هل تظهر «فقاعة» الذهب بأمر المركزي الأمريكي؟
يقف العالم على أعتاب احتمال حدوث فقاعة اقتصادية جديدة، هذه المرة قد يكون الذهب، الذي يعتبر ملاذا آمنا في الأزمات والحروب.
منذ اكتشافه لم يفقد الذهب بريقه كمعدن ثمين، ويحظى بثقة الأفراد والدول على حد سواء. ومع تزايد القلق العالمي بشأن الاستقرار الاقتصادي والتضخم ارتفعت أسعار الذهب بشكل لافت، مما دفع العديد من المستثمرين إلى التدفق عليه باعتباره الحصن الأخير أمام التقلبات المالية.
ومع ذلك، فإن هذا الارتفاع الكبير والسريع في أسعار الذهب يثير تساؤلات حول استدامة هذا الزخم، خاصةً مع وجود مؤشرات على تضخم الأسعار بشكل غير طبيعي. تشبه هذه الحالة ما يعرف بـ"فقاعة السوق"، حيث يتم دفع أسعار الذهب إلى مستويات غير مستدامة، مدفوعة بالمضاربات وتوقعات المستثمرين بتحقيق أرباح سريعة وكبيرة، وعندما تصل الأسعار إلى مستويات مبالغ فيها، قد يبدأ المستثمرون في فقدان الثقة، مما يدفعهم إلى البيع الجماعي ويؤدي إلى انهيار الأسعار بشكل مفاجئ.
زخم أسواق الذهب
شهدت أسواق الذهب زخما ملحوظا في الفترة الأخيرة، ما جذب لاعبين ومتداولين جددا إلى هذه السوق المعروفة بمكاسبها الضخمة، ليسجل المعدن النفيس مكاسب بنحو 476 جنيها منذ بداية 2024، ما يعادل 23.27%، محققا 2045 دولارا للأوقية، حتى وقت كتابة التقرير.
رجّح الخبير الاقتصادي أحمد معطي استمرار صعود الذهب في البورصة العالمية، نتيجة زيادة التوقعات بتيسير السياسة النقدية للفيدرالي الأمريكي، مستشهدا بخطاب رئيس الفيدرالي جيروم باول مطلع الأسبوع الجاري، بأنه "حان الوقت لخفض الفائدة"، بالإضافة إلى استمرار التوترات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط.
وتوقع معطي، في تصريح لـ"العين الإخبارية"، أن خفض أسعار الفائدة الأمريكية قد يؤدي إلى وصول سعر الأوقية إلى 2600 دولار مع نهاية العام، في ظل الاتجاه للمعدن النفيس للتحوط من تقلبات سوق الأسهم والتضخم.
ومع ذلك، حذر معطي من أن القيم الاسمية المرتفعة للذهب قد تكون مضللة، لافتا إلى أن سعر الأوقية في بداية عام 1980 كان 850 دولارا، ما يعادل اليوم ثلاثة آلاف دولار، لكنه استبعد الوصول إلى تلك المستويات التاريخية مجددا.
البنوك المركزية واحتياطيات الذهب
تابع الخبير الاقتصادي أن ارتفاع أسعار الذهب عالميا يرجع إلى زيادة الطلب من البنوك المركزية والأفراد، متوقعًا حدوث تصحيح سعري على المدى القصير والمتوسط، مع استمرار الاتجاه الإيجابي على المدى الطويل، مدعومًا بتراجع سعر الفائدة.
رأى الخبير الاقتصادي أن البنوك المركزية ستواصل شراء الذهب بدلاً من بيع احتياطياتها، موضحًا أن نحو 19% من الطلب العالمي على الذهب يأتي من البنوك المركزية. وفي سياق متصل أفاد صندوق النقد الدولي بأن روسيا زادت حيازتها من الذهب بواقع 3.110 طن في مارس/آذار 2024.
وأشار إلى أن بنك اليابان المركزي توقف عن بيع الذهب، بينما تقود البنوك المركزية في الدول الناشئة موجة شراء المعدن الأصفر، مبينا أن تداول الذهب عالميا يصل إلى 145 مليار دولار يوميا.
تحولات في سوق الذهب
في السياق ذاته، أشار محللو مجلس الذهب العالمي إلى تحولات كبيرة في السوق، حيث انتقل التحكم في المعدن الأصفر من الغرب إلى الشرق.
ورغم خروج ما يعادل 244 طنا من الذهب من صناديق الاستثمار المتداولة خلال عام 2023، فإن إجمالي الطلب على الذهب بلغ مستويات شبه قياسية، قريبة من مستويات 2018، وفقا لمجلس الذهب العالمي.
وذكر تقرير المجلس لعام 2023 أن مشتريات المصريين من المجوهرات الذهبية كانت الأعلى في منطقة الشرق الأوسط، حيث بلغت 30 طنا، ما جعلها رابع أكبر عملية شراء عالميا، مدفوعة بانخفاض العملة المحلية وتوترات المنطقة.
عوامل مؤثرة
بحسب كبير استراتيجيي السوق لمنطقة أوروبا وآسيا في "مجلس الذهب العالمي" جون ريد فإن إجمالي قيمة الذهب العالمي بنهاية عام 2022، الموجود فوق سطح الأرض، بلغ 12 تريليون دولار.
وأوضح ريد، خلال مؤتمر نُظم في القاهرة، أن هناك عدة عوامل تؤثر في أسعار الذهب بشكل عام، لافتا إلى أن 37% من إجمالي الطلب يأتي من المستهلكين الذين يشترون المجوهرات أو المشغولات الذهبية، بينما يمثل الطلب الاستثماري في شكل سبائك أو عملات معدنية 38%.
وبذلك، يشكل هذان النوعان ثلاثة أرباع الطلب، في حين تمثل مشتريات البنوك المركزية 18% والطلب الصناعي 7%، وفقا لـ"ريد"، الذي أكد أن عام 2023 شهد نمو الطلب من جميع فئات المشترين باستثناء صناديق المؤشرات والطلب الصناعي الذي شهد تراجعا طفيفا.
مبيعات الذهب
ذكر خبير المشغولات الذهبية أمير رزق أن الغرب لم يعد المؤثر الرئيسي على أسعار الذهب عالميا، حيث انتقل هذا التأثير إلى الدول الناشئة وآسيا بشكل أكبر، في ظل زيادة مشتريات البنوك المركزية من الذهب، وعلى رأسها الصين وروسيا، لتنويع احتياطاتها بعيدا عن الدولار.
يظهر ترتيب أكبر الدول المشترية للذهب أن الأسواق الناشئة تسيطر بالكامل على القائمة، بينما برزت ألمانيا كأكبر بائع للذهب العام الماضي، ما أدى إلى فقدان السوق لعلاقتها التاريخية بين العائد على الدولار وسعر المعدن الأصفر، بحسب مجلس الذهب العالمي.
وأضاف رزق لـ"العين الإخبارية" أن الاقتصاد العالمي يواجه ثلاثة سيناريوهات في الوقت الحالي، سيكون لها تأثير على سوق الذهب، أحد أسوأ هذه السيناريوهات هو عدم بدء مجلس الاحتياطي الفيدرالي في خفض أسعار الفائدة، وفي جميع الأحوال سيشهد السوق ارتفاعا أو هبوطا هادئا عن المستويات الحالية، لافتا إلى أنه إذا وقع الاقتصاد الأمريكي في حالة ركود فسيكون لذلك تأثير قوي جدا على أسعار الذهب التي ستستمر في الارتفاع.
التوقعات المستقبلية
تضاعف سعر الذهب خلال السنوات الخمس الماضية، حيث ارتفع من 1290 دولارا في 2019 إلى أعلى مستوياته في 14 أبريل/نيسان الجاري، قبل أن ينخفض مجددا إلى نحو 2525 دولارا، يوم الإثنين الماضي.
توقع بنك "سيتي غروب" أن تستمر أسعار الذهب في الارتفاع، مستهدفة مستوى 3000 دولار للأوقية بحلول يونيو/حزيران 2025، فيما رجح "غولدمان ساكس" أن يصل سعر الذهب بنهاية العام الحالي إلى مستوى يتراوح بين 2700 و3000 دولار للأوقية، مدعوما بزيادة الطلب العالمي وتوجه البنوك المركزية الكبرى نحو خفض أسعار الفائدة.