مصر.. هبوط الجنيه ينهي "عقدة" الخواجة
محمد الجمال قال "بدأ الناس يغيرون عاداتهم.. يمكننا بيع المزيد... لكن لدينا مشكلة في طاقتنا الإنتاجية"
تضاعفت مبيعات صانع الشوكولاتة المصري سويفاكس وأصبحت الشركة تكافح لمواكبة الطلب منذ هبوط الجنيه في نوفمبر/تشرين الثاني وهو ما دفع المتسوقين المهووسين بكل ما هو أجنبي إلى تجاهل المنتجات المستوردة باهظة الثمن وشراء السلع المحلية الصنع.
وقال محمد الجمال، المدير التجاري لسويفاكس، إنه "بدأ الناس يغيرون عاداتهم.. يمكننا بيع المزيد... لكن لدينا مشكلة في طاقتنا الإنتاجية".
وأضر تعويم الجنيه وما تلاه من زيادة الرسوم الجمركية على أكثر من 300 سلعة مستوردة من الخارج ضررا بالغا بالمستوردين لكنه أدى من ناحية أخرى إلى ازدهار أعمال مصنعين محليين مثل سويفاكس.
وعانت المنتجات المصنعة في مصر من التجاهل لصالح الأسماء الأجنبية التي يعتقد أنها أعلى جودة لكنها أصبحت الآن في متناول المستهلكين بدرجة أكبر بعد أن قفز التضخم فوق 28 بالمئة.
وبدأ ازدهار المنتجات المصرية منذ فك ربط الجنيه بالدولار عند 8.8 جنيه في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني حيث فقدت العملة المصرية نحو نصف قيمتها ليجري تداولها عند نحو 17.75 جنيه للدولار.
وقال الجمال إن المبيعات قفزت من مليوني جنيه مصري (112 ألفا و700 دولار) قبل أشهر قليلة من التعويم إلى 4 ملايين جنيه بعدما أصبحت العلامات التجارية المنافسة المستوردة خارج متناول الكثيرين.
وفي حين يبلغ سعر العبوة حجم 350 جراما الفاخرة من شوكولاتة سويفاكس 36 جنيها والصنف الأقل درجة نحو 17 جنيها فإن العلامة الرئيسية المنافسة المستوردة تباع بنحو 70 جنيها للعبوة.
وساعد تعويم الجنيه مصر على إبرام اتفاق قرض بقيمة 12 مليار دولار مع صندوق النقد الدولي مقابل تنفيذ برنامج إصلاح يتضمن زيادة الضرائب وخفض الدعم على الكهرباء ما أدى إلى صعود التضخم في بلد يعاني فيه الملايين على حد الكفاف.
ورفعت مصر الرسوم الجمركية على كثير من السلع الفاخرة إلى ما يزيد على 50% وضيقت الخناق على التهرب الجمركي ووضعت ضوابط أشد صرامة لمواصفات الجودة في محاولة لكبح عجز تجاري يقول البنك المركزي إنه يضغط على الجنيه.
وانتقد المستوردون تلك الزيادة قائلين إن المنتجين المحليين يفتقرون إلى الطاقة الكافية لسد الفجوة الناجمة عن هبوط مبيعات المنتجات المستوردة.
ويقول عماد ماهر، مدير سلسلة متاجر سامي سلامة، إن التحول إلى المنتجات المحلية زاد بنسبة 90% ويرجع ذلك بشكل رئيسي إلى فروق الأسعار.
وأضاف "في بعض الأصناف ممكن تقارن هذا بذاك فلا تجد فرقا في المنتج، لكن نحن عندنا عُقدة الخواجة".
وقال مصطفى سيد سلام الرئيس التنفيذي لكوفرتينا إن الإنتاج زاد 19% في 2016 على العام السابق.
وتابع: "بعد تعويم العملة أصبح من الصعب على المستوردين بيع الشوكولاتة بالأسعار القديمة.. زادت حصتي السوقية من 50% إلى ما بين 65 و70%".
الشركات الأجنبية بدأت تنتبه لذلك، فقد قالت نستله عملاق الأغذية المعلبة في يناير/كانون الثاني إنها أبرمت صفقة للاستحواذ على كارافان للتسويق وهي شركة مصرية لتصنيع القهوة سريعة التحضير والتي زادت حصتها في السوق المحلية نظرا للمنافسة السعرية.
وفي ظل اعتماد مصر منذ وقت طويل على الواردات، فإن الاتجاه الحالي يظهر أن جهود الحكومة لتضييق العجز التجاري الكبير ودعم الصناعات المحلية بدأت تؤتي ثمارها.
وحتى قبل التعويم كانت الواردات قد انخفضت نظرا لنقص العملة الصعبة.
وتكافح مصر لجذب الدولارات وإنعاش الاقتصاد بعد الإطاحة بحسني مبارك في 2011 وما أعقب ذلك من اضطرابات سياسية أبعدت السياح والمستثمرين الأجانب.
ولم تعلن بعد أرقام التجارة الرسمية لعام 2016، لكن مسؤولا حكوميا قال في وقت سابق هذا الشهر إن العجز انخفض 17.4% مقارنة مع 2015.
وأضاف أن الواردات هبطت إلى 62.93 مليار دولار من 70.28 مليار دولار، لكن زيادة الصادرات أسهمت أيضا في تضييق العجز حيث ارتفعت الصادرات إلى 20.26 مليار دولار في 2016 من 18.67 مليار دولار في 2015.
وكما تظهر الأرقام غير الرسمية فإن ضعف الجنيه ساعد أيضا الصادرات المصرية.
وقال هشام زهرة، رئيس مجلس إدارة ياسمين لمستحضرات التجميل، إن الإنتاج ارتفع بين 25 و35 بالمئة منذ التعويم وهو ما دعم المبيعات في السوق المحلية والخارج.
وتابع: "أصبحت أسعارنا اليوم منافسة في الأسواق الأجنبية ونستطيع منافسة بعض الدول في التصدير"، مضيفا أن أسعار مستحضرات ياسمين السائلة لا تزيد على ربع أسعار بعض العلامات التجارية المستوردة.
وكان وزير التجارة والصناعة المصري، طارق قابيل، قال في أكتوبر/تشرين الأول إن مصر أنتجت سلعا بديلة للواردات بنحو 4 مليارات دولار منذ بداية 2016 وتهدف إلى نمو الصناعة المحلية نحو 8 بالمئة خلال 3 سنوات.
وأضاف أن الصناعات الغذائية تقود المسيرة لكن المنتجات المحلية عوضت أيضا تراجع الواردات من مواد البناء والكيماويات والجلود والأثاث.
وقال أبو بكر إمام، رئيس البحوث لدى برايم القابضة للاستثمارات المالية: "هذه فرصة ذهبية للمنتجين المصريين، اعتاد المنتجون المحليون على عدم القدرة على المنافسة لكن الآن هو الوقت المناسب لمنافسة المنتجات المستوردة نظرا للميزة السعرية بعد صعود الدولار".
ارتفاع الأسعار
لكن هبوط قيمة الجنيه يظل سلاحا ذا حدين بالنسبة للمنتجين المحليين الذين يعتمدون يشكل كبير على الخامات المستوردة.
وفي سويفاكس قال الجمال إن تكلفة زبدة الكاكاو والبندق زادت لما يزيد على مثليها منذ التعويم حيث ارتفعت تكلفة طن البندق إلى 230 ألف جنيه من 90 ألف جنيه.
ودفع ذلك الشركة إلى السحب من الأموال التي كانت مخصصة للتوسع الذي سيستغرق الآن وقتا أطول رغم الحاجة الملحة لزيادة الطاقة الإنتاجية.
وتابع الجمال: "في نهاية المطاف تمكنا من زيادة الإنتاج دون التوسع من خلال زيادة دوريات العمل لثلاثة أمثالها في مصانعنا وهو ما ضغط على الآلات".
ومع سعي مصر لزيادة النمو الاقتصادي في إطار برنامج صندوق النقد إلى 5.5 بالمئة بحلول السنة المالية 2018-2019 من 4.3% في 2015-2016 فإن الحكومة لا تتحمل تأخر عدد كبير من الشركات مثل سويفاكس.
لكن مع ارتفاع الأسعار يتطلع مزيد من الأسر إلى توفير المال.
وقال متسوق في القاهرة يدعى أبو عبدالله: "لا يهتم الناس الآن بالجودة بل يهتمون فقط بالسعر.. أدور في السوبرماركت وعيني على الأسعار".
وفي محاولة للاستفادة من هذا الاتجاه تكتب مجموعة تسمى "صنع بفخر في مصر" على موقع فيسبوك عن منتجات محلية شتى تم اختبارها وتجربتها من الأغذية إلى المنظفات وحتى الأواني.
وكتبت واحدة من أكثر من نصف مليون عضو في المجموعة تحت اسم أم خالد قائلة إن العروض المخفضة تنفد بسرعة.
وتابعت: "اعتدت على شراء الحفاضات وأطعمة الأطفال المستوردة لطفلي والآن أشتري البدائل المحلية لكن لسوء الحظ فإن المنتجات المصرية الرخيصة ليست متاحة دائما. أضطر جاهدة للبحث عنها".
aXA6IDMuMTYuMjAzLjI3IA== جزيرة ام اند امز