حظر التجوال في مصر يعيد علاقات الأهل والجيران المفتقدة
مصريون كثيرون وجدوا حظر التجوال المفروض في إطار مساعي احتواء فيروس كورونا الجديد فرصة للتعرف على الجيران وتوطيد علاقات الأهل
فوجئ حسام عند دخوله محل السوبرماركت القريب من منزله بالبائع يبتسم في وجهه، ويرحب به بحرارة، وعندما ظهرت عليه علامات الاندهاش، لم يتردد البائع في إخباره بالسبب.
قال البائع ببساطة "إننا نشكر فيروس كورونا وحظر التجوال لأنه ساعدنا في التعرف على الكثير من الجيران، لا سيما الرجال منهم، والذين لم نكن نعرفهم على الإطلاق بسبب انشغالهم الدائم طوال الوقت في أعمالهم".
ابتسم حسام عبدالعزيز، محام في العقد الخامس من عمره، مقتنعا بما قاله البائع، الذي اعتاد أن يتعامل طوال الوقت مع الأطفال أو السيدات أو عبر الهاتف لتوصيل الطلبات إلى المنازل.
ويقول حسام "اعتدت الانشغال في العمل لأني أعمل محاميا، أذهب إلى المحاكم صباحا وأعمل في مكتبي مساء، أو على الأقل كانت هكذا الأمور تجري قبل أن تصطدم حياتنا بأزمة فيروس كورونا، وكنت أعود إلى المنزل في ساعة متأخرة من المساء".
وأضاف أن فرض حظر التجوال وتعليق العمل في المحاكم جعله يتعرف أكثر على الجيران، سواء داخل العقار الذي يسكنه أو سكان العقارات المجاورة، بل إن الأمر امتد إلى استعانة بعض الجيران به في بعض المهام المتعلقة بالقضاء والشؤون القانونية.
لم يكن حسام هو المصري الوحيد الذي أدرك أن حظر التجوال، الذي فرضته مصر منذ نحو 3 أسابيع، قد أسهم في تغيير خريطة علاقاته الاجتماعية.
وفرضت مصر حظر التجوال الجزئي في 24 مارس/آذار ليكون من الساعة 7 مساء حتى 6 صباحا، ثم قللت ساعات الحظر بعد ذلك لتكون من 8 مساء، في إطار الجهود الرامية إلى احتواء انتشار فيروس كورونا الجديد (كوفيد-19)، والذي أصاب حتى الآن نحو 2500 شخص، شفي 514 منهم، وتسبب في وفاة 178 آخرين.
وعن تأثير فترة الحظر على العلاقات الاجتماعية للمصريين، يقول حسين شحاتة، موظف متقاعد كان يعمل في وزارة الكهرباء المصرية، إنه لم يشهد أجواء كتلك من قبل.
ورغم حالة الذعر التي يحملها فيروس كورونا إلى مختلف أنحاء العالم يرى "عم حسين" أن فترة حظر التجوال أسهمت في إعادة علاقاته الحيوية بأبنائه وأقاربه.
ويقول لـ"العين الإخبارية": "على الرغم من التحذيرات والإرشادات الوقائية التي تحرص على التباعد بين الأشخاص حرصا على سلامتهم، إلا أنني وجدته يحقق التقارب بين الناس، خاصة بالنسبة للأقارب والأهل، فاقتربنا من بعضنا عاطفيا دون أن ندري، ورغم التباعد الفعلي".
ويضيف "أصبح شقيقي وشقيقتي يتصلان بي من يوم لآخر، وحتى أبنائهما باتوا يتصلون بي للاطمئنان على صحتي، دون أن تنتهي أية مكالمة بدون توصية صحية أو وصفة طبية للحفاظ على سلامتي بعيدا عن شرور كورونا".
ويتابع "أعتقد أن توقف طاحونة الحياة في الثامنة من مساء كل يوم أتاح الوقت الكافي لتذكير الكثيرين بأن لهم أقارب وأن هناك أرحاما يجب أن توصل".
ويزيد "عم حسين" بالحديث عن ابنه "خالد"، الذي يعمل في إحدى شركات التسويق، وكان يجد صعوبة في الجلوس والحديث معه بسبب انشغاله الدائم، على الرغم من أنه يسكن في الطابق الذي يعلوه بالمبنى نفسه.
ويقول "الآن أصبح خالد يمر للاطمئنان على صحتي كل يوم، وأصبحت أتحدث معه أكثر مما كان عليه الأمر في السابق كثيرا، وكل هذا بسبب الحظر".
ويخضع تقريبا أكثر من نصف سكان الأرض لإجراءات العزل الاجتماعي وحظر التجوال الكلي أو الجزئي، في إطار الجهود المبذولة لاحتواء انتشار فيروس كورنا الجديد "كوفيد-١٩"، الذي أصاب أكثر من مليوني إنسان في مختلف أنحاء العالم، وقتل أكثر من ١٢٠ ألفا آخرين.
أما سيدة متولي، بائعة خضراوات في العقد الخامس من عمرها، فبدت مبتهجة بالحظر، وهي تقول "لم أكن أعرف أن الحظر حلو بهذا الشكل لأنه أعاد أولادي إلى حضني".
وتضيف أن حظر التجوال جعلها ترى أبناءها يوميا بشكل منتظم، بداية من الساعة الثامنة، التي يبدأ فيه منع التجوال، مشيرة إلى أن ابنها الأكبر يعمل سائق ميكروباص، واعتاد العمل يوميا منذ الصباح وحتى المساء، وبعد انتهاء عمله يجلس يوميا مع أصدقائه على المقهى.
وأوضحت أن ابنها الآخر "إبراهيم"، الذي لم يكمل العشرين عاما، يعمل سائق "توكتوك"، وكان يسير على نفس درب شقيقه الأكبر.
وتقول "الآن الأمور تغيرت، وأصبح أبنائي أمام عيني منذ الساعة الثامنة يوميا.. ربنا يبارك في الحظر".
aXA6IDMuMTQxLjMyLjUzIA== جزيرة ام اند امز