هل يغيّر الذكاء الاصطناعي فصول الاقتصاد العالمي؟
يشير خبراء وادي السيليكون إلى أن السنوات القليلة المقبلة قد تشهد تحولاً تاريخياً.
فقد يصبح الذكاء الاصطناعي قادرًا على أداء معظم المهام الإدراكية بكفاءة تتفوّق على الإنسان العادي. ووفقاً لتحليل نشرته مجلة "الإيكونوميست"، لا تحتاج احتمالات هذا التحول إلى أن تكون مرتفعة كي ندرك حجمه؛ فالتأثيرات المحتملة على الاقتصاد العالمي ستكون من بين الأعمق في التاريخ المعاصر.
والتطور الحاصل خلال العقد الماضي فاق كل التوقعات. ففي 2025 حققت نماذج «أوبن إيه آي» و«غوغل ديب مايند» نتائج بارزة في الأولمبياد الدولي للرياضيات قبل 18 عامًا من تقديرات الخبراء. وتتسابق الشركات لتضخيم قدرات نماذجها في سباق يحتدم بين عمالقة التكنولوجيا، وكذلك بين الولايات المتحدة والصين الساعيتين لعدم خسارة ميزة استراتيجية. وتشير تقديرات إلى أنه بحلول 2027 سيكون بالإمكان تدريب نماذج بقدرات حوسبة تفوق GPT-4 بنحو ألف مرة.
- «سامسونغ» تستعيد موقعها بسوق الرقائق.. شريك تصنيع شريحة تسلا A15
نتائج مذهلة متوقعة
ورغم أن النقاش العام يتركز غالبًا على السيناريوهات الكارثية -مثل إساءة استخدام الذكاء الاصطناعي بيولوجيًا أو فقدان السيطرة على أنظمة فائقة الذكاء- فإن التأثيرات القريبة والأرجح تحققًا قد تكون مذهلة بحد ذاتها.
التاريخ الاقتصادي يكشف عن أن النمو العالمي كان ضئيلًا قبل 1700، ثم قفز مع الثورة الصناعية التي أطلقت حلقة توسع اعتمدت على زيادة السكان والأفكار والإنتاجية. لكن هذا النمو ظل محكومًا بعامل بشري أساسي… وهو ما قد يكسره الذكاء الاصطناعي.
التقنيون يعتقدون أن الذكاء الاصطناعي سيُسرّع اكتشاف الأفكار على نحو غير مسبوق. ويتوقع سام ألتمان أن تنتج النماذج «رؤى جديدة» العام المقبل. بتطور إضافي قد تصبح الأنظمة قادرة على الإشراف على تحسين نفسها بحلول 2028، مما يفتح الباب أمام فرضية «الانفجار الثاني للنمو». فإذا أمكن تحقيق الابتكار آليًا، ومع إعادة استثمار الأرباح في بناء حواسيب أقوى، فقد تتسارع الثروة العالمية بسرعة هائلة. وتشير تقديرات مؤسسة Epoch AI إلى أن تنفيذ الذكاء الاصطناعي 30% من المهام قد يرفع النمو الاقتصادي إلى أكثر من 20% سنويًا.
تداعيات على عدة أصعدة
وحتى دون سيناريوهات قصوى، فإن بلوغ مستوى ذكاء يضاهي الإنسان سيقلب قواعد العمل. إذ تصبح تكلفة الحوسبة الحد الأعلى للأجور، فيما يستمر أصحاب المهارات النادرة في تحقيق مكاسب ضخمة. وستذهب الحصة الأكبر من الثروة إلى مالكي رأس المال المرتبط بالذكاء الاصطناعي. أما السلع والخدمات القابلة للأتمتة فستنخفض أسعارها بشدة، بينما ترتفع تكلفة القطاعات البشرية مثل الرعاية والأعمال اليدوية بفعل «مرض التكلفة». وقد يجد كثير من العاملين المعرفيين أنفسهم مجبرين على أعمال يدوية بأجور أقل، في ظل منافسة مباشرة بين البشر والآلات على الموارد.
وهذه التغيرات ستهز الأسواق المالية؛ فالفائزون والخاسرون في سباق السيطرة سيُحدِثون تقلبات حادة في أسعار الأسهم. ومع توقع زيادات كبيرة في الدخل المستقبلي، قد تتراجع الرغبة في الادخار، مما يدفع أسعار الفائدة إلى مستويات يُحتمل أن تبلغ 20–30% في سيناريو النمو المتسارع. وهذا قد يضع الحكومات والشركات أمام تحديات ضخمة في تمويل الديون.
والسياسة بدورها لن تكون محصّنة. ففي حين شهدت الثورة الصناعية اضطرابات عمّالية واسعة، فإنه في العصر الحالي تزيد احتمالات الاحتجاجات وتغيّر سياسات الضرائب والتعليم والحماية الاجتماعية. ومع توسّع قدرات المراقبة القائمة على الذكاء الاصطناعي، سيصبح الحفاظ على الحريات المدنية أكثر تعقيدًا.
ورغم هذه التحديات، يرى بعض خبراء الذكاء الاصطناعي أن العالم مقبل على طفرة علاجية وعلمية قد تُنهي أمراضًا مستعصية وتفتح أبواب ابتكار غير مسبوق. وبينما قد تتفوق الآلات في الذكاء، ستظل الحكمة البشرية ضرورية لتوجيه هذا التحوّل التاريخي.