غزة «أوفلاين».. ماذا بعد «نذير الشؤم»؟

علمتهم التجارب أن قطع الإنترنت والاتصالات عادة ما تعقبه مأساة ولذلك ترتجف القلوب وتبتهل الشفاه بصمت لا يدرك أحدا ما الذي سيكسره.
والخميس، قال سكان إن الدبابات الإسرائيلية شوهدت في منطقتين بمدينة غزة تعدان مدخلا إلى وسط المدينة، وفي الوقت نفسه انقطعت خطوط الإنترنت والهاتف في أنحاء القطاع في إشارة إلى تصعيد محتمل للعمليات البرية في وقت قريب.
وتسيطر القوات الإسرائيلية على الأحياء الواقعة في شرق مدينة غزة، وقصفت في الأيام القليلة الماضية أحياء الشيخ رضوان وتل الهوى، حيث تمركزت للتقدم نحو مناطق وسط المدينة وغربها التي يحتمي بها معظم السكان.
"نذير سيء»
وقال إسماعيل، الذي لم يعرف نفسه سوى باسم واحد فقط: "قطع النت والاتصالات عادة مش بشارة كويسة لأنه دايما بتكون علامة إنه في شيء كتير مش كويس ووحشي ممكن يحصل".
واستخدم إسماعيل شريحة اتصال إلكترونية لتشغيل هاتفه، وهي طريقة خطيرة لأنها تتطلب البحث عن أرض مرتفعة لاستقبال إشارة.
وأضاف متحدثا من منطقة ساحلية في غرب المدينة "الوضع في كل مكان حواليا تعيس كتير، الناس اللي في الخيام واللي في الدور كتير قلقانين وخايفين على حياتهم، في كتير منهم ما بيملك القدرة من ناحية الفلوس إنه ينزح من داره وفي ناس ما بدهم ينزحوا ويتركوا بيوتهم أساسا".
وقالت وزارة الصحة في غزة اليوم الخميس إن ما لا يقل عن 79 فلسطينيا قُتلوا جراء غارات إسرائيلية أو إطلاق النار في أنحاء القطاع خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية، معظمهم في مدينة غزة.
مشاة ودبابات ومدفعية
قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي نداف شوشاني إن القوات نفذت عمليات في محيط المدينة لعدة أسابيع، ولكن أعدادا كبيرة من القوات بدأت بالزحف نحو وسط المدينة منذ ليل الاثنين.
وأضاف أن مجموعة من المشاة والدبابات والمدفعية تقدمت، مدعومة بسلاح الجو، وأن هذه العملية تدريجية وستزداد مع مرور الوقت.
وقال "الاستراتيجية الحالية هي هزيمة حماس والضغط عليها، مما قد يؤدي إلى اتفاق أو عمليات إنقاذ (لتحرير الرهائن)".
وذكرت شركة الاتصالات الفلسطينية في بيان إن خدماتها انقطعت "نتيجة استهداف عدة مسارات رئيسية مغذية للمنطقة بسبب العدوان الإسرائيلي المستمر".
وفر مئات الآلاف من الفلسطينيين من مدينة غزة منذ أن أعلنت إسرائيل في العاشر من أغسطس/ آب الماضي أنها تعتزم السيطرة عليها، لكن عددا أكبر من الفلسطينيين لا يزالون في أماكنهم، إما في منازل مدمرة بين الأنقاض أو في مخيمات مؤقتة.
"خايفين"
قال بسام القنوع، وهو نازح يعيش مع نحو 30 فردا من عائلته في مخيم مؤقت متهالك على الساحل "ما في إمكانية إني أرحل".
قال "خايفين، لكن إيش بدنا نسوي؟... ولادنا ما بتنامش من الخوف أصلا".
ويلقي الجيش منشورات تحث السكان على الفرار نحو "منطقة إنسانية" في جنوب القطاع، لكن وكالات الإغاثة تقول إن الأوضاع هناك مزرية، حيث لا يوجد ما يكفي من الغذاء ولا الدواء ولا المأوى.
وذكرت وزارة الصحة أن أربعة فلسطينيين آخرين، بينهم طفل، توفوا بسبب سوء التغذية والجوع في الساعات الأربع والعشرين الماضية، مما يرفع عدد الوفيات جراء ذلك منذ بدء الحرب إلى ما لا يقل عن 435 شخصا، من بينهم 147 طفلا.
وتقول إسرائيل إن هناك مبالغة في تقدير حجم أزمة الجوع في غزة وتتهم حماس بالمسؤولية عن استمرار الحرب، وتقول إن بإمكان الحركة إنهاء الحرب الآن إذا استسلمت ونزعت سلاحها وحلت نفسها.
وتقول حماس إنها لن تتخلى عن سلاحها قبل إقامة دولة فلسطينية.
حرب اتهامات
قال شوشاني إن الوضع الميداني ليس سهلا لكن إسرائيل تتخذ إجراءات للحد من الخسائر في صفوف المدنيين والسماح بوصول المساعدات الإنسانية.
واتهم المتحدث حماس بثني الناس عن مغادرة منطقة القتال إلى المنطقة الإنسانية، لأنها تستخدم المدنيين دروعا بشرية.
وردا على ذلك قال إسماعيل الثوابتة مدير المكتب الإعلامي الحكومي في غزة الذي تديره حماس إن مزاعم شوشاني مضللة لأن حديث إسرائيل عن وجود مناطق آمنة في الجنوب ادعاء كاذب.
وذكر المكتب الإعلامي في وقت سابق أن ما مجموعه 3542 شخصا قُتلوا في أنحاء قطاع غزة منذ 11 أغسطس/ آب الماضي عقب شن إسرائيل أحدث الهجمات والتي استهدفت مناطق في وسط القطاع وجنوبه.
وقال الثوابتة "هذا يؤكد أن الاستهداف كان شاملا ومتعمدا ضد السكان المدنيين وضد مناطق إيوائهم".
نزوح
بمحاذاة الطريق الساحلي، سار صف متصل من مختلف أنواع المركبات، من عربات وسيارات متقادمة إلى شاحنات مُخصصة لنقل البضائع، باتجاه الجنوب مع حمل متعلقات تشمل مراتب واسطوانات غاز.
وقال ياسر صالح، وهو واقف على حافة عربة متداعية تجرها سيارة "نحنا رايحين ننام في الشارع عالبحر. حافيين، مش عارفين وين نروح".
وقالت سلطات الصحة في غزة أمس الأربعاء إن عدد القتلى الفلسطينيين جراء الحرب المستمرة منذ نحو عامين بين إسرائيل وحركة حماس تجاوز 65 ألفا.
ويقول مسؤولون فلسطينيون وفرق إنقاذ إن العدد الحقيقي ربما يكون أعلى بكثير، إذ لا يزال رفات كثير تحت أنقاض المباني المدمرة.
واندلعت الحرب بعد الهجمات التي شنتها حماس على جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، والتي تشير إحصاءات إسرائيلية إلى أنها تسببت في مقتل نحو 1200 شخص واحتجاز 251 آخرين.