الجرائم السيبرانية تجتاح العالم.. شرطة دبي نموذج رائد في المكافحة
أكد خبراء أهمية توحيد الجهود الدولية في مكافحة الجرائم السيبرانية معتبرين أن التدابير والإجراءات الاحترازية للحماية منها لم تعد رفاهية.
وذكر الخبراء أن هذه الإجراءات أصبحت من موجبات حماية الأفراد والشركات ومؤسسات الدولة لنفسها، نظراً لوجود ثغرات أمنية أحياناً يستغلها المُجرمون الدوليون للدخول منها، وارتكاب جرائم تتعدد صورها وأشكالها، بدءاً من الابتزاز الالكتروني والتصيد الاحتيالي، مروراً بالتجسس، وانتهاك الخصوصية، وسرقة البيانات الحيوية.
وقال الخبراء في إطار التحضير للقمة الشرطية العالمية في مارس/آزار القادم إن توجهنا المتسارع أفراداً ومؤسسات إلى الفضاء الإلكتروني أو السيبراني في المعاملات الشخصية والعملية، من الطبيعي أن ينتج عنه أنواع جديدة من الجرائم التي استغلت الفضاء الإلكتروني لتنشط ضمن إطار جغرافي غير محدود وأكثر سهولة للوصول، ولهذا ظهرت جرائم عابرة للحدود كالاتجار بالبشر والترويج للمخدرات، والابتزاز الجنسي الإلكتروني، والجرائم الاقتصادية بصورها المتعددة، والتي تتصدى لها الحكومات الرقمية في بناها التحتية الرقمية، ما يحد من خطورتها إن تمتعت الحكومة ببنية رقمية قوية كما هو الحال في إمارة دبي.
وقال الجنرال سيرجيو مونوز مدير شرطة التحقيق في تشيلي، إن الجرائم السيبرانية ارتفعت بين عامي 2021 و2022 لتصل إلى 61%، وزاد اكتشاف مواد الاعتداء الجنسي على الأطفال عبر الإنترنت بنسبة 81%، كما ارتفعت عمليات الاحتيال السيبراني بنسبة 31%.
- بعد اختراق أنظمتها.. «فوري» المصرية تكشف نتيجة التحقيق
- يوتيوب يعلن الحرب على مستخدمي حاجب الإعلانات.. ما القصة؟
وأضاف: "بفضل خبرتنا التي تجاوزت 90 عاماً، تعد شرطة التحقيقات التشيلية (PDI) مرجعاً رئيسياً في التحقيق في الجريمة المنظمة والجرائم المعقدة والعابرة للحدود الوطنية في أمريكا اللاتينية، كما برعت في مواكبة التغيرات في مجال الجريمة بما فيها الجرائم الإلكترونية. إن خاصية الاستباقية الجوهرية التي تتمتع بها شرطة التحقيقات التشيلية سمحت لها بالتكيف مع العصر الجديد ومعرفة كيفية مواجهة هذه الجرائم، التي شهدت زيادات كبيرة في السنوات الأخيرة."
وأكد مدير شرطة التحقيقات التشيلية على ضرورة الاستعداد للقضايا المتعلقة بالتكنولوجيا والجريمة من جميع الزوايا، الأمر الذي دفعهم إلى إنشاء (المركز الوطني للأمن السيبراني) في عام 2019، الهادف بشكل رئيسي إلى المساهمة الفعالة في تطوير قدرات الشرطة التشيلية لتعزيز الأمن السيبراني، ومواجهة التهديدات السيبرانية التي تؤثر على الأنظمة والمعلومات الرقمية، منوهاً باستعدادهم أيضاً لمواجهة الجرائم المحتملة المتعلقة بالميتافيرس.
كما أكد أن مواجهة جرائم الأمن السيبراني، تتطلب التعاون الدولي الوثيق، والتبادل العلمي والمعلوماتي والتكنولوجي لمحاربة مختلف الجرائم المنظمة العابرة للحدود، والتي نجمت وتتسارع وتيرتها بسبب التطور الرقمي والتكنولوجي المتنامي، داعيا إلى مشاركة وحضور كافة الجهات والمؤسسات المعنية بالقطاعات الأمنية ووكالات إنفاذ القانون، في القمة الشرطية العالمية 2024، لعرض تجاربهم وممارساتهم في مجال تعزيز التخصصات الأمنية بما فيها الأمن السيبراني، لما تمثله القمة الشرطية من منصة عالمية، تؤثر بشكل إيجابي على واقع العمل الشرطي وواقع المواطن وأمنه وسلامته أينما كان.
وسائل المكافحة
ومن جانبه، أكد العميد سعيد الهاجري، مدير إدارة المباحث الإلكترونية في الإدارة العامة للتحريات والمباحث الجنائية في شرطة دبي، أن العصر الذي نعيشه اليوم، فرض واقعاً من الاعتماد المتزايد على أدوات الفضاء السيبراني، والاستخدام المتنامي للأدوات التكنولوجية المتقدمة في الحياة الشخصية والعملية، الأمر الذي يعرض الأفراد والمؤسسات والشركات الحكومية والخاصة للوقوع ضحية لإحدى الجرائم الالكترونية المعاصرة.
وقال العميد الهاجري: " تولي القيادة العامة لشرطة دبي أهمية كبيرة لتعزيز ودعم قطاع الاقتصاد الرقمي بحماية الأمن السيبراني، وإنفاذ القانون في الجرائم الإلكترونية بالتعاون مع الشركاء الاستراتيجيين، وانطلاقاً من ذلك، فإن شرطة دبي دفعت بمقوماتها وقدراتها البشرية والتقنية نحو تعزيز هذا القطاع، وأعلنت في عام 2018 إطلاقها لمنصة e-Crime، لمكافحة الجرائم الإلكترونية، عبر استقبال البلاغات والشكاوى بأنواعها المختلفة، ومنها، الابتزاز الإلكتروني، والتصيد الاحتيالي، وجرائم التحويلات المالية الإلكترونية، والاستخدامات غير المشروعة للبطاقات الائتمانية، مع الحفاظ على سرية وهوية المُبلغ بشكل تام، وهو ما عزز جهود شرطة دبي في هذا الجانب.
وأشار إلى أن التعاون الدولي بين شرطة دبي وأكثر من 15 جهة شرطية دولية، أثمر عن معالجة 224 طلب مساعدة قضائية دولية بشأن مكافحة الجرائم الإلكترونية منذ بداية عام 2023، مؤكداً أن التنسيق المشترك والتعاون الوثيق وتوحيد الجهود بين الأجهزة الشرطية في العالم، ووكالات إنفاذ القانون والمنظمات الأمنية المختصة، تعزز وتدعم استدامة تطوير المنظومة الأمنية في مواجهة الجرائم المنظمة العابرة للحدود، والتي أصبح القائمون عليها أكثر اعتمادا على الفضاء السيبراني في سبيل تحقيق مآربهم الخبيثة.
وأكد العميد الهاجري أن الوعي بإجراءات الحماية والتدابير الوقائية أمر في غاية الأهمية، ليس فقط على المستوى الفردي، وإنما على مستوى المؤسسات والشركات أيضاً، ومن الضروري الاطلاع المستمر على أحدث التقنيات واستخدام أحدث برامج الحماية من الاختراقات، والوعي الجيد بشأن خصوصية البيانات والمعلومات، وعدم الإفصاح عنها أمام الآخرين، منوهاً بخطورة فيروسات الفدية (رانسوموير) والذي هدد أفراداً ومؤسسات ضخمة باختراقه أنظمة إلكترونية واستيلائه على البيانات وتشفيرها، والتهديد بتدميرها إذا لم يتم دفع مبالغ مالية.
وأشار إلى إحدى القضايا التي تمكنت شرطة دبي من التعامل معها، بعد استلامها لشكوى من إحدى الشركات في دبي، تُفيد بتعرضها لاختراق في نظامها الإلكتروني، وتمكن المجرمين من السيطرة على النظام والتحكم في خوادم الشركة، واستهداف أنظمة الملفات وقواعد البيانات ونقاط البيع الخاصة والمتاجر، لتتوقف لاحقاً كافة عمليات الشركة، والتهديد بتدمير كافة البيانات والملفات إذا لم يتم دفع فدية قدرها 10 ملايين دولار بواسطة العملات الافتراضية. وأظهرت التحقيقات أن الشركة لم تستخدم برامج حماية مضادة للفيروسات وليس لديها نسخ احتياطية مفصولة عن الشبكة.
التأثيرات الجيوسياسية
وقال السير روبرت وينرايت، الخبير في أمن المعلومات، والمدير التنفيذي السابق في منظمة اليوروبول، إن التقاطع المتطور بسرعة بين الجيوسياسية والأمن السيبراني في العالم، يشير إلى أن دولاً عديدة تكثف جهودها في بناء استراتيجيات وقدرات الدفاع السيبراني، وإن هذا التحول ليس مقتصراً فقط على الحكومات والكيانات العسكرية؛ وإنما يمتد تأثيره أيضًا بشكل عميق إلى قطاع الأعمال.
وأضاف: "نتيجة للتأثير الذي تُحدثه الجيوسياسة على الأمن السيبراني، أصبحنا نرى الدول تشارك بشكل متزايد في تطوير قدراتها في جانب الهجوم السيبراني لتصل إلى مستويات متقدمة، خاصة في ظل ما يمكن أن تلعبه هذه القدرة من تأثير متعدد يصل إلى حد قطاع الأعمال. لقد رأينا، طبعاً على مدى عقود كيف تُستخدم قدرات الهجوم السيبرانية كقدرة جغرافية سياسية هجومية، وتحديداً في المجابهات بين دولة ودولة."
وقال عامر شرف، المدير التنفيذي لقطاع أنظمة وخدمات الأمن السيبراني، في مركز دبي للأمن الإلكتروني، إن مستقبل الأمن السيبراني يواجه تحديات كبيرة نتيجة للتقدم التكنولوجي واعتماد العديد من القطاعات الاقتصادية والأمنية على التكنولوجيا الرقمية. ومن بين التحديات المستقبلية التي يمكن أن تؤثر على القطاعين الاقتصادي والأمني في الدول عامة، الهجمات الإلكترونية المتقدمة، كهجمات الاختراق والاختراق المتقدم (APT) التي تستهدف المؤسسات الحكومية والشركات الكبيرة، والتي يمكن لها أن تصل لمعلومات حساسة أو تتسبب في تعطيل البنية التحتية الحيوية ما لم يتم أخذ التدابير الوقائية اللازمة والمتقدمة، التي تتمتع دبي بالميزات العالية منها، والتي توفر للإمارة جدار حماية عالي المستوى تسهر على متابعته وتحديثه بشكل دائم كفاءات وطنية متمرسة.
وأضاف: "تستهدف الهجمات السيبرانية الجديدة كهجمات الذكاء الاصطناعي وهجمات الهندسة الاجتماعية سلوك المستخدمين عبر منصات التواصل الاجتماعي والإنترنت، بغية التأثير على القرارات الاقتصادية والسياسية إلى جانب البنية التحتية الحيوية مثل شبكات الكهرباء والمياه والنقل، والتي يمكن أن تؤثر على الاستقرار الاقتصادي والأمن القومي. كما تستهدف الهجمات السيبرانية على القطاع المالي سرقة الأموال أو التلاعب بالأسواق المالية. هذا بالإضافة إلى تهديدات البيانات الشخصية، التي تستهدف خصوصية الأفراد وأمان معلوماتهم".
تبادل الخبرات
وأكد عامر شرف أن التعاون الدولي وتبادل الخبرات والمعرفة يلعب دوراً جوهرياً في مكافحة هذه الجرائم، ويساهم في تطوير السياسات والتشريعات السيبرانية لعمليات المكافحة، إلى جانب تمكين الدول من مشاركة المعلومات حول الهجمات والتهديدات السيبرانية بشكل فعال، وتعزيز الاستجابة السريعة والتبادل المفيد للبيانات بين الجهات المعنية.
وبين أن التعاون الدولي أيضاَ يُساهم في تدريب وتطوير الكوادر الشرطية والفنية لتعزيز قدرتها على مكافحة الجرائم السيبرانية، بالإضافة إلى التعاون مع الشركات التقنية والمؤسسات الأمنية يمكن أن يسهم في نشر الوعي بأهمية الأمان السيبراني وكيفية الوقاية من الهجمات.
وأشار إلى أن الاعتماد على التكنولوجيا اليوم في عصر الثورة الصناعية الرابعة، يجلب معه عدة أبعاد أمنية وتحديات مستقبلية، منها الأمان السيبراني لحماية البيانات والأنظمة من هجمات الاختراق والتلاعب، والحفاظ على خصوصية البيانات الشخصية وحمايتها، والجرائم السيبرانية، والاعتماد على التكنولوجيا في البنية التحتية الحيوية، وتطور الجريمة السيبرانية.
ونوه إلى أن تلك التحديات تستوجب الاستعداد لها من خلال تعزيز الأمان السيبراني عبر تحديث برامج الحماية وتنفيذ ممارسات أمان أفضل، كذلك تطوير الوعي والتدريب في مجال الأمان السيبراني، وتطوير الحكومات والمنظمات لقوانين ولوائح تنظم استخدام التكنولوجيا، كذلك تعزيز التعاون الدولي في مجال مكافحة الجرائم السيبرانية ومشاركة المعلومات للتصدي للتهديدات العابرة للحدود، واستخدام التكنولوجيا للكشف عن الهجمات والتهديدات السيبرانية بشكل أفضل بما في ذلك استخدام الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات، وأخيراً تحسين الأمان السيبراني والتحضير للتحديات المستقبلية بوصفه جزءاً أساسياً من التكيف مع الثورة الصناعية الرابعة والاستفادة من الفوائد الكبيرة التي توفرها التكنولوجيا.