تغير المناخ.. كل ما تريد معرفته عن "الخطر الأكبر" والدول الأكثر تهديدا
موجة حر قاسية تضرب أوروبا مؤخرا، وسط تحذيرات من أن الأمور قد تزداد سوءا في السنوات المقبلة مع اشتداد تغير المناخ "خطر القرن".
وينتج تغير المناخ عن تحولات طويلة الأجل في درجات الحرارة وأنماط الطقس، ويؤدي حرق الوقود الأحفوري إلى انبعاثات غازات الدفيئة التي تعمل مثل غطاء يلتف حول الكرة الأرضية، مما يؤدي إلى حبس حرارة الشمس ورفع درجات الحرارة، ونظرا لخطوة القضية تولي الدول والمنظمات الأممية، وخاصة الأمم المتحدة، أهمية قصوى للقضية التي تهدد وجود الكوكب.
ما هو تغير المناخ؟
يقصد بتغير المناخ، بحسب تقارير الأمم المتحدة، أنه التحولات طويلة الأجل في درجات الحرارة وأنماط الطقس، وقد تكون هذه التحولات طبيعية فتحدث، على سبيل المثال، من خلال التغيرات في الدورة الشمسية. ولكن، منذ القرن التاسع عشر، أصبحت الأنشطة البشرية المسبب الرئيسي لتغير المناخ، ويرجع ذلك أساسًا إلى حرق الوقود الأحفوري، مثل الفحم والنفط والغاز.
وتقول الأمم المتحدة: ينتج عن حرق الوقود الأحفوري انبعاثات غازات الدفيئة التي تعمل مثل غطاء يلتف حول الكرة الأرضية، مما يؤدي إلى حبس حرارة الشمس ورفع درجات الحرارة.
أسباب تغير المناخ
الوقود الأحفوري- الفحم والنفط والغاز- هو إلى حد بعيد أكبر مساهم في تغير المناخ العالمي، إذ يمثل أكثر من 75 في المائة من انبعاثات غازات الدفيئة العالمية وحوالي 90 في المائة من جميع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، بحسب مصادر للأمم المتحدة.
توليد الطاقة
يتسبب توليد الكهرباء والحرارة عن طريق حرق الوقود الأحفوري في جزءٍ كبير من الانبعاثات العالمية، ولا يزال توليد معظم كميات الكهرباء يتم عن طريق حرق الفحم أو الزيت أو الغاز، وينتج عن ذلك ثاني أكسيد الكربون وأكسيد النيتروز - وهي غازات دفيئة قوية تغطي الأرض وتحبس حرارة الشمس.
وعلى الصعيد العالمي، يأتي أكثر من ربع الكهرباء بقليل من طاقة الرياح والطاقة الشمسية ومصادر الطاقة المتجددة الأخرى التي ينبعث منها القليل من غازات الدفيئة أو الملوثات في الهواء، على عكس الوقود الأحفوري.
تصنيع البضائع
ينتج عن الصناعات التحويلية والصناعة انبعاثات، معظمها يأتي من حرق الوقود الأحفوري لإنتاج الطاقة لصنع أشياء مثل الإسمنت والحديد والصلب والإلكترونيات والبلاستيك والملابس وغيرها من السلع.
كما يطلق التعدين والعمليات الصناعية الأخرى الغازات، كما هو الأمر بالنسبة لصناعة البناء، وغالبًا ما تعمل الآلات المستخدمة في عملية التصنيع على الفحم أو الزيت أو الغاز؛ بعض المواد، مثل البلاستيك، مصنوعة من مواد كيميائية مصدرها الوقود الأحفوري، فالصناعات التحويلية هي واحدة من أكبر المساهمين في انبعاثات غازات الدفيئة في جميع أنحاء العالم.
قطع الغابات
قطع الغابات لإنشاء مزارع أو مراعي، أو لأسبابٍ أخرى، يتسبب في انبعاثات، لأن الأشجار، عند قطعها، تطلق الكربون الذي كانت تخزنه.
ويتم تدمير ما يقارب 12 مليون هكتار من الغابات كل عام، ونظرًا لأن الغابات تمتص ثاني أكسيد الكربون، فإن تدميرها يحد أيضًا من قدرة الطبيعة على إبقاء الانبعاثات خارج الغلاف الجوي. وتعد إزالة الغابات، إلى جانب الزراعة والتغيرات الأخرى في استخدام الأراضي، مسؤولة عن ما يقارب ربع انبعاثات غازات الدفيئة العالمية.
استخدام وسائل النقل
تعمل معظم السيارات والشاحنات والسفن والطائرات بالوقود الأحفوري، مما يجعل النقل مساهمًا رئيسيًا في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وخاصةً انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
وتمثل مركبات الطرق الجزء الأكبر من احتراق المنتجات القائمة على البترول، مثل البنزين، في محركات الاحتراق الداخلي. لكن الانبعاثات من السفن والطائرات أيضًا مستمرةٌ في الازدياد. والنقل مسؤولٌ عن ما يقارب ربع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية المرتبطة بالطاقة. وتشير الاتجاهات إلى زيادةٍ كبيرة في استخدام الطاقة لأغراض النقل خلال السنوات القادمة.
إنتاج الغذاء
يتسبب إنتاج الغذاء في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون والميثان وغازات الدفيئة الأخرى بطرقٍ مختلفة، ومن أسباب ذلك إزالة الغابات وإخلاء الأراضي لأغراض الزراعة والرعي، وعمليات الهضم لدى الأبقار والأغنام، وإنتاج واستخدام الأسمدة والسماد الطبيعي لزراعة المحاصيل، و استخدام الطاقة لتشغيل معدات المزرعة أو قوارب الصيد، باستخدام الوقود الأحفوري عادةً. كل ذلك يجعل إنتاج الغذاء مساهماً رئيسياً في تغير المناخ. وتأتي انبعاثات غازات الدفيئة أيضًا من عمليات تعبئة الطعام وتوزيعه.
تزويد المباني بالطاقة
على الصعيد العالمي، تستهلك المباني السكنية والتجارية أكثر من نصف الكهرباء. ومع استمرارها في الاعتماد على الفحم والنفط والغاز الطبيعي للتدفئة والتبريد، تنبعث منها كميات كبيرة من غازات الدفيئة. وقد ساهم تزايد الطلب على الطاقة للتدفئة والتبريد، مع زيادة حيازة أجهزة تكييف الهواء، فضلاً عن زيادة استهلاك الكهرباء للإضاءة والأجهزة والأجهزة المتصلة، في زيادة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المرتبطة بالطاقة من المباني في السنوات الأخيرة.
زيادة الاستهلاك
منزلك واستخدامك للطاقة، وكيفية تنقُّلك، وما تأكله وكميات الطعام التي تتخلص منها، كلها عوامل تساهم في انبعاثات غازات الدفيئة. وكذلك هو الحال بالنسبة لاستهلاك البضائع مثل الملابس والإلكترونيات والبلاستيك. يرتبط جزءٌ كبير من انبعاثات غازات الدفيئة العالمية بالمنازل الخاصة. إذ أن لأنماط حياتنا تأثيرٌ عميق على كوكبنا. ويتحمل الأغنياء المسؤولية الأكبر: فأغنى 1 في المائة من سكان العالم مجتمعين يتسببون في انبعاثات لغازات الدفيئة أكثر مما يتسبب به أفقر 50 في المائة من السكان.
آثار تغير المناخ
ارتفاع درجات الحرارة
مع ارتفاع تركيزات غازات الدفيئة، ترتفع درجة حرارة سطح الأرض، وقد كان العقد الماضي، 2011-2020، الأكثر دفئًا على الإطلاق.
ومنذ الثمانينيات، كان كل عقدٍ أكثر دفئًا من العقد السابق. وتشهد جميع مناطق اليابسة تقريبًا المزيد من الأيام الحارة وموجات الحر. تزيد درجات الحرارة المرتفعة من الأمراض المرتبطة بالحرارة وتجعل العمل في الهواء الطلق أكثر صعوبةً. وتشتعل حرائق الغابات بسهولة أكبر وتنتشر بسرعة أكبر عندما تكون الأجواء أكثر سخونةً.
عواصف أشد
أصبحت العواصف المدمرة أكثر حدةً وتكرارًا في العديد من المناطق. ومع ارتفاع درجات الحرارة، يتبخر المزيد من النداوة، مما يؤدي إلى تفاقم هطول الأمطار الغزيرة والفيضانات، ويتسبب بالتالي في المزيد من العواصف المدمرة. كما يتأثر تواتر ونطاق العواصف الاستوائية بارتفاع درجة حرارة المحيطات، إذ تشتد الأعاصير والزوابع والأعاصير الاستوائية بوجود المياه الدافئة على سطح المحيط، وغالبًا ما تدمر مثل هذه العواصف المنازل والمجتمعات، وتتسبب في وفيات وخسائر اقتصادية فادحة.
زيادة الجفاف
يؤدي تغير المناخ إلى تغيير توفر المياه، مما يجعلها أكثر ندرةً في المزيد من المناطق. ويؤدي الاحترار العالمي إلى تفاقم نقص المياه في المناطق الفقيرة بالمياه، كما يؤدي إلى زيادة مخاطر الجفاف فيما يخص الزراعة، ويؤثر بالتالي على المحاصيل، ويزيد الجفاف البيئي من ضعف النُظُم البيئية. يمكن أن يثير الجفاف أيضًا عواصف رملية وترابية مدمرة يمكن أن تنقل مليارات الأطنان من الرمال عبر القارات. كذلك فإن الصحاري آخذةٌ في التوسع، مما يقلل من مساحة الأرض المتوفرة لزراعة الغذاء. ويواجه الكثير من الناس الآن خطر عدم الحصول على ما يكفي من المياه بشكلٍ منتظم.
ارتفاع درجة حرارة المحيطات
تمتص المحيطات معظم حرارة الاحتباس الحراري. وقد ازداد معدل ارتفاع درجة حرارة المحيطات بشدة خلال العقدين الماضيين، عبر جميع أعماق المحيطات. ومع ارتفاع درجة حرارة المحيطات، يزداد حجمها مع تمدد المياه بسبب ارتفاع درجة حرارتها. كما يتسبب ذوبان الصفائح الجليدية في ارتفاع مستويات سطح البحار، مما يهدد المجتمعات الساحلية والجُزُرية. وبالإضافة إلى ذلك، تمتص المحيطات غاز ثاني أكسيد الكربون، وتمنعها من الانطلاق نحو الغلاف الجوي، لكن زيادة نسبة ثاني أكسيد الكربون تجعل المحيطات أكثر حمضيةً، مما يعرض الحياة البحرية والشعاب المرجانية للمخاطر.
فقدان الأنواع
يشكل تغير المناخ مخاطر على بقاء الأنواع على الأرض وفي المحيطات. وتزداد هذه المخاطر مع ارتفاع درجات الحرارة. يتفاقم فقد الأنواع بسبب تغير المناخ، إذ يفقد العالمُ الأنواعَ بمعدلٍ أكبر 1000 مرة من أي وقتٍ مضى في التاريخ البشري المدون. وهناك مليون نوع من الكائنات الحية معرضون لخطر الانقراض خلال العقود القليلة القادمة. وتعد حرائق الغابات والطقس القاسي والآفات والأمراض الغازية من بين العديد من التهديدات المتعلقة بتغير المناخ. وفي حين أن بعض الأنواع ستكون قادرةً على الانتقال والبقاء على قيد الحياة، فإن البعض الآخر لن يتمكن من ذلك.
نقص الغذاء
تُعدُّ التغيرات في المناخ وزيادة الظواهر الجوية المتطرفة من بين الأسباب الكامنة وراء الارتفاع العالمي في معدلات الجوع وسوء التغذية. إذ قد يتم تدمير مصايد الأسماك والمحاصيل والماشية أو تصبح أقل إنتاجيةً. ومع ازدياد حمضية المحيطات، أصبحت الموارد البحرية التي تغذي مليارات البشر معرضةً للخطر. وقد أدت التغيرات في الجليد والغطاء الجليدي في العديد من مناطق القطب الشمالي إلى تعطيل الإمدادات الغذائية من مصادر الرعي والصيد وصيد الأسماك. ويمكن أن يؤدي الإجهاد الحراري إلى تقليل المياه والأراضي العشبية الصالحة للرعي، مما يتسبب في انخفاض غلة المحاصيل ويؤثر على الثروة الحيوانية.
المخاطر الصحية
تغير المناخ هو أكبر تهديدٍ صحيٍ يواجه البشرية، تضر تأثيرات المناخ بالفعل بالصحة، من خلال تلوث الهواء، والأمراض، والظواهر الجوية الشديدة، والتهجير القسري، والضغوط على الصحة العقلية، وزيادة الجوع وسوء التغذية في الأماكن التي لا يستطيع الناس فيها زراعة المحاصيل أو العثور على غذاءٍ كافٍ. وفي كل عام، تودي العوامل البيئية بحياة ما يقارب 13 مليون شخص. وتؤدي أنماط الطقس المتغيرة إلى انتشار الأمراض، وتزيد الظواهر الجوية المتطرفة من الوفيات وتجعل من الصعب على أنظمة الرعاية الصحية مواكبة الأمر.
الفقر والنزوح
يزيد تغير المناخ من العوامل التي تضع الناس وتبقيهم في حالة فقر. وقد تجرف الفيضانات الأحياء الفقيرة في المدن وتدمر المنازل وسُبُل العيش. ويمكن أن تجعل الحرارةُ العملَ في الوظائف الخارجية صعبًا. وقد تؤثر ندرةُ المياه على المحاصيل. على مدى العقد الماضي (2010-2019)، أدت الأحداث المتعلقة بالطقس إلى نزوح ما يقدر بنحو 23.1 مليون شخص في المتوسط كل عام، مما ترك الكثيرين عرضةً للفقر بشكلٍ أكبر. ويأتي معظم اللاجئين من البلدان الأكثر ضعفاً والأقل استعداداً للتكيف مع آثار تغير المناخ.
الدول الأكثر تهديدا
حذر علماء، في أكثر من مناسبة، من أن الهند والصين وسنغافورة مدرجة في قائمة الدول العشر الأكثر عرضة للتأثر بالتلوث السام وتغير المناخ، وكشف تحليل لمجموعات البيانات العامة من 176 دولة عن وجود صلة مهمة بين مخاطر المناخ وتأثير التلوث السام في البلدان في جميع أنحاء العالم.
واكتشف باحثون من جامعة نوتردام في إنديانا، أنه إذا كانت الدولة معرضة لخطر تلوث الهواء السام، فسيجدون صعوبة في التكيف مع ظاهرة الاحتباس الحراري، ويقولون إن هذا يرجع جزئيا إلى أن البلدان الأفقر لديها قوانين بيئية أكثر استرخاء، أو أنها تخضع للتأثير الضار للشركات الأجنبية.
ووجدوا أن سنغافورة ورواندا والصين الأكثر عرضة للخطر، وهي في أفضل وضع لإجراء تغييرات، مثل سياسات بيئية أكثر صرامة، لتقليل المخاطر.
وتوصل الباحثون إلى قائمة العشرة الأوائل من البلدان الأكثر تعرضا لخطر تغير المناخ - والأفضل تجهيزا للبدء في الحد من مخاطر التلوث. بالإضافة إلى سنغافورة ورواندا والصين والهند وجزر سليمان وبوتان وبوتسوانا وجورجيا وجمهورية كوريا وتايلاند، من أجل القدرة على إجراء التغييرات اللازمة لتعويض مخاطر تغير المناخ.