كوب قهوة أنقذه.. ناجون من قصف «المعمداني» بغزة يروون أهوالا
كوب قهوة أنقذه واستراحة قصيرة أنجته من الموت المحتم، قصص لناجين من قصف مستشفى المعمداني في مدينة غزة، الذي كان ملاذًا للمأوى والعلاج في أرض مزقتها الحرب ولم يعد بها ملاذ آمن.
وقتل أكثر من 470 شخصاً وجرح قرابة 300، في القصف الذي استهدف مستشفى المعمداني في مدينة غزة، واتهمت فصائل فلسطينية ودول عربية عدة إسرائيل بالوقوف وراءه، فيما نسب الجيش الإسرائيلي الهجوم إلى صاروخ أطلقته حركة الجهاد الإسلامي، الأمر الذي نفته الأخيرة.
سيارات متفحمة
وبعيدًا عن المسؤول، أفقد استهداف مستشفى المعمداني (الأهلي العربي)، آلاف الفلسطينيين، مكانًا جديدًا كانوا يلجؤون إليه للمأوى أو العلاج الطبي، بعد أن تحول الآن إلى مساحة سوداء من السيارات المتفحمة والنقالات المغطاة بالرماد والدمى الممزقة.
كان هذا كل ما تبقى بعد قصف يوم الثلاثاء الذي حوله إلى جحيم، يمزق الرجال والنساء والأطفال ويحرق الناس أحياء، بحسب وكالة «أسوشتد برس».
جحيم نجا البعض منه؛ والذين كان محمد الحايك أحدهم، بعد أن شق طريقه وسط حشد من النازحين الذين كانوا يغنون أو يصلون أو ينامون بعد فرارهم إلى مستشفى مدينة غزة خوفا من الغارات الجوية الإسرائيلية، أملا في الحصول على بعض القهوة.
لكن الحايك لم يكن ليعلم أن طلب المشروب الدافئ في ليلة باردة أنقذ حياته، قائلا عن أبناء عمومته الخمسة: «عدت لأجدهم ممزقين». وأشار إلى كومة من الركام حيث كانوا يجلسون، وإلى دمائهم التي ملأت الجدران.
«هذا هو المكان الذي كان فيه شهير. هذا هو المكان الذي كان فيه معتصم»، قال عن شابين في أوائل العشرينات من عمرهما.
وسارع المسؤولون في قطاع غزة إلى الإعلان عن غارة جوية إسرائيلية أصابت المستشفى. ونفت إسرائيل تورطها ونشرت مقاطع فيديو حية وتسجيلات صوتية وأدلة أخرى قالت إنها تظهر أن الانفجار نجم عن صاروخ أخطأت حركة الجهاد في إطلاقه، إلا أن الأخيرة نفت مسؤوليتها.
راحة قصيرة أنجته
أحد الناجين -كذلك- كان الطبيب فاضل نعيم، جراح العظام، الذي كان يأخذ فترة راحة قصيرة بين العمليات الجراحية عندما سمع صوت اصطدام قوي حوالي السابعة مساءً يوم الثلاثاء. في البداية تجاهل الأمر، معتقدًا أنها غارة جوية أخرى قريبة.
إلا أن الجرحى بدؤوا يتدفقون إلى غرفة العمليات ويصرخون طلبا للمساعدة، يقول الطبيب نعيم، مضيفًا: «لقد كانوا على قيد الحياة، وماتوا بين أذرعنا لأنه لم يكن هناك ما يكفي منا لإنقاذ الجميع».
ولم يدرك حجم الدمار الكامل إلا في وقت لاحق، عندما خرج إلى الفناء ورأى أنه مليء بالجثث.
أحد شهود العيان ويدعى صائب الجرز، 27 عاماً، الذي يعتني بوالدته في مستشفى الشفاء، أكبر مستشفى في غزة، على بعد أميال قليلة (كيلومترات)، شعر بالأرض تهتز وسمع صوت الانفجار، ليقرر المسارعة إلى مستشفى الأهلي ليرى ما حدث.
رعب وأشلاء جثث
ويتذكر المشهد على شكل شظايا، قائلا: ألسنة اللهب كانت تضرب السيارات وجدران المستشفى، والضحايا يتعثرون في حالة من الرعب، فيما الفناء كان مليئا بأشلاء الجثث، بالإضافة إلى أنه كان هناك ملاءات عليها كرات كرة قدم وأزهار تتدلى على الجثث.
ورأى فتاة صغيرة يحملها أحد عمال الإنقاذ، وهي تحمل دمية وتنادي والدتها، قائلا: «لقد كنت خائفًا جدًا».
وتدفق الجرحى على مستشفى الشفاء التي كانت مكتظة بالمرضى. يوم الأربعاء، قال مسؤولون إن الوقود في المستشفى ينفد لتشغيل مولدات الطوارئ بعد أن قطعت إسرائيل شحنات الوقود كجزء من الحصار، مما أجبر محطة الكهرباء الوحيدة في غزة على الإغلاق.
وكان عدد القتلى من الانفجار محل خلاف يوم الأربعاء، حتى بين الفلسطينيين، فوزارة الصحة الفلسطينية قالت في البداية إن 500 شخص توفوا، ثم عدلت هذا الرقم إلى 471، دون تقديم قائمة بالأسماء. ولم يقل العاملون في النادي الأهلي سوى أن عدد القتلى كان بالمئات.
وأدت عشرة أيام من القتال إلى مقتل أكثر من 3000 فلسطيني، بحسب وزارة الصحة، فيما قُتل أكثر من 1400 شخص على الجانب الإسرائيلي، غالبيتهم العظمى من المدنيين الذين قُتلوا في هجوم حماس الأولي. وتم نقل نحو 200 منهم إلى غزة كأسرى.
ملاذ آمن
وقد تعهدت إسرائيل بـ«سحق حماس»، وهددت بحرب لا مثيل لها. وأمرت بإجلاء أكثر من مليون فلسطيني – حوالي نصف سكان غزة – من شمال إلى جنوب القطاع الذي أغلقته بالكامل. ويقول مسؤولون إسرائيليون إنهم يحاولون فصل المدنيين عن حماس، التي يتهمونها باستخدام الفلسطينيين كدروع بشرية.
واحتشد العديد من الفلسطينيين في المستشفيات، على أمل إنقاذهم. وكان المستشفى الأهلي، وهو مستشفى يضم 80 سريراً، تأسس عام 1882 ويديره فرع من الطائفة الأنجليكانية، يعتبر آمناً بشكل خاص بسبب ارتباطه الدولي.
«أتعذب عندما أفكر، لماذا يجب قتل هؤلاء الأطفال؟» قالت مديرة مستشفى المعمداني، سهيلة ترزي، مضيفة: لم يكن هذا مجرد مستشفى، بل كان مكانًا آمنًا يلجأ إليه الجميع – المسيحيون والمسلمون واليهود، لا يهم. والآن لم يعد الأمر كذلك».
وقال أسقف القدس الأنجليكاني حسام نعوم، إن المستشفى تلقى ثلاثة أوامر عسكرية إسرائيلية على الأقل بالإخلاء قبل القصف يوم الثلاثاء. وأضاف أن التحذيرات عبر الهاتف بدأت يوم الأحد، بعد أن أصاب قصف إسرائيلي طابقين من المستشفى، مما أدى إلى إصابة أربعة مسعفين.
ورفض العاملون في مستشفى المعمداني، مثلهم مثل العاملين في المستشفيات الأخرى في جميع أنحاء غزة، أوامر الإخلاء، قائلين إن محاولة نقلهم تعرض المرضى للخطر، في انتهاك للتعهد الطبي بعدم الإضرار.
ويوم الأربعاء، قامت العائلات التي نجت من الانفجار، بحزم مراتبها وممتلكاتها الأخرى وتوجهت إلى الشوارع بحثًا عن الأمان في أرض مزقتها الحرب ولم يعد بها ملاذ آمن.