الثقافة وإغلاق كورونا.. انحسار جغرافي وتمدد إلكتروني
في زمن كورونا كتب الكثيرون من كتّاب وأدباء عن الوباء معبرين عن حالتهم، وواقع العالم واهتزاز أركانه ودخوله حالة من التراجعات الأدائية.
مع سرعة انتشار فيروس كورونا في العالم، اضطر سكان الأرض إلى الابتعاد عن الأماكن العامة، منعا للاختلاط والاقتراب والتلامس البشري؛ للحد من انتشار هذا الوباء، ولكن بقي الناس في حالة تفاعل وتواصل من خلال الشبكة العنكبوتية التي اتسعت مساحاتها لكثير من الفعاليات والنشاطات الثقافية والأدبية.
الفلسطينية مريم هاني اللبدي، ناشطة ثقافية وخريجة تعليم اجتماعيات تقول لـ"العين الإخبارية": "استوحيت فكرة التفاعل الثقافي الإلكتروني من أن الثقافة وطن للجميع فهي رسالة عابرة للحدود وجاءتني هذه الفكرة من أن سكان العالم عليهم معرفة شيء الثقافة الفلسطينية، خصوصاً في ظل وجودهم بكثافة في العالم الافتراضي، واعتمادهم بشكل كبير في زمن كورونا على مواقع التواصل الاجتماعي".
وتضيف اللبدي: "أنشأت صفحة (الثقافة مقاومة) عبر فيسبوك، واستعرت اسمها من مقولة لوزير الثقافة الفلسطيني السابق إيهاب بسيسو، فأنا أؤمن بتلك المقولة. واستطعت من خلال النشر الإلكتروني تلبية ما يمكن تلبيته من نشر السير الذاتية للأدباء والكتّاب والفنانين الفلسطينيين، ووجدت إقبالا كبيرا من المهتمين، الأمر الذي يشجعني على جمعها ونشرها في كتاب خاص بعنوان (وطن ثقافي موحد)، وأمنياتي الحالية أن نتخطى في العالم هذا الوباء، وتعود الحياة إلى طبيعتها، لكي نستأنف نشاطاتنا المعتادة".
أما الشاعرة فاطمة نزال، فأطلقت من الحجر المنزلي الاحترازي مهرجان الشعر العالمي، ودعت للتفاعل معه انتصارا للإنسان. تقول: "بمشاركة 2000 شاعر وأديب وفنان، من 160 دولة حول العالم، وعبر شبكات التواصل الاجتماعي، نجحنا في تنفيذ مهرجان الشعر العالمي، كنوع من أنواع التحدي لوباء كورونا وللتعبير عن مواصلة التفاعل الثقافي والإبداعي في العالم".
وتوضح أن المهرجان عبارة عن مبادرة شعرية ثقافية عالمية بدأت في التاسع من أبريل/نيسان الجاري وستتواصل بشكل ما حتى نتجاوز جائحة كورونا، فهي لم تضع زمناً محدداً لنهاية المهرجان الثقافي.
وتضيف نزال: "ينضوي تحت لواء المهرجان العالمي للشعر حراك ثقافي في جميع أنحاء العالم ويهدف إلى تعزيز قيم الوحدة، والأخوة الإنسانية، وله هاشتاق خاص بعنوان (انتصارا للإنسانية)، وللمهرجان لجنة دولية مختصة ومنسقون حول العالم، وأنا منسقة منطقة الشرق الأوسط، ووجدنا تفاعلا كبيرا في أوساط المثقفين والشعراء والأدباء، وقد نجحنا في خلق أجواء إيجابية لمواجهة هذا الوباء الذي نتمنى أن ينتهي في أقرب وقت ممكن".
وزارة الثقافة الفلسطينية
وزارة الثقافة الفلسطينية في رام الله لم تنتظر كثيراً لتفعيل الفضاء الإلكتروني، بل انتقلت فعالياتها الثقافية من الميادين والقاعات والساحات لتدخل العالم الإلكتروني من أوسع أبوابه.
واستدعت الوزارة ضمن سلسلة من برامجها الإلكترونية شخصيات أدبية وفنية واعتبارية كان من الصعب جداً حضورها إلى فلسطين، وفتحت لهم نوافذها الإلكترونية لكي يتفاعلوا مع أبناء الوطن ويتعرفوا على إنجازاتهم وسيرهم الذاتية ومشاويرهم الثقافية والإبداعية والفنية.
من بين تلك اللقاءات لقاء مدته ساعة كاملة تحت عنوان (طلات ثقافية) يبث مباشرة وتطلقه صفحة الوزارة، وللمتابعين حق توجيه الأسئلة وللضيف مساحته الكافية لكي يرد عليها بشكل مباشر وتفاعلي، مع إطلاق مسابقات أدبية للأطفال في فن الرسم والكتابة الإبداعية ومقاطع فيديو تتضمن غناء وموسيقى وتمثيلا ومواهب مميزة.
هذا ولم تبتعد الملتقيات الثقافية والأدبية عن الفضاء الإلكتروني بل تشارك حاليا في إعداد فعالياتها وتصوير حلقات مسجلة للكتّاب والأدباء لبثها عبر صفحاتها الخاصة ومنها ملتقى إيوان الأدب في قطاع غزة الذي يديره الناقد عبدالله أبو شاويش.
يقول أبوشاويش: "فكرة تسجيل أمسيات شعرية للشعراء جاءت من مقتضيات الواقع الذي يعيشه العالم اليوم، والتزام الناس منازلهم، وكي لا نجمع علينا وباءين هما كورونا والضجر فقمنا في ملتقى إيوان الأدب بالاتصال بمجموعة من الشعراء والأدباء لتسجيل حلقاتهم الأدبية بأنفسهم وإرسالها لنا، ثم بثها عبر صفحة الملتقى، وأعتقد هذه الخطوة مهمة لكسر حالة الرتابة".
أما الشاعر فايق أبو شاويش فأخذ المبادرة الذاتية طريقا للتواصل مع جمهوره من خلال بث قصائده السمعية وإرسالها عبر برامج المحادثة في مواقع التواصل الاجتماعي. يقول: "وجدت من الضروري أن أكسر رتابة الحياة بفعل ولو بسيط، ولكي أتواصل مع أصدقائي ومعارفي شعرياً قمت بتسجيل قصائدي الجديدة صوتياً وإرسالها لبعض الكتّاب والشعراء، وتلقي الملاحظات عليها، وسأنتقل من السمعي إلى المرئي لأنني أجد أن الوقت سيطول في الحجر المنزلي، ولا أريد أن انقطع عن جمهوري.
وما يخالف الواقع الإلكتروني وجهود النشر في الفضاء الأزرق يرى بعض المثقفين أن الفعل الثقافي لا يمكن حصره في العالم الافتراضي، وإن كانت الأمسيات الإلكترونية تكسر حدة الحجر المنزلي، إلا أن الفعاليات الأدبية على أرض الواقع لها مذاقها الخاص، ومنها اللقاءات ومخالطة الأصدقاء والمعارف والاطمئنان عنهم بشكل مباشر، مع الجهد الحركي الاعتيادي الذي يبذله المهتم لكي يصل قاعة الفاعلية والإنصات مباشرة للشاعر أو الكاتب.
وفي زمن كورونا كتب الكثيرون من كتّاب وأدباء عن الوباء معبرين عن حالتهم النفسية، وواقع العالم واهتزاز أركانه ودخوله حالة غير مسبوقة من التراجعات الأدائية والفعلية لميادين الفعل الحياتي المعتاد، إلا أنهم لم يسقطوا راية التحدي ولم يقفلوا باب الأمل بل حملت قصائدهم ونصوصهم ومقالاتهم المعاني التي تطالب بضرورة الصمود وبثت روح التحدي والإصرار على استكمال الحياة بأي شكل كان ولو من خلال الفضاء الإلكتروني.
aXA6IDE4LjIyMS41OS4xMjEg جزيرة ام اند امز