المرشد الأعلى في إيران يدرك أن الحرب مع الولايات المتحدة ليست متكافئة وخطرة.
عقب اندلاع الثورة الإسلامية قابلت في العاصمة الأمريكية مسؤولاً في «الخارجية» يتركز تخصصه الدقيق في «صناعة القرار لدى الحوزة الدينية في إيران».
وحينما حاولت أن أفهم منه تأثير رحيل حكم الشاه على مستقبل السياسة الخارجية الإيرانية أجاب الرجل بثقة شديدة:
«لا توجد في إيران سياسة خارجية ولكن توجد فقط سياسة داخلية».
سألته: هل يمكن أن تفسر لي معنى العبارة؟
أجاب الدبلوماسي المخضرم، الذي عاصر حكم الشاه وأزمة احتجاز الرهائن في السفارة الأمريكية بطهران: «قرار الخارج في إيران تقرره الثورة في الداخل».
وعدت وسألته: كيف؟
قال الرجل: ارجع إلى الدستور الإيراني، وحاول أن تفهم تركيبة نظام الحكم، وتعلم بدقة وظيفة الولي الفقيه في نشر الثورة في المنطقة والعالم كواجب شرعي والتزام فقهي أصبح أمراً ملزماً بنص الدستور ومن يقصر فيه يعد مفرطاً فيما لا يمكن التفريط فيه.
يدرك المرشد الأعلى أن الحرب مع الولايات المتحدة ليست متكافئة وخطرة، لكنه على مستوى الخطاب السياسي يذكر في خطبته عقب صلاة كل جمعة أن الولايات المتحدة هي عدو أكثر من 50 مرة.
يصف الدستور الإيراني قائد الثورة الإسلامية، أو ما يعرف إعلامياً بـ«المرشد الأعلى»، بأنه على رأس الهرم السياسي الإيراني، وينص الدستور على أن «قيادة الثورة هي التي تشرف إشرافاً كاملاً على سير السلطات الثلاث في البلاد: التشريعية - القضائية - التنفيذية».
ومنذ أن تأسس هذا المنصب في الثالث من ديسمبر 1979، فإنه تم «تفصيله تفصيلاً» كي يناسب مكانة وحجم تأثير آية الله روح الله الخميني الذي كان ملهماً دائماً لهذه الثورة، وبقي هذا المنصب بصلاحياته بهذه القوة والمكانة.
هذا النظام في الحكم ليس له مثيل معاصر في أنظمة الحكم المعاصرة.
يحكم المرشد الأعلى بلداً يقارب سكانه الآن الـ80 مليوناً، وهى أكبر دولة في الشرق الأوسط سكانياً بعد مصر، وهي ثاني أكبر مساحة جغرافية في المنطقة بعد السعودية، وهى تمتلك وضعاً جيوسياسياً دقيقاً للغاية ما يجعلها نقطة التقاء لثلاثة مجالات آسيوية في الغرب والوسط والجنوب.
يحكم المرشد الأعلى بلداً فرض عليه التاريخ وفرضت عليه الجغرافيا أدواراً غير تقليدية.
تطل إيران على بحر قزوين، وهو بحر داخلي تحده كاراخستان وروسيا، وتطل في الجنوب على الخليج العربي وخليج عمان، ومن الغرب العراق، ومن الشمال الغربي تركيا.
ويحكم المرشد الأعلى بلداً هو الثاني في احتياطات الغاز في العالم، والرابع في احتياطات النفط.
قوة التأثير للمرشد الأعلى تعدت التأثير المذهبي أو الفقهي أو النص الدستوري أو المكانة الروحية لكنها أصبحت تتركز في وجود قوة الحرس الثوري الإيراني التابع تماماً له ولسلطانه.
تأسس الحرس الثوري في أبريل 1979 بأمر من آية الله الخميني ليلعب، حسب نص تأسيسه، الأدوار التالية:
1- الدفاع عن الحدود الإيرانية.
2- الحفاظ على النظام الداخلي.
3- وفق الدستور يصبح دور الحرس الثوري «حماية النظام الإيراني في الداخل والخارج».
4- منع التدخل الأجنبي ومنع الانقلابات أو الحركات المتطرفة أو المنحرفة.
يتكون الحرس الثوري من 125 ألف جندي وضابط نظامي، ويستطيع الاستعانة الفورية بـ300 ألف إضافيين من المتطوعين.
وبموجب المادة 150 من الدستور الإيراني يعد الحرس الثوري جزءاً من القوات المسلحة، وهو الأداة الخارجية في دعم وتدريب وتحريك أنصار الدولة الإيرانية في المنطقة والعالم.
وكما قام الحرس الثوري في أبريل 1979 بهدف توحيد القوى الثورية التي كانت في الشارع الإيراني وقتها، فإن تقارير الاستخبارات العسكرية تفيد بأن الحرس الثوري يقوم بذات الشيء ولكن في توحيد القوى الموالية مع الثورة الإيرانية في المنطقة من اليمن إلى العراق، ومن سوريا إلى لبنان، ومن السودان إلى غزة، ومن أفريقيا وفنزويلا إلى ليبيا.
وجاء في تقرير رسمي إسرائيلي أن الجنرال قاسم سليماني يشكل منذ فترة قيادة مركزية لهذه القوات على مستوى المنطقة تتبع مباشرة قيادة الحرس الثوري الإيراني.
المرشد الأعلى الحالي في إيران يتحكم في كل مناصب الدولة من عضوية مجلس الشورى إلى رئاسة الجمهورية، ولا يزال يحتل منصب المرشد الأعلى منذ عام 1989 وهو الأطول حكماً في البقاء في هذا المنصب.
ولد الرجل في مدينة «مشهد» 1938، درس في «حوزة قم» على يد أحد أهم فقهاء الحوزة «السيد حسين علي المنتظري».
والتاريخ النضالي السياسي والفقهي لدى المرشد طويل، فقد اعتقل 6 مرات قبل النفي في عهد الشاه، والرجل مطلع تماماً على الفكر الإسلامي السني وله نشاط بارز في الإشراف على ترجمة كتب سيد قطب إلى الفارسية.
كان دائماً على ثقة بفريق التفاوض الإيراني؛ لاريجاني، جواد ظريف، خبراء الخارجية الإيرانية المدعومين بقوة من رئيس الجمهورية الشيخ حسن روحاني.
يدرك المرشد الأعلى أن الحرب مع الولايات المتحدة ليست متكافئة وخطرة، لكنه على مستوى الخطاب السياسي يذكر في خطبته عقب صلاة كل جمعة أن الولايات المتحدة هي عدو أكثر من 50 مرة.
الحرب خطرة، ولكن السلام مع الولايات المتحدة أخطر داخلياً على صراع التيارات في إيران.
الأعمال العسكرية تقوى تيار المرشد، الحوزة الدينية، المتشددين، الحرس الثوري.
التفاوض والسلام مع «واشنطن» يضعف هؤلاء ويفتح أبواب جهنم من مطالب اجتماعية وحريات عامة وخاصة يتم حصارها وتجميدها تحت دعوى أن مواجهة خطر العدوان الخارجي تستلزم الوحدة والاصطفاف الوطني وأن أي مطالب أو معارضة -الآن- تعد خيانة للثورة والوطن.
هنا تصبح المفاضلة عند صانع القرار الإيراني المواجهة العسكرية والتمدد العسكري في المنطقة وتسخين الأوضاع لإنقاذ تيار التشدد مهما كان الثمن أو التفاوض والتسوية وبدء مرحلة هي بداية النهاية لتيار التشدد في الداخل.
أكثر من ثلثي سكان إيران من الشباب، وأكثر من 75٪ منهم يريدون الانفتاح على الغرب، وأكثر من 90٪ منهم ضد أي تمدد لخارج الحدود ويحلمون بإيران الإصلاحية المنفتحة على العالم الملتزمة بحدودها الصديقة لجيرانها.
نقلاً عن "الوطن المصرية"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة