التوترات تضبط عقارب الصدام.. والعالم يحبس أنفاسه

مناورة خطيرة كادت أن تؤدي لاصطدام بين طائرة أمريكية ومقاتلة صينية، تختصر المشهد العالمي في ظل توترات تشوب الأرض من شرق آسيا إلى أوروبا.
حادثة لا تختزل فقط الوضع فوق بحر الصين الجنوبي في إطار التوترات المستعرة بين بكين وواشنطن، وإنما تقدم طرحا استشرافيا لما يمكن أن يكون عليه العالم في غضون بضعة أشهر.
وبصعوبة، استطاع الطيار الأمريكي منع الصدام مع المقاتلة الصينية، وقد تكون النجاة في حد ذاتها رسالة في ظل استعراض القوة الذي دأبت عليه بكين مؤخرا.
لكن، هل يمكن أن يتجنب العالم صدامات قد تحدث متزامنة في أكثر من مكان؟
الإجابة قد تفصح عنها التطورات بالفترة القادمة، سواء فوق بحر الصين الجنوبي، حيث يمنح التناقض الصارخ المنبثق عن التصريحات والأفعال قناعة بأن لا شيء قادر على كبح جماح بكين وواشنطن، وأن صداما لا مفر منه يطل من أفق المستقبل القريب.
نتيجة ستكون مرتبطة في كل الأحوال بمدى ما ستعلنه واشنطن بشأن أزمتها مع الصين المتعلق بتايوان، وذلك منذ الزيارة التي أجرتها رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي في أغسطس/آب الماضي إلى الجزيرة، في خطوة فجرت غضب الصين.
وفي شرق آسيا دائما، لا يبدو أن كوريا الشمالية ستكف عن تجاربها الباليستية التي تقض مضجع أمريكا، خصوصا في ظل التهديدات التي تمثلها قدرتها على بلوغ البر الأمريكي.
وفي شرقي أوروبا، يحبس العالم أنفاسه وهو يراقب عن كثب تطورات حرب طال أمدها وسط مخاوف من أن يؤدي التراكم الزمني إلى دخول أطراف أخرى -عسكريا- على الخط، من ذلك أمريكا و/أو حلف شمال الأطلسي (الناتو).
رسائل بكين
في بيان صدر الخميس، قالت قيادة منطقة المحيطين الهندي والهادئ الأمريكية إن إحدى طائراتها تجنبت بصعوبة الاصطدام بمقاتلة صينية كانت تحلق على بعد أمتار قليلة منها فوق بحر الصين الجنوبي.
وأوضحت أن الحادثة وقعت في 21 ديسمبر/كانون الأول الجاري، حين أجرى طيار مقاتلة تابعة للبحرية الصينية من طراز J-11 "مناورة خطيرة عندما اقترب من طائرة أمريكية من طراز آر-سي 135".
وحلق الطيار الصيني أمام مقدمة طائرة الاستطلاع الأمريكية وعلى مسافة تقل عن ستة أمتار منها "ما أجبر آر سي-135 على تنفيذ مناورات مراوغة لمنع الاصطدام"، بحسب الجيش.
وفي قراءة للخبر، اعتبر مراقبون أن الطيار الصيني لم يكن بأية حال ليصطدم بالطائرة العسكرية الأمريكية، وإنما كان مكلفا بتسليم رسائل مضمونة الوصول لواشنطن، بخطوط حمراء متعددة الأبعاد.
أولها تذكيرها بأحقيتها على معظم بحر الصين الجنوبي الذي بنت فيه بكين جزرا اصطناعية لتعزيز قوتها في المنطقة، أما الثانية فتشمل أزمة تايوان التي تحتل حيزا كبيرا في مستقبل العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، وباتت بؤرة الصراع خصوصا عقب زيارة بيلوسي إلى الجزيرة.
كما أن التنافس التجاري والاقتصادي يشكل مصدرا إضافيا للصراع، في وقت تسعى فيه الإدارة الأمريكية إلى تحجيم توسع نظيرتها الصينية، وهنا كان لا بد من الالتفاف لتوجيه إنذار عبر مناورة غير آمنة.
شبه الجزيرة الكورية
في شرق آسيا دائما يدق ناقوس الخطر، لكن هذه المرة في شبه الجزيرة الكورية، هناك حيث تتوالى التجارب الصاروخية لكوريا الشمالية، بالتزامن مع تكاثف مناورات عسكرية تجريها الولايات المتحدة مع كوريا الجنوبية منفردة أو معها ومع اليابان مجتمعتين.
إحداثيات ترفع سقف المخاوف في وقت تستمر فيه المواجهات الكلامية والاتهامات المتبادلة بالاستفزاز، في توترات خلقت بمرور الزمن نوعا من التصعيد الخطير في ظل ليس فقط الأحاديث عن الاستخدام الفعلي للسلاح النووي من قبل كوريا الشمالية، وإنما الإعلان عن تدريبات على هذا الاستخدام.
وفي غضون ذلك، تسعى سول للحصول على مزيد من الحماية الأمريكية وسط توقعات بأن تطلب نشر أسلحة نووية على أراضيها في محاولة لردع بيونغ يانغ، ما ينذر بانفجار وشيك في منطقة ساخنة قد ينتهي بمواجهة متعددة الأطراف.
حرب أوكرانيا
في شرقي أوروبا أيضا لا يبدو المشهد أكثر هدوءا، فالحرب الروسية الأوكرانية التي تجاوزت شهرها العاشر لا تحمل الكثير من التفاؤل مع حلول عام 2023، وإنما تنذر بتطورات قد تزج بالعالم في أتون حرب شاملة لا تستبعد استخدام السلاح النووي.
ففي تلك الرقعة الواقعة على خط التماس بين روسيا وأوروبا وحلف الناتو يضبط العالم أنفاسه خوفا من مواجهة باتت جميع أركانها متوفرة، تقودها أمريكا، ما قد يقسم العالم إلى مجموعة من الحلفاء الموالين لمعسكري واشنطن وموسكو ويعيده إلى حقبة الحرب العالمية الثانية لكن بإحداثيات أشد كارثية.
وفي ضوء التلويح باستخدام السلاح النووي، يخشى خبراء أن يمضي العالم نحو أكثر السيناريوهات سوداوية، وأن يتحول في غضون أشهر قليلة إلى ساحات منفصلة للصدام، توحدها واشنطن باعتبارها نقطة التقاطع في جميع الأزمات المذكورة.
فهل ينجو العالم من صدام كارثي؟
aXA6IDIxNi43My4yMTYuOTAg جزيرة ام اند امز