«التدمير من الداخل».. خطة الإخوان لأدلجة الغرب تدريجيا
تكتيكهم مبني على التخفي، وتحركهم قد لا يلحظ إلا بعد سنوات، ما يمنحهم الحيز اللازم لنخر المجتمعات من الداخل وأدلجتها تدريجيا.
هذا ما كشفته صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية في تقرير موسع لها، حول خطة تنظيم الإخوان للسيطرة على الحكم وإضعاف الحضارة الغربية تدريجيًا عبر التعليم والجمعيات واللوبيات.
التقرير أعدته الباحثة فلورانس بيرجود بلاكلير، المتخصصة في شؤون الإسلام السياسي، والباحثة في المركز الوطني للبحوث العلمية، ورئيسة المركز الأوروبي للبحث في شؤون الإخوان، ومؤلفة كتاب "الإخوان وشبكاتهم" (دار أوديل جاكوب، 2023).
وحذر التقرير من أن الجماعة التي تأسست في مصر العام 1928 على يد حسن البنا، نشأت بهدف إحياء المشروع السياسي للإسلام والسيطرة على الحكم تحت شعارات دينية واجتماعية.
وأوضحت الصحيفة أن الجماعة تمكنت، على مدى عقود، من التمدد داخل أوروبا مستفيدة من موجات الهجرة المسلمة، لتؤسس وجودًا في المجتمعات الغربية من خلال الجمعيات والمنظمات الثقافية والتعليمية، وتبدأ في تطبيق استراتيجية ناعمة لإعادة أسلمة المجتمع الغربي من الداخل.
وأضاف التقرير أن هذا المشروع يعتمد على التغلغل الهادئ في مؤسسات التعليم والمجتمع المدني ومراكز صنع القرار، تحت غطاء سلمي معتدل يخفي في جوهره طموحًا أعمق يتمثل في إضعاف المنظومة الحضارية الغربية وإحلال نموذج اجتماعي وثقافي مستلهم من الفكر الإخواني مكانها.
ويستند التقرير، الذي نشر ضمن عدد خاص لمجلة Le Figaro Histoire بعنوان "يقظة الإسلام السياسي: من خلافة إلى أخرى 1924-2014"، إلى وثائق تاريخية ودراسات أمنية وأبحاث أكاديمية حديثة، تكشف عن شبكة أوروبية متكاملة للإخوان تمتد من جنيف إلى باريس، ومن لندن إلى برلين وبروكسل.
النشأة والسياق التاريخي
وفق الصحيفة الفرنسية، فإن جذور الجماعة تعود إلى عام 1928 عندما أسسها حسن البنا، موضحة أن الجماعة سرعان ما تحولت إلى تنظيم سياسي ديني منظم، يهدف إلى إقامة مجتمع قائم على الشريعة الإسلامية.
وفي رسالته الشهيرة إلى الملك فاروق الأول، كتب البنا أن مواجهة "الانحلال الغربي" لا تكون إلا بإحياء النموذج الإسلامي الكامل في السياسة والاقتصاد والمجتمع.
وبعد مقتل حسن البنا عام 1949، تولى سيد قطب تطوير فكر الجماعة باتجاه أكثر راديكالية، ممهّدًا الطريق أمام تيارات إرهابية لاحقة.
وفي الستينيات من القرن الماضي، هاجر بعض قادة الإخوان إلى أوروبا، فوجدوا فيها أرضًا خصبة لتأسيس مراكز فكرية وجمعيات دينية وتعليمية. من أبرزهم سعيد رمضان (صهر البنا) الذي أنشأ "المركز الإسلامي في جنيف"، ومنه انطلقت عملية "التمركز الدعوي" في الغرب.
وبحسب "لوفيغارو"، أسس الإخوان في أوروبا -منذ الستينيات- شبكة واسعة من المنظمات تحت واجهات قانونية وإنسانية، لكنها تعمل وفق أجندة موحدة تهدف إلى تكوين جيل مسلم أوروبي الهوية إسلامي الولاء، يكون رسولًا للدعوة داخل المجتمعات الغربية.
خطة "الجهاد الحضاري"
أبرز ما كشفه التقرير هو وجود وثائق داخلية سرية تؤكد وجود خطة منهجية لأسلمة الغرب عبر وسائل ناعمة.
وإحدى هذه الوثائق، المعروفة باسم "المذكرة التفسيرية العامة لهدف الجماعة في أمريكا الشمالية" (1991)، صادرتها السلطات الأمريكية عام 2007 خلال محاكمة "مؤسسة الأرض المقدسة".
وتصف المذكرة مهمة الإخوان بأنها "جهاد حضاري" لتدمير الحضارة الغربية من الداخل عبر التأثير الثقافي والاجتماعي والإعلامي.
كما كشفت وثائق أخرى تم ضبطها في سويسرا (لوغانو) وألمانيا (ميونخ) وفرنسا عن وجود خلايا تنظيمية مرتبطة بالمركز الإسلامي في جنيف، يقودها مقربون من سعيد رمضان، تعمل على بناء "قطب فكري إسلامي" في أوروبا لتأطير المسلمين بالغرب وفق رؤية الإخوان.
الشبكة الأوروبية للإخوان
وبحسب التقرير فأن الاتحاد الأوروبي لمنظمات الإخوان (FOIE) يضم تحت مظلته جمعيات من مختلف الدول: في فرنسا: اتحاد المنظمات الإسلامية بفرنسا (UOIF)، الذي بات يعرف باسم "مسلمو فرنسا".
وفي ألمانيا: المجتمع الإسلامي الألماني (IGD)، وفي بريطانيا: مجلس مسلمي بريطانيا (MCB)، وجمعية المسلمين البريطانيين (MAB)، وفي بلجيكا: رابطة المسلمين البلجيكيين (LMB)، وفي سويسرا: المركز الإسلامي في جنيف.
وهذه المنظمات تروّج لفكرة "الإسلام الأوروبي"، لكنها، وفق الصحيفة، تسعى فعليًا إلى إقامة منظومة موازية للقوانين الغربية، تجعل الولاء الديني مقدمًا على الانتماء الوطني.
كما أُنشئ المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث (CEFR)، لصياغة "فقه الأقليات المسلمة"، وهو اجتهاد فقهي يهدف إلى تمكين المسلمين من التعايش دون الاندماج الكامل، في خطوة تُفسرها لوفيغارو بأنها "تكريس لفصل المسلمين عن المجتمعات الغربية".
تغلغل مؤسسي وتمويل عام
ويؤكد التقرير أن المنظمات المرتبطة بالإخوان تتلقى تمويلات عامة من دول أوروبية ومن مؤسسات بلدية محلية، تحت غطاء الجمعيات الثقافية أو الحقوقية.
ويشير إلى أن هذه الجمعيات تمارس نشاطها من خلال خطاب مزدوج: خطاب معتدل موجه للرأي العام، وآخر داخلي يقوم على الانعزال الديني ورفض قيم الجمهورية.
ووفقًا لتقرير كورتياد-غوييت الذي قُدّم للرئاسة الفرنسية عام 2025، فإن هناك ما بين 200 و280 مؤسسة في فرنسا على صلة مباشرة أو غير مباشرة بالإخوان، تشمل 139 مسجدًا و21 مدرسة دينية تضم أكثر من 4200 طالب، بالإضافة إلى مؤسسات مالية وخيرية تعمل تحت عناوين "إنسانية".
تحديات داخلية وخارجية
ورغم نفوذها المتنامي في الغرب، تواجه الجماعة أزمات متعددة من أبرزها رفض واسع في بلدان أخري حيث أُدرجت رسميًا على قوائم الإرهاب.
كما أشارت الصحيفة الفرنسية إلى أن هناك منافسة حادة من التيارات الإرهابية مثل القاعدة وداعش، التي ترى في نهج الإخوان البطيء تنازلًا عن "المشروع الإسلامي"، وتراجع قدرتها على تجنيد الشباب المسلم في أوروبا لصالح تيارات أكثر فردية وحداثية.
لكن التقرير يرى أن الإخوان، رغم ذلك، ما زالوا يحتفظون بالسيطرة على "الرواية الإسلامية العالمية"، وأن فروعهم الغربية باتت تمثل مركز ثقل استراتيجي للحركة الأم بعد انحسارها في الشرق الأوسط.
وخلصت "لوفيغارو" إلى أن الإخوان طوروا نموذجًا جديدًا من الإسلام السياسي غربي الطابع، يقوم على التدرج والاختراق الهادئ بدل المواجهة، مع الحفاظ على الهدف النهائي نفسه الذي وضعه حسن البنا قبل نحو قرن وهو إحلال الإسلام السياسي للسيطرة على الحكم.
وتصف الصحيفة هذا النموذج بأنه "جهاد حضاري ناعم يستخدم أدوات الديمقراطية والعلمانية الغربية نفسها لإعادة تشكيلها من الداخل".
aXA6IDIxNi43My4yMTYuODYg جزيرة ام اند امز