أول دليل على استخدام خشب العنب في طقوس الدفن الفرعونية (خاص)

تمكنت دراسة إيطالية ألمانية مشتركة من توثيق أول استخدام معروف لخشب العنب في أحد النماذج الجنائزية الفرعونية.
جاء هذا الاكتشاف الذي أعلن عنه في دورية " جورنال أوف كلشرل هرتج"، ضمن دراسة لفريق بحثي مشترك من معهد علم المصريات بجامعة برلين الحرة بألمانيا وقسم العلوم الزراعية والغابات والأغذية بجامعة تورينو بإيطاليا، وذلك بفضل منهج علمي جديد تم استخدامه، أطلق عليه الباحثون اسم "وودسكوب "، حيث يفتح نافذة جديدة لفهم العلاقة بين المواد الخام، والاقتصاد، والرموز الدينية في مصر القديمة، دون المساس بسلامة القطع الأثرية النادرة.
وتعتمد طريقة "وودسكوب" على الدمج بين تقنيات التصوير البصري والتحليل المجهري والملاحظة المباشرة، بهدف تحديد أنواع الأخشاب المستخدمة في القطع الأثرية دون الحاجة إلى أخذ عينات تضر بالقطعة.
وجرى تطبيق هذا النهج على 187 قطعة خشبية مصرية عمرها نحو 4000 عام، تشمل توابيت، تماثيل، وأدوات من طقوس الدفن، محفوظة في كل من المتحف المصري والبرديات في برلين ومتحف الآثار المصرية في تورينو.
وتُعد الطريقة ثورة في مجال دراسة التراث، إذ توازن بين الدقة العلمية والأخلاقيات المتحفية، كما تتيح للعلماء الوصول إلى معلومات دقيقة عن أصل الأخشاب وتاريخها دون المساس بسلامة الأثر.
مفاجأة خشب العنب
وخلال فحص نموذج خشبي على هيئة بقرة محفوظ في متحف برلين، لاحظ الباحثون تفاصيل دقيقة في المقطع العرضي للخشب باستخدام عدسة مكبرة، فتبين لهم أنه من خشب نبات العنب ، وهي المرة الأولى في التاريخ الأثري التي يُوثق فيها استخدام خشب العنب في القطع الجنائزية المصرية.
ويقول الدكتور آلان كريفيلارو من قسم العلوم الزراعية والغابات والأغذية بجامعة تورينو للعين الإخبارية "اكتشاف خشب العنب في نموذج جنائزي مصري قديم كان مفاجئا لنا. هذا النوع من الخشب لم يكن يُعرف استخدامه في النماذج أو التوابيت، ما يشير إلى أن الحرفيين المصريين لجأوا إلى مواد محلية بديلة عندما كانت الأخشاب النادرة المستوردة مثل الأرز اللبناني أو الأبنوس غير متاحة".
ويضيف كريفيلارو أن هذا الاكتشاف يعكس قدرة المصريين القدماء على التكيف مع البيئة وشح الموارد الخشبية ، كما يوضح أن "اختيار الخشب لم يكن عشوائيا، بل كان قرارا مدروسا يرتبط بالرمزية والوظيفة والموارد المتاحة".
ومن جانبها، تقول الدكتورة تينا بيك من معهد علم المصريات بجامعة برلين الحرة: للعين الإخبارية "الأدلة الجديدة تُظهر أن المصريين لم يستخدموا الخشب بشكل عشوائي في طقوسهم، بل كان اختيار المادة يعكس معاني دينية واجتماعية عميقة، فاستخدام خشب العنب مثلا قد يكون مرتبطا بفكرة التجدد والخصوبة، وهي رموز مرتبطة بالحياة بعد الموت في المعتقدات المصرية القديمة".
وتؤكد بيك أن هذا المشروع المشترك بين المتخصصين في علم المصريات وخبراء الأخشاب "يُعيد التوازن بين دراسة المضمون الرمزي للأثر وفهم مادته الأصلية"، مضيفة أن النتائج الجديدة ستُسهم في تطوير استراتيجيات الترميم والعرض المتحفي للقطع الخشبية القديمة.
اكتشافات أخرى.. الأرز والتين والعتم
لم يقتصر الاكتشاف على خشب العنب فقط، فقد حددت الدراسة استخدام المصريين القدماء لأنواع خشب أخرى مثل الأرز في التوابيت المخصصة لذوي المكانة الرفيعة، لما يتميز به من صلابة ورائحة طيبة ومقاومة للتلف، إلى جانب استخدام خشب التين في النماذج الجنائزية، والسنط في الأدوات الزراعية مثل المحاريث.
وتشير هذه النتائج إلى شبكات تجارة واسعة كانت تربط مصر القديمة ببلاد الشام وشرق إفريقيا، فضلا عن استغلالها الذكي للموارد المحلية.
حماية التراث بروح العلم
ويعد مشروع "وودسكوب" مثالا نادرا على التعاون بين علوم الطبيعة والإنسانيات، حيث يجمع بين علم المصريات، وعلوم الغابات، والكيمياء، وتقنيات التصوير.
ويقول كريفيلارو: "لقد صممنا منهجية تُحافظ على قدسية الأثر وفي الوقت نفسه تُتيح لنا معرفة قصته الخفية. كل قطعة خشب تحمل بين أنسجتها تاريخا لم نكن نراه من قبل".
أما بيك فتضيف: "بفضل هذه المقاربة غير التدميرية، أصبح بإمكاننا الآن دراسة قطع نادرة لم يكن يُسمح لنا بلمسها، مما يفتح الباب أمام فهم أعمق للحياة اليومية والدين والاقتصاد في مصر القديمة".
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMjUg جزيرة ام اند امز