تفجيرات الفضاء.. لحظة تمتد مخاطرها لعقود
تمثل الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية أحد أخطر التهديدات التي تواجه البيئة المدارية حاليا.
ورغم أن لحظة الاختبار لا تتعدى بضع ثوانٍ، إلا أن الحطام الذي تخلفه تلك الأسلحة يمتد خطره لعقود طويلة، مهددًا الأقمار الصناعية ورواد الفضاء واقتصاد الفضاء العالمي الذي يبلغ حجمه 1.8 تريليون دولار.
وفي 4 نوفمبر/ تشرين الثاني 2025، اصطدم جسم فضائي صغير بمركبة الفضاء الصينية «شنتشو-20»، ما أجبر السلطات الصينية على تأجيل عودة روادها الثلاثة لحين تقييم الأضرار. ورغم أن حجم الجسم المصطدم قد لا يتجاوز بضعة مليمترات، إلا أن سرعته الهائلة في المدار - التي تصل إلى عشرة أضعاف سرعة الرصاصة - كافية لإلحاق أضرار خطيرة بأي مركبة أو قمر صناعي.
حطام يهدد المدار لعقود
وتشير التقديرات إلى وجود عشرات الآلاف من قطع الحطام التي يزيد حجمها على 10 سنتيمترات، وكل منها قادر على تدمير قمر صناعي أو تهديد حياة رواد الفضاء. وما يفاقم الأزمة أن نسبة كبيرة من هذا الحطام نتجت عن تجارب متعمدة للأسلحة المضادة للأقمار الصناعية، وليس عن حوادث عرضية.
2007 الحدث الأكثر تدميرًا

في 11 يناير/ كانون الثاني 2007، فجرت الصين قمرها القديم «فنغيون» (FY-1C) باستخدام سلاح مضاد للأقمار الصناعية، مُخلفةً أكبر سحابة حطام فضائي مسجلة حتى اليوم.
وقد نتج عن التجربة أكثر من 3400 قطعة مرئية تفوق 10 سم، إضافة إلى آلاف الشظايا الصغيرة غير القابلة للتتبع.
وبعد مرور نحو عقدين، لا يزال هذا الحطام مسؤولًا عن 23 في المئة من المخلفات النشطة في المدار المنخفض، وأكثر من 10 في المئة من إجمالي الحطام المداري الذي تم رصده منذ عام 1958. ويعود استمرار خطورته وقوع الانفجار على ارتفاع بلغ نحو 860 كيلومترًا، حيث يستغرق خروج الشظايا من المدار مئات السنين.
إرث الحرب الباردة
وشهدت الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي تجارب مشابهة خلال الحرب الباردة، لكنها كانت أقل عددًا وفي مدارات أقل ارتفاعًا، ما خفّض كمية الحطام الناتج. ومع ازدياد اعتماد العالم على أنظمة الملاحة (GPS) والأرصاد الجوية والأقمار التجارية، باتت هذه الاختبارات أكثر خطورة وأقل قبولًا لدى المجتمع الدولي.

واليوم، تُعد الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية تهديدًا مباشرًا لاقتصاد فضائي يشهد توسعًا غير مسبوق.
الخطر المستمر
تهديد الحطام ليس مجرد احتمال نظري، فقد تسببت الشظايا المدارية في تعطيل وإتلاف أقمار صناعية في حوادث سابقة، أبرزها: عام 1981 عندما تفتت القمر السوفياتي «كوزموس 1275» فيما اعتبر أنه أول ضحية مؤكدة لحطام فضائي، وما تزال شظاياه تمثل 3.15 في المئة من إجمالي الحطام النشط.
وفي عام 2007 اضطرت مركبة «تيرا» التابعة لناسا للمناورة لتجنب حطام القمر الصناعي الصيني فنغيون. وفي 2013 تسبب اصطدام الحطام بقمر روسي إلى فقدانه وانحرافه عن مداره. وفي 2016 أصيبت نافذة بمحطة الفضاء الدولية بشظية من حطام سابق.
وفي 2021 أجبرت تجربة روسية على القمر «كوزموس 1408» طاقم محطة الفضاء الدولية على الاحتماء داخل المركبة. وفي 2025 احتجز طاقم «شنتشو-20» داخل محطة «تيانغونغ» بعد اصطدام جديد.
مصدر تلوث مداري ممنهج
وعلى عكس الانفجارات العرضية، تؤدي اختبارات الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية إلى انتشارٍ مفاجئ ومركّز لمئات أو آلاف الشظايا عالية السرعة، والتي تنتشر لاحقًا على مساحات واسعة في المدار. ومع تزايد هذه الشظايا، تتصاعد مخاطر الوصول إلى حالة «متلازمة كيسلر» - سيناريو كارثي تصبح فيه بعض المدارات غير صالحة للاستخدام بسبب سلسلة اصطدامات متتابعة.
ورغم وجود مبادرات مثل مكتب الحطام الفضائي في ناسا، ومشروع كلير سبيس1 الأوروبي، ومهمة إيه دي آر إيه إس-جيه اليابانية، إلا أن التكنولوجيا الحالية غير قادرة على التعامل مع السحب الكثيفة الناتجة عن اختبارات الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية.
كما أن معظم الاتفاقيات الدولية - مثل معاهدة الفضاء الخارجي وإرشادات الأمم المتحدة - غير ملزمة، وتفتقر إلى آليات واضحة للإنفاذ، مما يجعل تطبيقها مرهونًا بالإرادة السياسية لكل دولة.
الحاجة إلى قواعد مُلزمة ومساءلة حقيقية
مع استمرار القوى الكبرى في تطوير قدرات فضائية هجومية قد تهدد استدامة المدار لعقود، يصبح وضع قواعد دولية مُلزمة ضرورة عاجلة. فغياب المساءلة يشجع على مزيد من الاختبارات، ويزيد احتمال وقوع كارثة مدارية قد تهدد الأنشطة العلمية والتجارية والعسكرية حول العالم.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMjE4IA== جزيرة ام اند امز