الملتقى الاقتصادي الإماراتي الصيني.. نقلة تاريخية لعلاقات أبوظبي وبكين
3 مسارات مقترحة للتعاون: الحزام والطريق - الطاقة - التكنولوجيا المتقدمة
بحث الملتقى سبل تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين في مختلف القطاعات ذات الاهتمام المشترك.
عقدت في العاصمة أبوظبي، مساء اليوم الجمعة، فعاليات الملتقى الاقتصادي الإماراتي الصيني، بحضور سلطان بن سعيد المنصوري وزير الاقتصاد الإماراتي، وتشونغ شان وزير التجارة الصيني، وعمر بن سلطان العلماء وزير الدولة للذكاء الاصطناعي بالإمارات، وعدد من كبار المسؤولين ورجال الأعمال من البلدين، وذلك تزامناً مع احتفاء الإمارات بزيارة شي جين بينغ رئيس جمهورية الصين الشعبية والوفد المرافق له لدولة الإمارات.
بحث الملتقى الذي تم تنظيمه بالتعاون بين وزارة الاقتصاد الإماراتية وغرفة تجارة وصناعة أبوظبي وبدعم من وزارة الخارجية والتعاون الدولي بالإمارات ومكتب أبوظبي للاستثمار واتحاد غرف التجارة والصناعة بدولة الإمارات، سبل تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين في مختلف القطاعات ذات الاهتمام المشترك، وركز على أهمية الاستفادة من المقومات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية الكبيرة لكل منهما، واستكشاف مزيد من فرص التعاون المستقبلي في ظل المبادرات والمشاريع الاستراتيجية في البلدين، وتوجهاتهما المستقبلية للتنمية.
حضر الملتقى سيف محمد الهاجري رئيس دائرة التنمية الاقتصادية بأبوظبي، والمهندس محمد أحمد بن عبد العزيز الشحي وكيل وزارة الاقتصاد للشؤون الاقتصادية، وعلي عبيد الظاهري سفير دولة الإمارات لدى جمهورية الصين الشعبية، ومحمد ثاني الرميثي رئيس اتحاد غرف التجارة والصناعة رئيس غرفة تجارة وصناعة أبوظبي، ود. عبيد الزعابي الرئيس التنفيذي لهيئة الأوراق المالية والسلع، وجمعة محمد الكيت الوكيل المساعد لقطاع التجارة الخارجية بوزارة الاقتصاد، وخليفة سالم المنصوري وكيل دائرة التنمية الاقتصادية بأبوظبي، وحميد بن سالم الأمين العام لاتحاد غرف التجارة والصناعة، ومحمد هلال المهيري المدير العام لغرفة تجارة وصناعة أبوظبي، وجمال الجروان الأمين العام لمجلس الإمارات للمستثمرين بالخارج، وعبدالله الأشرم الرئيس التنفيذي لمجموعة بريد الإمارات بالوكالة.
وفي كلمته خلال الجلسة الافتتاحية للملتقى، أكد المهندس سلطان بن سعيد المنصوري وزير الاقتصاد، أن الزيارة الحالية للرئيس الصيني لدولة الإمارات ولقاء قيادتي البلدين تمثل محطة تاريخية توطد الشراكة الاستراتيجية بين الإمارات والصين وترتقي بها لآفاق أكثر رحابة، مشدداً على حرص الإمارات على استدامة تلك العلاقات والعمل على تطويرها على كافة الأصعدة.
وأكد أن الشراكة الإماراتية الصينية تمثل نموذجاً مهماً في خريطة العلاقات الاقتصادية الدولية للإمارات، حيث تقوم على الصداقة والاحترام المتبادل، وشملت مظلة تعاونهما معظم القطاعات الحيوية، مؤكداً أن ما أثمرت عنه زيارة الرئيس الصيني من تفاهمات واتفاقيات جديدة سيدفع شراكة البلدين إلى مستوى جديد من الازدهار في ظل دعم القيادتين الحكيمتين.
وأوضح وزير الاقتصاد أن أرقام التجارة بين البلدين تؤكد أهمية الشراكة القائمة وآفاقها المستقبلية الواعدة، حيث تعد الصين الشريك التجاري الأول لدولة الإمارات، إذ بلغ إجمالي التبادل التجاري غير النفطي في عام 2017 أكثر من 53.3 مليار دولار، بنمو تزيد نسبته على 15%، وأن الإمارات تستحوذ على ما نسبته 30% من صادرات الصين للدول العربية وما نسبته 22% من إجمالي التجارة العربية الصينية خلال عام 2017، متوقعاً أن يصل إجمالي التبادل التجاري غير النفطي بين البلدين إلى نحو 58 مليار دولار مع نهاية العام الجاري 2018.
وأضاف أن بيئة الأعمال الإماراتية الرائدة نجحت في جذب استثمارات صينية مباشرة وصل رصيدها حتى نهاية عام 2016 إلى نحو 2.8 مليار دولار أمريكي، وتنوعت تلك الاستثمارات لتشمل مختلف القطاعات والأنشطة الاقتصادية، في مقدمتها تجارة الجملة والتجزئة ومن ثم الأنشطة المالية وأنشطة التأمين والأنشطة العقارية والبناء والتشييد، حيث بلغ عدد الشركات الصينية العاملة في الدولة حتى ذلك العام أكثر من 4000 شركة، شاملة شركات المناطق الحرة، إضافة إلى نحو 300 وكالة تجارية و5000 علامة تجارية، وتحتضن دولة الإمارات على أرضها نحو 300 ألف مواطن صيني يساهمون بفعالية في نمو عدد من القطاعات الحيوية بالدولة.
وأشار إلى أن كبرى الشركات الإماراتية في المقابل تستثمر أموالاً ضخمة في الصين في مجالات تشغيل الموانئ، وتنمية المناطق الاقتصادية والتصنيع والبتروكيماويات وقطاع النفط والغاز، والتكنولوجيا والضيافة، والسياحة، والعقارات، وتجارة الجملة والتجزئة والخدمات المالية وغيرها، مشيراً إلى أن من أبرز تلك الشركات المستثمرة شركة أبوظبي للدائن البلاستيكية المحدودة (بروج)، وشركة الإمارات العالمية للألمنيوم، ومبادلة، وشركة بترول أبوظبي الوطنية، وموانئ دبي العالمية، ويعد بنك الاتحاد الوطني أول بنك إماراتي يحصل على موافقة السلطات الصينية لتشغيل فرع له في مركز شنغهاي المالي العالمي قلب العاصمة المالية، مشيراً إلى أن الاستثمارات الإماراتية في الصين خلال فترة الأشهر التسعة الأولى من عام 2017 زادت على 12.7 مليون دولار.
وأضاف وزير الاقتصاد الإماراتي أنه في الإطار ذاته أطلقت دولة الإمارات وجمهورية الصين في ديسمبر من عام 2015 «صندوق الاستثمار الاستراتيجي المشترك»، لتعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي ودعم خطط التنمية في البلدين.
وشدد على أنه في ظل التعاون والتواصل النشط بين البلدين في مجال النقل الجوي بوجود أكثر من 100 رحلة أسبوعية تربط مدن الإمارات بمعظم المدن الصينية الرئيسية، فإن المجال مفتوح على فرص واسعة لزيادة قنوات التبادل التجاري والاستثمارات والأنشطة السياحية، والتبادل الثقافي والعلمي والتقني.
وأكد أن المرتكزات الاقتصادية لرؤية الإمارات 2021، والقائمة على إرساء دعائم اقتصاد تنافسي عالمي متنوع مبني على المعرفة والابتكار بقيادة كفاءات وطنية، أسهمت في بناء مناخ اقتصادي مستدام وغني بالفرص والحوافز، مؤكداً حرص الدولة على تنويع قاعدتها الاقتصادية، وتعزيز دور الابتكار كمحرك للتنمية.
وأوضح أن دولة الإمارات حريصة على دعم وإنجاح مبادرة "الحزام والطريق" الصينية بما تمثله من فرصة غير مسبوقة للتعاون التنموي الإقليمي والعالمي، حيث تمثل الإمارات بوابة مهمة يمكن الانطلاق من خلالها على طريق الحرير بالاتجاه نحو الغرب وأفريقيا.
وأكد أنه في ظل القواسم المشتركة العديدة في الأجندة الاقتصادية للبلدين، فإن خريطة التعاون المستقبلي بين البلدين هي خريطة مفتوحة على خيارات واسعة، ولكن تبقى القطاعات المرتبطة بالابتكار والتكنولوجيا والبحث العلمي والصناعات المتقدمة والذكاء الاصطناعي والمشاريع الصغيرة والمتوسطة من القطاعات ذات الأولوية.
ووجه الدعوة للشركات ومجتمع الأعمال الصيني إلى استكشاف ما يزخر به المناخ الاقتصادي لدولة الإمارات من فرص وإمكانات كبيرة، مؤكداً حرص الجهات المعنية على تقديم التسهيلات والدعم اللازم بما يحقق المنفعة المشتركة للجانبين.
ومن جانبه، أعرب تشونغ شان وزير التجارة الصيني عن اهتمام بلاده بتنامي العلاقات الإماراتية الصينية، مشيراً إلى أن دولة الإمارات هي أول دولة خليجية تقيم علاقات استراتيجية مع الصين، مما أثمر عن عمق الثقة السياسية المتبادلة وكثافة التواصل الثنائي رفيع المستوى، وترابط استراتيجيات البلدين على مدى سنوات عديدة لدعم جهودهما التنموية.
وأوضح أن زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ أسهمت في دفع العلاقات الودية بين البلدين إلى مستوى جديد، حيث أعلنت قيادتا البلدين رفع العلاقات الصينية الإماراتية إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية الشاملة التي ستنعكس إيجاباً على مستقبل العلاقات وتحدد اتجاه تطور التعاون الاقتصادي والتجاري.
وشدد الوزير شان على أهمية توافق الرؤى بين الصين والإمارات، فيما يتعلق بحرية التجارة العالمية والنظام التجاري الدولي المتعدد الأطراف، مؤكداً أن الصين تعارض سياسات الأحادية والحمائية التجارية، وتواصل توجهها نحو الانفتاح الاقتصادي وتعزيز استفادة المجتمع الدولي من منجزات التطور الاقتصادي.
واستعرض وزير التجارة الصيني أبرز الخطوات والتشريعات التي أنجزتها الصين في هذا الصدد، ومنها اعتماد السياسة الجديدة في قبول الاستثمارات الأجنبية، والتي قللت الكثير من القيود المتعلقة بحصة رأس المال الأجنبي في قطاعات الخدمات المالية والنقل البحري الدولي ومبيعات النفط المكرر وغيرها من القطاعات الخدمية، وكذلك المبادرة الصينية لتوسيع الواردات وتخفيض الرسوم الجمركية للمواد الغذائية والمنتجات المائية والأدوية غيرها من السلع الاستهلاكية اليومية المستوردة، مؤكداً أن هذه الإجراءات سوف تأتي بسوق هائلة لدول العالم بما فيها دولة الإمارات وتطرح الفرص الجديدة للتعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين والإمارات.
وأكد أهمية ترجمة اتفاقات قيادتي البلدين إلى واقع عملي مثمر، مقترحاً ثلاثة مسارات رئيسية في هذا الصدد، أولها تعزيز التعاون في مبادرة الحزام والطريق، عبر تفعيل دور اللجنة الاقتصادية المشتركة وتكثيف لقاءات المسؤولين وزيارات رجال الأعمال لتقوية الترابط بين مشاريع الحزام والطريق وسياسة التنويع الاقتصادي بدولة الإمارات، وتوسيع تعاون البلدين في إنشاء البنية التحتية وبناء المناطق الاقتصادية وفي مجالات الإنتاج والاستثمار والتجارة والخدمات المالية.
وتابع الوزير شان أن المسار الثاني يتمثل بدفع التعاون في مجالات النفط والغاز والطاقة المنخفضة الكربون، مؤكداً رغبة الصين في المحافظة على علاقة تجارة النفط الخام المستقرة والطويلة الأمد مع الإمارات، وفي الوقت نفسه تشجيع الشركات الصينية على المشاركة في المشروعات الإماراتية في مجال النفط والغاز، وكذلك توسيع التعاون في مجالات الطاقة النووية والطاقة الشمسية وغيرها من أنواع الطاقة النظيفة لدعم الصناعات الخضراء والمنخفضة الكربون.
أما المسار الثالث وفقاً لمعالي وزير التجارة الصيني فهو التعاون في القطاعات الخدمية والتكنولوجيا الحديثة، بما يعزز التعاون المالي وتجارة الجملة والتجزئة والسياحة، ويدعم التجارة الإلكترونية وتطوير المدن الذكية والعديد من القطاعات ذات الأهمية المستقبلية مثل الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة وتطبيقات الإنترنت وبرامج الفضاء والطيران وغيرها.
بدوره، قدم عمر بن سلطان العلماء، وزير الدولة للذكاء الاصطناعي، عرضاً تقديمياً حول فرص التعاون الإماراتي الصيني في مجال الذكاء الاصطناعي، مشيراً إلى أهمية الإنجازات التي حققتها الصين في هذا القطاع، والتي وضعتها بمرتبة ريادية على الصعيد العالمي، نتيجة عدة عوامل أهمها البيانات الضخمة المنتجة لديها يومياً، وامتلاكها حواسيب خارقة، والتقدم في البحث والتطوير، ونظامها التعليمي المتقدم.
وأوضح أن قطاعات التعاون المفتوح بين الإمارات والصين في مجال الذكاء الاصطناعي يمكن أن ترتكز على أربعة مسارات تكنولوجية: الرؤية الرقمية، والنقل الذاتي، والروبوتات المتقدمة، والاقتصاد الرقمي، مستعرضاً أبرز أوجه التعاون الإماراتي الصيني العملية في هذا المجال، ومنها: فتح مجال دراسة البيانات الإماراتية المفتوحة المتنوعة للشركات الصينية، والتعاون الثنائي في إنشاء المركز العالمي لاستضافة البيانات، والتعاون الأكاديمي وأنشطة البحث والتطوير بقطاع الذكاء الاصطناعي، وتطوير السياسات والتشريعات وتخطيط الاستراتيجيات المشتركة في استخدامات الذكاء الاصطناعي، والاستثمار في الشركات الناشئة العاملة في هذا المجال، وبناء قواعد بيانات مشتركة للأمن الإلكتروني، ودمج الذكاء الاصطناعي في قطاعات الطاقة والصحة والزراعة والخدمات اللوجستية.