العرض العسكري الصيني.. إشارات واضحة لـ«مرحلة جديدة» في آسيا

شكّل العرض العسكري الذي أقامته الصين اليوم نقطة تحوّل واضحة في إدراك موازين القوى في شرق آسيا.
لطالما روّج الغرب لرواية ترى أن إنجازات الصين التكنولوجية ما هي إلا تقليد للغرب أو سرقة للملكية الفكرية لكن هذه الرواية لم تعد تعكس الواقع الحالي حيث أصبحت الصين اليوم رائدة عالميًا في مجالات الطاقة الشمسية، المركبات الكهربائية، الذكاء الاصطناعي، والآن السلاح المتقدم.
وكشف العرض العسكري في بكين اليوم بوضوح أن الصين لم تعد تكتفي باللحاق بخصومها، بل باتت تقود الابتكار العسكري وذلك وفقا لما ذكرته مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية.
وفي حين جاء العرض العسكري بمناسبة الذكرى الثمانين لانتصار الصين على اليابان في الحرب العالمية الثانية، إلا أنه خلف هذه الرمزية التاريخية كان الهدف هو استعراض مستقبل القوة الصينية.
وعلى الرغم من أن الصين كانت تحجم عن عرض أحدث معداتها العسكرية، إلا أن عرض اليوم كشف النقاب ولو بشكل انتقائي عن بعضها مثل الطائرات التي ستخدم على متن أسطول حاملات الطائرات الصيني المتنامي، والذي يبلغ عدده حاليا ثلاث سفن.
ومن المرجح أن تنضم إلى الأسطول في السنوات القادمة حاملة طائرات عملاقة واحدة على الأقل تعمل بالطاقة النووية، بنفس حجم وقدرة حاملة الطائرات الأمريكية "جيرالد فورد".
وخلال العرض أيضا تم الكشف عن 4 أنواع جديدة من مسيرات "الجناح المخلص" الخفية المصممة للطيران جنبًا إلى جنب مع الطائرات المأهولة إضافة إلى عرض ما لا يقل عن 4 أنظمة صاروخية مضادة للسفن وللأهداف البرية وكذلك غواصة مسيرة جديدة وطوربيدات جديدة.
وجاء العرض العسكري في سياق عام استثنائي من الكشف عن ابتكارات صينية بدءًا من الطائرات الشبحية التي جرت تجربتها أواخر 2024، وصولًا إلى صور أقمار صناعية كشفت عن مقر قيادة عسكري عملاق قرب بكين يفوق حجمه حجم مبنى وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) بعشر مرات.
بشكل عام تُظهر الصين رغبتها في بناء مُجمّع عسكري صناعي محلي الصنع بالكامل وأعلنت القيادة الصينية علنًا عن طموحها لبناء جيش عالمي من الطراز الأول بحلول منتصف القرن.
والسؤال الأهم الآن هو ما الذي تريده الصين بكل هذه القوة العسكرية؟ إن إحدى الإجابات المحتملة هو رغبتها في تحدي الولايات المتحدة بشكل مباشر، لكن هناك استنتاجا عاما أن الصين لا تركز فقط، على إبراز قوتها العسكرية حول المحيط الهادئ خاصة وأنها زادت خلال العقود القليلة الماضية من قدرتها على استخدام القوة العسكرية لمسافات طويلة من خلال أسطول هائل من طائرات النقل الجوي الاستراتيجية بما يمكنها من نقل الأفراد والمعدات حول العالم بسرعة.
كما بدأت في تطوير أسطولها للتزود بالوقود جوًا والذي يعد من السمات الرئيسية لقدرة الولايات المتحدة على إبراز قوتها الجوية عالميًا.
وتمتلك الصين الآن العشرات من السفن الحربية المصممة للعمل في المحيط المفتوح بما في ذلك حاملات الطائرات وسفن التزويد بالوقود لإبقاء الأسطول في البحر.
ورغم هذه الإشارات فإن الصين تعزز في المقام الأول مكانتها الإقليمية وهو ما يتضح من عدم اهتمامها بإقامة قواعد خارجية باستثناء القاعدة التي افتتحتها في جيبوتي 2017 كما أن المقاتلات الجديدة وقوارب الإنزال والمسيرات وأنظمة الصواريخ لا تُشير إلى تركيز كبير على استعراض القوة العالمية.
وقد تكون هذه الأخبار سيئة بالنسبة لتايوان مع ميل كفة التوازن العسكري لصالح الصين خاصة في ظل الورقة البحثية التي نشرتها مجلة "الأمن الدولي" للباحثين نيكولاس أندرسون وداريل بريس.
وخلصت الورقة إلى أن ركيزة القوة العسكرية الأمريكية في آسيا مثل طائراتها المقاتلة المتمركزة في اليابان وغوام ستتكبد خسائر كارثية في حال أي هجوم صيني على تايوان.
ووفقا للبحث فإن أفضل السيناريوهات تعني خسارة الولايات المتحدة 45% من قوتها في أول 30 يوما من الحرب جراء الصواريخ الصينية التي تُطلق من قواعد برية حيث لم يتناول البحث تأثير الضربات الإضافية من القوات الجوية والبحرية الصينية.
ويكشف العرض العسكري الصيني عن معضلة عميقة بالنسبة للولايات المتحدة وهي أن استمرارها في تبنّي استراتيجية الهيمنة العسكرية في آسيا يبدو أقل واقعية من أي وقت مضى فالتفوق الأمريكي الذي كان قائمًا منذ عقود أخذ يتآكل أمام صعود الصين، التي دخلت مرحلة "النضج العسكري" بعد ثلاثين عامًا من التحديث المتواصل.
الخيار الأمريكي التقليدي، وهو توسيع الوجود العسكري، يواجه عقبات هائلة من الحلفاء الآسيويين لاستضافة قوات إضافية خوفًا من التصعيد، إضافة إلى التكلفة السياسية والمالية الباهظة.
وحتى إذا نجحت واشنطن في ذلك، فمن المرجح أن ترد بكين بزيادة إنفاقها العسكري، الأمر الذي قد يطلق سباق تسلح تميل الكفة فيه لصالح الصين، بفضل قدراتها الصناعية الضخمة وسرعة إنتاجها.
والبديل الذي يطرحه البحث هو إعادة تعريف الدور الأمريكي من هيمنة مباشرة إلى دور داعم يوازن القوى بدلًا من احتكارها وزيادة الاعتماد على شركاء إقليميين مثل اليابان وأستراليا والهند، بدلًا من افتراض أن الولايات المتحدة وحدها قادرة على فرض التوازن.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTg2IA== جزيرة ام اند امز