براءة قوانين التسلل.. ما سبب النتائج الكبيرة في كرة القدم؟
يلاحظ المتأمل في تاريخ كرة القدم اختلاف النتائج سابقا عن الوقت الحالي، حيث كانت تشهد المباريات عددا أكبر من الأهداف، وظهورا أقل للتعادل السلبي.
التفسير الأكثر شيوعا بين جماهير كرة القدم لتلك الظاهرة كان اختلاف القوانين قديما، وغياب التسلل في بدايات الساحرة المستديرة، لكنه تبرير خاطئ.
أسطورة غياب التسلل
الحكمة من تطبيق قانون التسلل هو منع اللاعبين من طريقة سهلة وغير تنافسية للتسجيل، بالبقاء بالقرب من مرمى الخصم وانتظار تمرير الكرة ثم تسجيل الهدف مباشرة.
اعتبر الكثيرون أن هذا الأمر غير رياضي ويجعل اللعبة مملة، ما يعني أن هذا قانون التسلل يجبر اللاعبين على القيام بأمور ممتعة للوصول إلى المرمى مثل المراوغة والتمريرات القصيرة.
ومنذ وضع أول القوانين المنظمة لكرة القدم في منتصف القرن الـ19، تم مراعاة احتساب التسلل وإلغاء الأهداف التي تأتي منه، ويمكن القول إن قانون التسلل وقتها كان أكثر صعوبة وصرامة.
بمرور الزمن أُدخلت عدة تغييرات على قوانين التسلل، ومنذ بداية القرن الحالي أصبحت أكثر مرونة وتساهلا مع المهاجمين، وفي جميع الأحوال فإن احتساب التسلل من عدمه ليس له علاقة من قريب أو بعيد بكثرة الأهداف قديما في المباريات.
أسباب تكتيكية
وترجع كثرة الأهداف والنتائج الكبيرة في مباريات الكرة بالقرن الماضي لأسباب تكتيكية وفنية بالأساس، حيث أن طرق اللعب القديمة كانت تميل للهجوم بشكل أكبر، ومحاولة تسجيل أكبر قدر ممكن من الأهداف.
أول مباراة دولية في تاريخ اللعبة أقيمت بين اسكتلندا وإنجلترا في عام 1872، ولعب المنتخب الإنجليزي بتشكيل لا نراه اليوم، وهو (1-1-8) وكان يتحول في الحالة الدفاعية إلى (1-2-7)، فيما لعب نظيره الاسكتلندي بتشكيلة (2-2-6).
صحيح أن تلك المباراة انتهت بالتعادل السلبي ولم ينجح أي من المنتخبين في التسجيل، لكن هذا يعطينا تصورا عن شكل تكتيكات كرة القدم في ذلك الوقت، حيث أن أغلب اللاعبين كان يتم الدفع بهم في خط الهجوم، أو في خط الوسط خلف المهاجمين مباشرة، مع وجود عدد قليل من المدافعين.
بعد عدة عقود من اللعب بتلك الطريقة، أصبحت الفرق تميل لتحقيق شيء من التوازن، مع الحفاظ على الأفضلية للهجوم، فظهرت خطة (4-2-4) التي لعب بها منتخب المجر ونظيره البرازيلي في خمسينات القرن الماضي، حسب ما ذكره الكاتب الإنجليزي جوناثان ويلسون في كتابه "الهرم المقلوب"، الذي يتحدث فيه عن تاريخ تكتيك كرة القدم.
التغير المستمر لكرة القدم كان له دورا في تحول اللعبة لاحترافية بالكامل بدلا من ممارستها كهواية، وبالتالي أصبح اللاعبون أكثر مهارة، كما اتجهت الأندية للتعاقد مع اللاعبين الأفضل أملا في تحقيق مكاسب رياضية ومالية أيضا.
تحسن مستوى اللاعبين كان له رد فعل بتطوير الجوانب الدفاعية من أجل إيقاف خطورة النجوم الذين أصبحوا أكثر سرعة ويمررون ويسددون بشكل أفضل، وهو ما تسبب في ظهور طرق جديدة لمنع الأهداف، أبرزها مصيدة التسلل والضغط على حامل الكرة ومراقبة المهاجمين، وكذلك مركز "الليبرو" وهو اللاعب الأخير الذي يغطي خلف المدافعين، ولم يعد معمولا به في الوقت الحالي.
في عام 1890 كان متوسط عدد الأهداف لكل مباراة هو 4.5 هدف، وبعد 100 عام أصبح هذا المتوسط 2.6 هدف فقط.
واستمر التغييرات على طرق اللعب، وأصبحت الخطط التي تشهد وجود مهاجم وحيد أو حتى مهاجم وهمي أكثر انتشارا في الوقت الحالي، فيما يندر اللعب بأقل من 4 مدافعين.
ورغم أن طريقة "تيكي تاكا" التي يشتهر بها برشلونة تصنف واحدة من طرق اللعب الهجومية، إلا أن لها نهجا دفاعيا بالغ الأهمية، بالسيطرة على الاستحواذ، وحرمان الخصم من امتلاك الكرة، وبالتالي منعه من التسجيل.
باختصار فإن سبب قلة عدد الأهداف مقارنة بالماضي هو أن كرة القدم أصبحت أكثر توازنا بين الهجوم والدفاع، بدلا من التركيز على جانب واحد فقط.