وراء الظلام في إسبانيا والبرتغال.. خلل هيكلي في شبكة الكهرباء الأوروبية

أكد خبراء اقتصاد فرنسيون أن السبب الحقيقي وراء انقطاع الكهرباء الواسع الذي شهدته إسبانيا والبرتغال يوم الإثنين، لا يرتبط فقط بخلل تقني عابر، بل يكشف نقطة ضعف هيكلية في البنية الطاقية الأوروبية.
وأكد الخبراء على ضرورة إعادة التفكير في نموذج التوزيع الطاقي الأوروبي في ظل الانتقال إلى الطاقات المتجددة.
وهذا الانقطاع المفاجئ، الذي دام لأكثر من 8 ساعات، ترك أكثر من 60 مليون شخص في الظلام وشلّ الحياة العامة، من المترو والمطارات إلى المتاجر والمستشفيات، وأثار تساؤلات عميقة حول جاهزية أوروبا لأزمات الطاقة، بحسب مجلة "ليزيكو" الاقتصادية الفرنسية.
من جانبه، قال باتيست ريتشارد، خبير في اقتصاد الطاقة في معهد مونتين الفرنسي لـ"العين الإخبارية" إن "هذا الانقطاع لا يجب أن يُنظر إليه كحادثة معزولة، بل كمؤشر مقلق على الهشاشة البنيوية لنظام الربط الكهربائي الأوروبي.
وأضاف أنه عندما تفقد 60% من الطاقة فجأة، فهذا يعني أن هناك خللًا كبيرًا في أنظمة الإنذار المبكر والتوازن اللحظي بين العرض والطلب".
بدوره، قال سولين دوبوا، خبيرة في السياسات الأوروبية للطاقة في مركز IFRI للأبحاث الدولية لـ"العين الإخبارية" إن "أوروبا تعيش اليوم في مفارقة خطيرة، مضيفاً:" نحن نسرّع في الانتقال الطاقي نحو مصادر متجددة، لكننا لم نُحدث البنية التحتية بما يكفي لضمان الاستقرار والتوزيع العادل للطاقة.
واعتبر أن انقطاع بهذا الحجم يُظهر أننا نحتاج إلى استثمار عاجل في تحديث الشبكات وتعزيز التنسيق بين الدول الأعضاء".
الأسباب الأولية وراء الانقطاع الكهربائي الضخم في إسبانيا والبرتغال
وفي إسبانيا، عزت السلطات الانقطاع الكهربائي الهائل الذي ضرب شبه الجزيرة الإيبيرية إلى تقلبات قوية جداً في الشبكة الكهربائية. ففي الساعة 12:33 ظهرًا يوم الاثنين، اختفى فجأة 15 غيغاواط من إنتاج الكهرباء من النظام الإسباني، أي ما يعادل 60% من إجمالي الاستهلاك في تلك اللحظة.
وهذه الصدمة الكهربائية الفجائية، التي استمرت لثوانٍ معدودة، كانت كافية لتنهار الشبكة بأكملها وتغرق البلاد في ظلام دامس وفوضى استمرت أكثر من ثماني ساعات.
مشهد فوضوي في قلب أوروبا
في أحد الأسواق الكبرى بضواحي مدريد، استخدم الزبائن هواتفهم المحمولة لإضاءة الممرات المعتمة، وسط أجواء بدت وكأنها مقتطف من فيلم نهاية العالم. كان الناس يبحثون بيأس عن مصابيح، شموع، بطاريات وراديوهات محمولة.
في الأسفل، كان أحد فروع سلسلة "ميركادونا" يعمل بمولد كهربائي، لكن الرفوف كانت شبه فارغة من الوجبات الجاهزة والمياه المعبأة وورق التواليت وأكياس الفحم، التي تم التهافت عليها.
انهيار شامل في البنية التحتية الحيوية
عند حلول الساعة 12:33 من يوم الاثنين، انطفأت الأضواء في كامل الأراضي الإسبانية والبرتغالية. الانقطاع الكهربائي الضخم، والذي لا تزال أسبابه الكاملة مجهولة، أدخل شبه الجزيرة في حالة من الشلل العام، توقف تام لحركة القطارات، وإغلاق شبكات المترو، وشلل في حركة السير، وإلغاء مئات الرحلات الجوية، كذلك انقطاع جزئي في الإنترنت والاتصالات الهاتفية، وتعطل أجهزة الصراف الآلي والبطاقات البنكية.
الطاقة المتجددة... نعمة أم عبء؟
يشير محللون إلى أن دمج كميات كبيرة من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في الشبكة بدون استقرار كافٍ أو تخزين فعّال يمكن أن يؤدي إلى اختلالات مفاجئة، لا سيما عند حدوث تذبذب في الإنتاج بسبب الأحوال الجوية. وتؤكد دوبوا أن هذا "يضع على عاتق الحكومات الأوروبية مسؤولية الاستثمار في بطاريات التخزين الضخمة والتقنيات الذكية للتحكم بالشبكة."
تحقيقات جارية وتوصيات قريبة
وأعلنت الحكومة الإسبانية عن فتح تحقيق فوري لمعرفة الأسباب الحقيقية للانقطاع، وتحديد ما إذا كان الأمر ناتجًا عن خلل داخلي، أو هجوم إلكتروني، أو سوء تنسيق أوروبي. في الوقت نفسه، دعت المفوضية الأوروبية إلى اجتماع طارئ لوزراء الطاقة لمناقشة تداعيات الأزمة واتخاذ تدابير وقائية مستقبلية.
aXA6IDE4LjIyMy45Ny40NiA= جزيرة ام اند امز