وأطلقت الصين مبادرتها في عام 2013، بعنوان "مبادرة الحزام والطريق" إلا أنها حملت اسم "طريق الحرير"، إشارة إلى شبكة الطرق البرية والبحرية التي ربطت بين الصين وأوروبا مرورا بالشرق الأوسط، والتي تعدى طولها 10 آلاف كيلومتر، ويعود تاريخها إلى نحو القرن الثاني قبل الميلاد.
دعوات لاستئناف المفاوضات بين باكستان والهند
حرص قنديل على التأكيد على خطورة تمدد نشاط داعش في آسيا وجنوب شرق آسيا، متوقعا شن تنظيم داعش مزيدا من العمليات الإرهابية خلال الفترة المقبلة؛ استغلالا أيضا لشهر رمضان، مع استمرار الفوضى وعدم الاستقرار والتوتر بالإقليم.
ودعا قنديل الحكومة الهندية الجديدة عقب انتهاء الانتخابات الحالية إلى استئناف المفاوضات بشكل سريع مع باكستان لتسوية الصراع الحالي مع كشمير، والتعاون بين الدولتين لمواجهة خطر داعش، والانتباه لخطورة تأخر التفاوض السلمي حول الإقليم.
تعويض الخسارة
من جهته، قال الدكتور محمد جمعة، الخبير في شؤون الحركات الإسلامية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن التنظيم الإرهابي يسعى إلى تعويض خسارته الكبيرة لمعاقله الرئيسية في سوريا والعراق، والتخفيف من وطأة الخسائر، ومحاولة أيضا استعادة مكانته الروحية لدى أتباعه.
وأكد جمعة أن توقيت إعلان ولاية الهند مرتبط بشهر رمضان، حيث يسعى التنظيم في هذا الشهر من كل عام إلى طرح استراتيجيات جديدة للتنظيم أو إعلان ولايات جديدة في مناطق مختلفة أو تكثيف هجماته الإرهابية في مواقع مختلفة.
وأردف: "يرتبط شهر رمضان في التاريخ الإسلامي بعدد من الانتصارات الكبيرة للمسلمين؛ لذا يسعى التنظيم إلى تكريس مناسبة الشهر الفضيل في الادعاء والزعم بتحقيق انتصارات".
واستدل الخبير في شؤون الحركات الإسلامية بإعلان أمير "تنظيم داعش" أبوبكر البغدادي الخلافة في اليوم الأول من رمضان عام 2014، واتساع هجمات التنظيم ضد الشيعة في العراق وغيره خلال الشهر نفسه في 2015؛ لتعميق حالة الاستقطاب، وفي 2016 كانت محاولاته في رمضان للتأثير والتمدد عبر هجماته ضد الغرب، وإعلانه هذا العام ولاية جديدة في شبه القارة الهندية.
ولاية جديدة بأفريقيا
"التنظيم لا يعلن عن ولاية جديدة في إحدى الدول وآخرها الهند دون أن يكون له نفوذ بها، والقدرة على البقاء" ينبه جمعة، دون أن يستبعد في الوقت ذاته إعلان التنظيم ولاية جديدة له في أفريقيا خلال رمضان الجاري تحت لافتة دولة الخلافة المزعومة، لكنه لم يحدد موقعها في القارة السمراء، مرجحا شن التنظيم هجمات إرهابية في أفريقيا خلال الفترة المقبلة.
يشار إلى أن التنظيم قد أعلن في 20 أبريل الماضي مسؤوليته عن هجوم إرهابي في جمهورية الكونغو الديمقراطية في قرية متاخمة للحدود مع أوغندا، ما أسفر عن مقتل 8 عسكريين، في حادث هو الأول من نوعه بوسط أفريقيا.
وفي تعقيبه، قال الرئيس الكونغولي فيليكس تشيسيكيدي، في تصريح صحفي، إن داعش قد يحاول تعزيز وجوده في القارة الأفريقية بعد دحره عسكرياً في سوريا والعراق.
وسبق هجوم الكونغو بفترة وجيزة عمليات إرهابية متزامنة وقعت في سيريلانكا، في 21 أبريل الماضي، واستهدفت 3 كنائس وفنادق، بشكل أسفر عن مقتل ما يقرب من 300 شخص وإصابة المئات.
وقال جمعة إن داعش يحاول أن يعطي باستمرار انطباعا بأن التنظيم لم ينهَرْ ولا يزال بمقدوره التوسع والتمدد في مناطق مختلفة سواء في آسيا أو أفريقيا، في آن واحد.
ولفت إلى أن اختيار كشمير يرجع إلى محاولة استثمار الاسم في الدعاية والشو الإعلامي له، للزعم بأنه يسعى لنصرة قضايا المسلمين والمستضعفين في الإقليم.
وقال مراقبون إنه في إطار العلاقة التنافسية بين داعش وتنظيم القاعدة، فإن التنظيم يسعى كذلك من خلال إعلان ولاية الهند، ولاحقا ولاية بأفريقيا، إلى جذب المزيد من العناصر السلفية الجهادية للانضمام لصفوفه.