كورونا يغيّب رفعت الجادرجي.. عرّاب العمارة العراقية الحديثة
المعماري والمصور الجادرجي يشتهر بتصميم بعض المباني الأكثر شهرة في العراق، بما في ذلك المشاركة في تصميم "نصب الحرية" العريق.
توفي عرّاب العمارة العراقية الحديثة رفعت الجادرجي، الجمعة، في المملكة المتحدة، عن عمر ناهز 93 عاماً، بعد إصابته بفيروس كورونا المستجد "كوفيد- 19"، بحسب ما أعلن أصدقاؤه ومسؤولون عراقيون.
واشتهر المعماري والمصور الجادرجي بتصميم بعض المباني الأكثر شهرة في العراق، بما في ذلك المشاركة في تصميم "نصب الحرية" العريق، الذي صار رمزاً في وسط العاصمة وسمّيت ساحته باسمه، وصارت مركزاً للاحتجاجات الأخيرة المناهضة للحكومة.
وقالت الباحثة الفرنسية في فن العمارة الحديثة في العراق سيسيليا بييري إنه "كان أحد عمالقة العراق في القرن العشرين".
ونعى كبار المسؤولين العراقيين، بمن فيهم رئيس الجمهورية برهم صالح، ورئيس حكومة تصريف الأعمال عادل عبدالمهدي، الجادرجي، السبت.
وقال "صالح" في تغريدة على "تويتر" إنه "بوفاة الجادرجي يفقد فن العمارة في العراق والعالم رئته الحديثة التي تنفست حداثةً وجمالاً".
ومن بين أعماله نصب الجندي المجهول الذي تعود فكرة إقامته إلى عام 1958، عندما كُلف "الجادرجي" بإقامة نصبين، وهما "نصب الحرية" الذي نفذه الراحل جواد سليم، والثاني "نصب الجندي المجهول" الذي كان يعد من معالم العاصمة حتى إزالته في عام 1982 من "ساحة الفردوس"، ليقام مكانه تمثال لصدام حسين الذي أزاله الأمريكيون عندما غزوا العراق في 2003.
ولد رفعت الجادرجي في بغداد عام 1926 لأسرة عراقية عريقة، حيث عرف والده كامل الجاردجي بأنه واحد من أشهر الصحفيين في ثلاثينيات القرن الماضي، وعمل في مكتب استشاري للعمارة أنشأه بعد عودته من إنجلترا عام 1951، وتابع فيه عمله حتى عام 1977.
واستفاد من عمله في منصب رئاسة قسم المباني في مديرية الأوقاف العامة، ثم عمله مديراً عاماً في وزارة التخطيط في أواخر الخمسينيات، ورئيساً لهيئة التخطيط في وزارة الإسكان، في تطوير اهتماماته الهندسية، وأن يبلور أسلوباً معمارياً عرف به.
وانصب اهتمام "الجادرجي" على إيجاد أسلوب مناسب لعمارة عربية ممزوجة بالتراث، مستفيداً في الوقت نفسه من أسلوب العمارة الحديثة، مثلما تظهر المباني التي قام بتصميمها.
وأكمل "الجادرجي" دراسته في مدرسة "هامر سميث للحرف والفنون" البريطانية، وواجه بعد عودته إلى بغداد تحدياً مع تقاليد المجتمع البغدادي القديم، عندما كانت مثل هذه الحرف تعدّ بأنها لا تخرج عن إطار حرفة البناء أو "المعمرجي".
واعتمد "الجادرجي" في المباني التي صممها بشارع الرشيد على "الشناشيل" أو النوافذ الخشبية المزركشة، والتيجان والأقواس الظاهرة في المباني المطلة على الشارع، والمقرنصات الحديدية والخشبية البارزة من تلك المباني التي اندثر بعض منها بسبب التحديث، وبقي البعض الآخر وهو قليل جداً محافظاً على شكله.
كما حصل "الجادرجي" الذي شارك في معارض عالمية عديدة اهتمت بمسابقات التصاميم، على جائزة لمشاركته في تقديم نماذج لمبنى البرلمان الكويتي.
واعتقل الجادرجي عام 1977، وبقي في سجن أبي غريب لمدة 20 شهراً قبل أن يطلق سراحه بطريقة مؤثرة، فعندما كان العراق يستعد لاستضافة مؤتمر عدم الانحياز، طلب رئيس النظام السابق صدام حسين حينها مقابلة أشهر المعماريين، لتكليفه بإعادة التنظيم العمراني لبعض الأماكن في بغداد.
وعلم صدام حسين بوجود أشهر المعماريين في السجن، فأمر بإطلاق سراح الجادرجي ليتفرغ للمهمة، وفي ثمانينيات القرن الماضي غادر إلى بيروت، وبعدما عاد إلى العراق في عام 2009، صدم بما رآه.
وقال حينها: "لا أصدق ما الذي جرى، لقد تحول كل شيء إلى خراب تقريباً، لقد تعرض العراق لغزوات ولم يستقر منذ فترات طويلة، وهذا ما ينعكس باستمرار على التفاصيل الحياتية والعمرانية".
أنجز الجادرجي عشرات المشاريع في العاصمة بغداد، بما في ذلك مبنى دائرة البريد والاتصالات في منطقة السنك في قلب العاصمة.
وللجادرجي مؤلفات في العمارة أبرزها "الأخيضر والقصر البلوري" و"شارع طه وهامر سميث" و"حوار في بنيوية الفن والعمارة" و"جدار بين ظلمتين" الذي أرخ فيه للشهور العشرين التي أمضاها في سجن أبو غريب.