المجاعة في غزة.. تصدع في إسرائيل بفعل الصور الصادمة

في سابقة إعلامية، عرضت القناة الثانية عشرة الإسرائيلية تقريرًا مؤلمًا عن تفاقم المجاعة في قطاع غزة، أثار موجة واسعة من التعاطف والانتقادات في آنٍ معًا.
التقرير، الذي تخللته مشاهد صادمة لأطفال يتقاتلون على فتات الطعام، ورضّع أنهكهم الجوع حتى بدت عظامهم، وأمهات يعانين اليأس، سلط الضوء على الكارثة الإنسانية المتفاقمة في القطاع.
لكنّ بثّ التقرير، رغم صداه الإنساني، لم يمر دون جدل. فوفقًا لمجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، اعتبر بعض المعلقين أن التقرير يحمل أبعادًا دعائية تخدم حركة حماس، في حين قالت الباحثة الإعلامية أيالا بانييفسكي إن الحديث عن المجاعة غالبًا ما يُستخدم إمّا لإلقاء اللوم على حماس أو لتشويه صورة إسرائيل دوليًا.
الجدل احتدم بعد أن أنهت المذيعة يونيت ليفي التقرير بالقول: "ما يحدث ليس فشلًا في العلاقات العامة، بل فشلًا أخلاقيًا"، وهو تصريح قوبل بهجوم من قبل جهات يمينية اتهمتها بتبنّي خطاب معادٍ للدولة.
ويأتي هذا الانكشاف الإعلامي في وقت تشير فيه استطلاعات الرأي إلى تراجع ثقة الجمهور الإسرائيلي بروايات وسائل الإعلام. إذ أظهر استطلاع أجراه "معهد الديمقراطية الإسرائيلي" أن 34.5% فقط من اليهود الإسرائيليين يعتقدون أن الإعلام ينقل حقيقة الوضع في غزة.
وفيما أعربت أغلبية طفيفة (53%) عن تأييدها لإنهاء الحرب، فإن هذا الميل لا يُعزى إلى دوافع إنسانية، بل إلى شعور متنامٍ بعبثية استمرار القتال، خاصة في ظل فشل الجيش في استعادة أي من الرهائن، وازدياد أعداد القتلى في صفوف الجنود.
ومع ذلك، لا تزال قطاعات واسعة من المجتمع الإسرائيلي، وخصوصًا في اليمين، متمسكة بخطاب الحرب والانتقام، تغذّيه حكومة نتنياهو عبر تضخيم الشعور بالخطر الوجودي. وفي هذا السياق، صرّح وزير المالية اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش أن غزة "جزء من أرض إسرائيل"، معتبرًا أن إقامة مستوطنات فيها بات "خيارًا واقعيًا"، واصفًا دخول المساعدات بأنه "تنازل تكتيكي على طريق النصر".
ورغم إنكاره المتكرر لوجود أزمة جوع، اضطر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في 27 يوليو/تموز الماضي إلى الإعلان عن إجراءات لتسهيل دخول المساعدات، بعد ضغوط دولية متزايدة، أبرزها من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي أقر صراحة بوجود مجاعة في غزة وتعهد بالتدخل.
لكن مراقبين يشككون في جدية تحركات ترامب، مشيرين إلى افتقارها للمتابعة والاستمرارية، ما يجعل التأثير الأكبر مرهونًا بالرأي العام داخل إسرائيل.
ورغم أن احتمال تكرار مظاهرات ضخمة كتلك التي أعقبت مجزرة صبرا وشاتيلا عام 1982 – والتي شارك فيها قرابة 10% من السكان – يبدو بعيدًا اليوم، فإن التململ الشعبي من الحرب قد يتزايد. ويتزامن ذلك مع تصاعد الاحتجاجات ضد إسرائيل في أوروبا وتهديدات بفرض عقوبات من دول غربية لطالما كانت من أشد حلفائها.
وفي ظل فقدان نتنياهو دعْم حزبين دينيين مؤخرًا، تتقلّص أغلبيته البرلمانية وتبدو حكومته أكثر هشاشة من أي وقت مضى. ويعتمد نتنياهو حاليًا على تحالفه مع أحزاب اليمين المتطرف لتجنب الانتخابات، لكن أي تغير تدريجي في الرأي العام لصالح إنهاء الحرب قد يفرض تغييرًا في مسار الحكومة.
ويختتم التقرير بالإشارة إلى أن صور المجاعة وحدها قد لا تغيّر الموقف السياسي بشكل فوري، لكنها تترك أثرًا تراكميًا، قد يُجبر الحكومة في نهاية المطاف على تعديل نهجها – ليس بدافع أخلاقي، بل تحت ضغط الضرورة السياسية.