السفير الفرنسي بالسعودية: مبادرة مستقبل الاستثمار فرصة غنية
نوَّه سفير فرنسا لدى السعودية، لودوفيك بويّ، بعمق العلاقات التي تربط فرنسا بالمملكة، مؤكدًا أنها غنية وعريقة ومبنية على الثقة.
ونشأت شراكات بين البلدين على جميع الأصعدة للتّوافق على قراءة المشهد الدولي والمصالح العديدة المشتركة.
مبادرة مستقبل الاستثمار.. محورية للعالم
وقال في حوار مع وكالة الأنباء السعودية (واس): "إن العلاقات السعودية الفرنسية نمت على التوافق القائم بين القيادتين، ولا يغيب دائماً عن ذاكرتي روابط الثقة التي نشأت بين الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود والجنرال ديجول بعد لقائهما في 2 يونيو 1967، وأيضًا بين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود والرئيس فرانسوا ميتيران".
ولفت النظر إلى أن هذه العلاقة اتخذت أبعاداً استراتيجية جديدة خلال السنوات الأخيرة، لا سيما مع إبرام شراكة استراتيجية بين البلدين خلال زيارة ولي العهد باريس في إبريل عام 2018، قائلًا: "جاءت زيارة وزير أوروبا والشؤون الخارجية جان إيف لودريان الأخيرة الذي التقى خلالها بولي العهد، للتأكيد على هذه الروابط، ونشعر بهذه الطاقة في جميع شراكاتنا التي تحيي التعاون الفرنسي السعودي الممتاز في جميع المجالات التي تشملها رؤية 2030".
وبالتزامن مع استضافة المملكة لمنتدى مبادرة مستقبل الاستثمار، أشار السفير لودوفيك بويّ إلى أن هذه المبادرة وبعد مرور خمس سنوات على انطلاقها أصبحت محورًا أساسيًا على تقويم فعاليات الاستثمار في العالم، مفيداً أن الحجم الدولي لهذا الحدث أسهم في فتح المجال أمامها لترويج اقتصادها أمام جمهور واسع من المستثمرين الدوليين تحقيقًا لرؤية المملكة 2030.
وبين أن التمثيل الفرنسي في النسخة الخامسة لمبادرة مستقبل الاستثمار سيكون على مستوى رفيع، لما يشكله هذا الأسبوع من فرصة غنية بالفعاليات، وقد لبّى رؤساء الشركات الفرنسية الكبيرة الدعوة للمشاركة في هذا الحدث المهم.
البيئة ركيزة التنمية المستدامة
وأشاد السفير الفرنسي في حديثه، بإطلاق ولي العهد لـ"مبادرة السعودية الخضراء"، و"مبادرة الشرق الأوسط الأخضر"، مبيناً أن المبادرتين تتضمنان جهوداً طموحة لتخفيض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وحماية التنوع البيولوجي، واستحداث مصادر بديلة للطاقة كالطاقة الطاقات المتجددة، والنووية والهيدروجين، مهنئاً المملكة كونها تطمح إلى بلوغ 50% من الطاقات المتجددة في مزيج الطاقات بحلول 2030، لكي تصبح بلداً خالياً من انبعاثات الكربون بحلول 2060.
وعن التجربة الفرنسية بشأن زيادة الغطاء النباتي وتخفيض انبعاث الكربون، أوضح أن خطة إعادة التشجير الضخمة للغابات الفرنسية التي أطلقتها فرنسا للتصدي لهذه التحديات، تهدف إلى زرع 45000 هكتار من الغابات التي يمكن أن تلتقط 150000 طن إضافي من ثاني أكسيد الكربون كل سنة.
وأضاف "إن مشروع إعادة التشجير الضخم سيلقى دعمه عن طريق إنشاء صندوق بقيمة 150 مليون يورو لتجديد الغابات ولضمان تكيفها مع التغيير المناخي"، مشيراً إلى أن للغابات دوراً أساسياً في التخفيف من آثار تغير المناخ؛ فهي تعوض حوالي 20% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الفرنسية، ولكي تتمكن الغابات من تأدية هذا الدور يجب أن تبقى قادرة على الصمود.
وأكد وقوف فرنسا إلى جانب المملكة العربية السعودية لتطوير الطاقات ذات المحتوى الكربوني المنخفض، مشيراً إلى وجود العديد من الشركات الفرنسية التي تعمل على مشاريع مهمة في مجال الطاقة المتجددة في المملكة، مثل شركة EDF للطاقات المتجدّدة التي هي على رأس ائتلاف يعمل على تطوير مزرعة الرياح في دومة الجندل، مضيفاً بأن هناك العديد من الشركات الفرنسية الأخرى المستعدة لمواكبة هذا التحول في مجال الطاقة في المملكة.
وشدد على أن طموحات فرنسا الاستراتيجية تتماشى تماماً مع طموحات المملكة، كما أن العنصر البيئي يعد عنصراً محوريًا لتأمين التنمية المستدامة لاقتصاد وطموحات البلدين.
علاقات اقتصادية قوية
وبشأن العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين بيَّن السفير الفرنسي أن البلدين يتمتعان بعلاقات اقتصادية متينة وبمقومات حقيقية لتعزيز هذا التعاون، مفيداً أن فرنسا تحتفظ بما نسبته 3.5% في سوق العرض من إجمالي الواردات السعودية منذ 10 سنوات، وتعد المورد السابع للمملكة. وبلغ عدد الشركات الفرنسية في المملكة نحو 120 شركة، فيما بلغ إجمالي الاستثمارات الفرنسية المباشرة 5 مليارات دولار.
كما تحدث عن أهمية زيارة الوزير الفرنسي المكلف بشؤون التجارة فرانك ريستر إلى المملكة في الـ6 و7 من أبريل الماضي في إطار المهمة التي كُلِّف بها من الرئيس الفرنسي لمتابعة مشاريع فرنسا الاقتصادية والتجارية في المملكة، حيث ارتكزت اللقاءات التي جمعته بوزير الاستثمار المهندس خالد بن عبدالعزيز الفالح على تسعة محاور أساسية من صميم رؤية 2030، والمتمثلة في: الطاقة والمياه والبيئة، والنقل واللوجستية، والسياحة، والترفيه والثقافة، والصحة، والزراعة الغذائية، والتجديد والتقنيات الجديدة والذكاء الاصطناعي، وصناعة الطائرات والفضاء، وقطاعَي الاستثمار والمالية.
وعبَّر السفير لودوفيك بويّ عن اعتزازه بالتعاون في مجال الآثار بقوله: "نحن فخورون جدًا باحتفالنا في هذه السنة بمناسبة مرور عشرين عامًا للتعاون السعودي الفرنسي في مجال الآثار؛ إذ يعود الاتفاق الأول الذي تم إبرامه إلى سنة 2001 بعد التوقيع على بروتوكول تنقيب على الآثار في موقع الحجر في مدائن صالح، ويوجد حوالي خمس عشرة بعثة فرنسية سعودية في جميع أنحاء المملكة (البدع، صخرة الجمل، جزر فرسان، حمى، ثاج بالإضافة إلى مواقع العلا) يقودها المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي CNRS، إلى جانب العديد من المختبرات والمؤسسات المعنية بالآثار".
فرنسا تدعم جميع المبادرات
ولفت الانتباه إلى أن فرنسا تدعم جميع المبادرات الثقافية السعودية وفي مجال الترفيه، وتشارك العديد من الوفود الفرنسية في قمة الذكاء الاصطناعي الدولية وفي مواسم الرياض وجدة والعلا، إلى جانب مشاركة مؤسسات فرنسية كبيرة في العديد من المعارض مثل مركز بومبيدو في إثراء وغيره، عاداً التعليم العالي والأبحاث من ركائز التعاون الثنائي أيضاً، حيث تقوم العديد من الوفود الفرنسية بشكل سنوي بزيارة المملكة الإنشاء علاقات مع الشركاء السعوديين.
وتابع: "كما يوجد في جدّة تعاون ثقافي كثيف وعريق، متمثلاً بدعم فرنسا لمهرجان أفلام البحر الأحمر في هذا العام، وسيحضر العديد من الوفود الفرنسية المتخصصة في صناعة الأفلام للمشاركة في هذا المهرجان السنيمائي".
وأعرب عن سعادته بتعيينه سفيراً لبلاده لدى المملكة، حيث قام خلال هذه السنة بجولة في العديد من المدن والمحافظات السعودية، منوهًا بما شاهده من الإرث الموجود فيها، سواء في الدّرعية والدّمام، وجدّة وأبها، والطائف إلى جانب العلا، لافتاً الانتباه إلى أن لكّل منطقة مميّزاتها المحليّة الخاصة التي تحمل مفاجآت رائعة لزوّارها؛ من فنون وأزياء وهندسة وفن التذوّق، تضيف رونقاً إلى الغنى والتنوّع الّذي تتمتع به المناطق السعودية والشعب السعودي.
وأضاف: "ومع كلّ هذا التنوع، فإن حرارة الاستقبال وحسن الضيافة ورسالة الأخوّة التي يحملها السعوديون، ثابتٌ لا يتغيّر أينما كنّا في المملكة العربية السعودية".
وفي ختام حديثه لـ(واس)، قال السفير لودوفيك بويّ: "لقد أبهرتني الحيويّة الموجودة في كلّ جزء من المجتمع السعودي، لا سيّما بين الشباب السعوديين والسعوديات الّذين يعملون بجدّ من أجل مملكة الغد، لا يمكن أن نقدرها بحق إلا إذا اختبرناها بأنفسنا، وأنا سعيد جدًا بالتحدّث عن هذه الخبرة الممتعة التي أعيشها هنا، أينما ذهبت، وعن اهتمام السعوديين وحبّهم لفرنسا".