أكبر مجمع ذكاء اصطناعي بفرنسا.. حجر أساس للاستقلال الرقمي الأوروبي

اعتبر خبراء اقتصاد فرنسيون أن مشروع إنشاء أكبر مجمع للذكاء الاصطناعي في أوروبا، والمزمع إقامته في قرية فوجو بمنطقة السين ومارن في فرنسا، يعد نقطة تحوّل استراتيجية لأوروبا بأسرها.
ورأى الخبراء أن هذا المشروع الضخم لا يُعد مجرد استثمار بنحو 50 مليار يورو، بل هو إعلان واضح عن طموح فرنسي لاستعادة زمام المبادرة في سباق الذكاء الاصطناعي العالمي.
وفيما يشكل هذا الحرم ركيزة لتكامل البحث والتعليم والصناعة، يرى الخبيران أنه يمثل نقلة نوعية تعزز السيادة الرقمية لفرنسا، ويمنح أوروبا موطئ قدم قوي في مواجهة العملاقين الأمريكي والصيني في ميدان التكنولوجيا المتقدمة.
وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد أعلن رسميًا عن إنشاء حرم ضخم في فرنسا مخصص للذكاء الاصطناعي. وسيُبنى هذا الحرم في إقليم سين ومارن.
حجر الأساس للاستقلال الرقمي الأوروبي
من جانبها، قالت الدكتورة كلارا مارشاند، الخبيرة الاقتصادية في معهد "مونتين" الفرنسي للدراسات الاقتصادية والتكنولوجية لـ"العين الإخبارية": "هذا المشروع هو حجر الأساس للاستقلال الرقمي الفرنسي والأوروبي".
وأوضحت أن وجود حرم من هذا النوع يعزز مكانة فرنسا في سباق السيادة التكنولوجية، ويجعل من الذكاء الاصطناعي ليس مجرد أداة، بل قطاعًا اقتصاديًا بحد ذاته.
وأضافت: "نحن أمام نقلة نوعية في صناعة القيمة المضافة القائمة على المعرفة والتقنيات التنبؤية".
رؤية استراتيجية بعيدة المدى
بدوره، قال البروفيسور بول دولاكرو، رئيس قسم الاقتصاد الرقمي في مركز أبحاث "معهد الاقتصاد الصناعي في تولوز" لـ"العين الإخبارية": "هذا الاستثمار يتعدى بعده الصناعي، إذ يعكس رؤية استراتيجية بعيدة المدى".
ورأى أن ماكرون يحاول عبر هذا المشروع دمج فرنسا في صميم الاقتصاد العالمي الجديد المعتمد على الذكاء الاصطناعي، ولكن التحدي الرئيسي سيكون في بناء منظومة تعليمية ومهنية قادرة على ملء هذا الصرح بالكوادر المؤهلة.
ويُعتبر هذا المشروع بمثابة تسليط ضوء غير مسبوق على إقليم سين ومارن. ففي إطار الدورة الثامنة لقمة "اختر فرنسا" (Choose France)، التي عُقدت الأسبوع الماضي في قصر فرساي (إيفلين)، أعلن ماكرون عن تطوير حرم ذكاء اصطناعي "مفتوح" في منطقة إيل-دو-فرانس، يجمع بين مراكز بيانات، وحوسبة عالية الأداء، والتعليم، والبحث العلمي، ويُعد "أكبر حرم مخصص للذكاء الاصطناعي في أوروبا".
منذ ذلك الحين، تتكاثر التكهنات حول موقع هذا المشروع، حيث حددته عدة وسائل إعلام متخصصة في محيط مدينة ميلون، على قطعة أرض تتراوح مساحتها بين 70 إلى 80 هكتارًا.
وتجدر الإشارة إلى أن وجود أراضٍ بهذا الحجم في تلك المنطقة نادر للغاية. ووفقًا لمصادر مطلعة، سيتم إنشاء الحرم في قرية فوجو، وهي بلدة صغيرة يبلغ عدد سكانها 630 نسمة، وتقع في قلب منطقة بري.
ومنذ تعديل المخطط التوجيهي البيئي لمنطقة إيل-دو-فرانس (SDRIF-E) في سبتمبر/ أيلول 2024، أصبحت بلدية فوجو تمتلك منطقة نشاط اقتصادي تابعة لتجمع بلديات "بري الأنهار والقصور" (CCBRC) بمساحة 73 هكتارًا، ومهيأة لاستضافة مشروع بهذا الحجم.
- جهاز بلا شاشة.. «أوبن إيه آي» و«جوني آيف» يعيدان تعريف التكنولوجيا
- جيتكس أوروبا 2025.. دبي الرقمية تضع بصمتها في عالم الذكاء الاصطناعي
أكبر مجمع للذكاء الاصطناعي في أوروبا
وبحسب المصادر ذاتها، فإن هذا المجمع الذي تم تصنيفه كمشروع "ذو أهمية وطنية كبرى"، سيشغل كامل مساحة هذه المنطقة، التي تتمتع بموقع مثالي بفضل قربها من الطريق السريع A5 المحاذي للقرية.
وقرية فوجو مرشحة لاستضافة "أكبر مجمع جامعي للذكاء الاصطناعي في أوروبا" باستثمار يُقدّر بحوالي 50 مليار يورو.
وعند الاتصال به، لم ينفِ كريستيان بوتو، رئيس تجمع بلديات في فرنسا، هذه المعلومات، قائلاً: "موقع فوجو هو بالفعل قيد الدراسة". ورغم تأكيده أن "لا شيء رسمي بعد"، أعرب عن "فخره" بإمكانية استضافة الإقليم "أضخم منشأة من هذا النوع على الإطلاق في أوروبا".
من جهته، أفاد هيرفي جانان، عمدة بلدة كريزوني، بأن الخبر قد تم تبليغه للمنتخبين المحليين، مضيفًا: "نتحدث عن مشروع يُقدّر استثماره ما بين 30 إلى 50 مليار يورو. إنها أخبار جيدة بالنسبة لنا، لأنها تغنينا عن شاحنات النقل الثقيلة التي كانت ستُخصّص للمنطقة اللوجستية التي أُلغيت بعد مراجعة المخطط التوجيهي".
مشروع دولي ضخم: بين فرنسا والإمارات وNVIDIA
سيُطوّر المشروع عبر شراكة بين عدة كيانات رئيسية: البنك العام للاستثمار الفرنسي (Bpifrance)، وشركة MGX الإماراتية المتخصصة في الذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة، وشركة Mistral AI الفرنسية المتخصصة في الذكاء الاصطناعي التوليدي، وأخيرًا شركة NVIDIA الأمريكية، الرائدة عالميًا في البنى التحتية للحوسبة الخاصة بالذكاء الاصطناعي.
ومن المتوقع أن تبدأ أعمال بناء الحرم في النصف الثاني من عام 2026، ليتم تشغيله بحلول عام 2028.
وأوضح بيان صادر عن Bpifrance أن "الحرم الجديد يستهدف بلوغ قدرة تشغيلية تبلغ 1.4 غيغاواط. وسيكون أول مركز أوروبي مخصص لتغطية الدورة الكاملة لحياة الذكاء الاصطناعي: من تصميم النماذج إلى النشر، مرورًا بالتدريب والاستدلال والتطبيق العملي".
هذا المركز، الذي يمثل قفزة في الابتكار، سيتضمن قدرات متقدمة للحوسبة، وبُنى تحتية للاختبار على نطاق واسع، وبيئات تطوير تحاكي ظروف العالم الحقيقي.
مشروع الحرم مدعوم من كبرى المؤسسات الفرنسية
بالإضافة إلى الشركاء الدوليين، يحظى المشروع بدعم مجموعة Bouygues، وشركة الكهرباء الفرنسية EDF، وشبكة النقل RTE، والمدرسة متعددة التقنيات (École Polytechnique)، وشركة Sipartech، المزود الفرنسي الرائد في مجال البنية التحتية للألياف البصرية عالية السعة.
من جهتها، أكدت Bpifrance أن الأعمال الإنشائية ستنطلق في النصف الثاني من عام 2026، على أن يُصبح الحرم جاهزًا للاستخدام بحلول عام 2028.