"زواج مأزوم" ونفوذ على المحك.. ماكرون يتحدى روسيا في أفريقيا
فرنسا تضبط عقارب دبلوماسيتها على توقيت وسط أفريقيا حيث يستهل رئيسها الأربعاء جولة يعول أن تقدم ملامح "العلاقة الجديدة" مع القارة.
جولة أفريقية تحمل إيمانويل ماكرون إلى 4 دول وفي جرابه تحديات عقود من النفوذ المتلاشي في قارة بدأت تلفظ القوة الاستعمارية السابقة.
ومن المنتظر أن يصل الرئيس الفرنسي، بعد ظهر اليوم إلى ليبرفيل عاصمة الغابون، والتي تشكل محطته الأولى من رحلة ستقوده بعد ذلك إلى أنغولا والكونغو برازافيل وجمهورية الكونغو الديمقراطية.
ولئن تعتبر هذه الجولة الثامنة عشرة التي يقوم بها ماكرون إلى أفريقيا منذ بداية ولايته الرئاسية الأولى في 2017، لكن جولته الحالية تكتسي أهمية خاصة سواء من حيث التوقيت، حيث تأتي بعد يومين فقط من تقديم باريس لاستراتيجيتها الأفريقية للسنوات الأربع المقبلة.
أيضا من حيث السياق، ففرنسا التي كانت تحتكر معظم النفوذ في أفريقيا، باتت تواجه بالفترة الأخيرة، انقلابا في موقف القارة السمراء منها، ورفضا شعبيا متزايدا لوجودها، مقابل تنامي الوجود الروسي.
منافسة ترفع وتيرة سباق النفوذ في القارة، وتدفع باريس على ما يبدو إلى اللعب على جميع الأوتار من أجل إنقاذ زواجها الطويل والمأزوم مع القارة، خصوصا في ظل وجود خصم شرس مثل موسكو.
الوجود العسكري
في إشارة إلى الاستياء المتزايد من فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة، دعا ماكرون قبل يومين إلى "بناء علاقة جديدة ومتوازنة ومتبادلة ومسؤولة" مع القارة الأفريقية.
كما أعلن تقليص الوجود العسكري الفرنسي، الذي ركز لمدة عشر سنوات على محاربة الإرهاب في منطقة الساحل، قبل أن يتحول هذا الوجود إلى تجسيد للتراث الاستعماري كما تراه الأجيال الأفريقية الجديدة ممن تتطلع إلى ما تسميه بالاستقلال "الجديد".
وفي كلمة ألقاها حول السياسة الفرنسية الجديدة في أفريقيا، دعا ماكرون إلى التحلي بـ"التواضع" و"المسؤولية"، رافضا "المنافسة" الاستراتيجية التي يفرضها، بحسب قوله، من يستقرون هناك مع "جيوشهم ومرتزقتهم"، في إشارة ضمنية لروسيا ومجموعة "فاغنر"
وقال ماكرون: "يريد كثر دفعنا للدخول في منافسة، أعتبرها مفارقة تاريخية (...) يصل البعض مع جيوشهم ومرتزقتهم إلى هنا وهناك".
وأضاف "إنها طريقة فهمنا المريحة للواقع في الماضي. قياس تأثيرنا من خلال عدد عملياتنا العسكرية، أو الاكتفاء بروابط مميزة وحصرية مع قادة، أو اعتبار أن أسواقا اقتصادية هي أسواقنا لأننا كنا هناك من قبل".
طريق الإنقاذ
من الواضح أن ماكرون سيركز في جولته الأفريقية على محاولة طي صفحة الماضي البعيد والقريب، والقضاء نهائيا على مفهوم "فرنسا أفريقيا" والذي لطالما تسبب في خلق روابط مضطربة بين الجانبين، من أجل تحقيق الهدف النهائي وهو إعادة أفريقيا إلى حضن فرنسا في إطار جديد.
لكن كيف يمكن أن يحدث ذلك؟
يعتزم ماكرون الاعتماد على المجتمع المدني والمغتربين الأفارقة في فرنسا لطي الصفحة، لكن مناورة مماثلة قد لا تكون مضمونة النتائج خصوصا في الغابون حيث تشكك المعارضة في أهداف زيارته للرئيس علي بونغو المنتخب في ظل ظروف مثيرة للجدل في عام 2016 والمرشح المحتمل لإعادة انتخابه هذا العام.
بونغو سيستقبل ماكرون، مساء اليوم، على مأدبة عشاء بمقر الرئاسة، قبل أن يشارك الرئيس الفرنسي في قمة حول حفظ غابات حوض نهر الكونغو، الحدث الذي يحاول ماكرون الاستفادة منه للدفاع عن نفسه ضد أي نهج "سياسي" لزيارته.
ويؤكد أن الغرض الوحيد من زيارته هو حضور قمة غابات حوض الكونغو، أول رئة على كوكب الأرض وفقًا للإليزيه، والتي أصبحت مهددة الآن جراء الاستغلال المفرط للزراعة.
لقاء برازافيل
في لواندا أيضا، سيوقع ماكرون، الجمعة، اتفاق شراكة لتطوير القطاع الزراعي في أنغولا، الدولة النفطية الرائدة، ولكن حيث لا يزال غالبية السكان غارقين في الفقر.
ولاحقا، يتوقف ماكرون لفترة وجيزة في برازافيل للقاء الرئيس دينيس ساسو نغيسو السلطة منذ نحو 40 عاما، وهو الاجتماع الذي قد يبدو مرة أخرى مخالفا لما ورد في خطاب الرئيس الفرنسي الأخير.
وفي محطته الأخيرة، قد توفر له جمهورية الكونغو الديمقراطية، وهي مستعمرة بلجيكية سابقة ولكنها أيضا أكبر دولة ناطقة بالفرنسية في العالم، فرصة أفضل للكشف عن رؤيته لأفريقيا.
ولكن هناك أيضا، يستعد الرئيس فيليكس تشيسكيدي، الذي يتولى السلطة منذ يناير/ كانون ثاني 2019، لإجراء انتخابات هذا العام، فيما لا تنظر المعارضة لزيارة ماكرون بشكل إيجابي.
فهل ينجح ماكرون في اجتياز ألغام التشكيك الأفريقي في نواياه ويعيد للوجود الفرنسي بريقه في وسط القارة السمراء بما يمنحه ورقة تحد لروسيا؟