دبلوماسيون في منتدى «هيلي»: العالم بحاجة لنظام جديد يتخطى الانقسامات التقليدية

أجمع دبلوماسيون من قارات مختلفة على أن العالم يعيش حاليا مرحلة إعادة تشكل كبرى، وأن النظام الدولي يواجه أزمات متشابكة تستوجب مقاربات جديدة تتجاوز حدود التحالفات القديمة والانقسامات التقليدية.
الدبلوماسيون الذين شاركوا بالجلسة الرئيسية ضمن فعاليات منتدى "هيلي" الدولي في أبوظبي، أكدوا أن استعادة الثقة وتحقيق العدالة وتعزيز التعددية وصناعة المبادرات الواقعية، هي ركائز لا غنى عنها لرسم ملامح مستقبل أكثر استقرارا وإنصافا.
وفي مستهل الجلسة، شدد نيكولاي ميلادينوف، مدير عام أكاديمية أنور قرقاش الدبلوماسية والذي أدار الجلسة، على أن العالم يواجه أزمة ثقة غير مسبوقة بين الشعوب وحكوماتها، وبين الدول فيما بينها.
وقال إن استعادة هذه الثقة تتطلب العودة إلى جوهر الدبلوماسية القائمة على الصراحة والشفافية، مشيرا إلى أن الأكاديميات الدبلوماسية، ومنها أكاديمية أنور قرقاش تمثل منصات أساسية لصناعة جيل جديد من القادة القادرين على إدارة عالم معقد.
وأوضح أن التحولات المتسارعة من الحروب الإقليمية إلى الأزمات المناخية، تفرض تطوير أدوات دبلوماسية مبتكرة تتجاوز الممارسات التقليدية.
وفي هذا السياق، قالت كاثرين أشتون، الممثلة العليا السابقة للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية ونائبة رئيس المفوضية الأوروبية سابقا، إن القارة العجوز تواجه اختبارا وجوديا.
وأضافت أن أوروبا مطالبة بالانتقال من موقع رد الفعل إلى صناعة المبادرة، سواء في ملف الطاقة الذي يمثل شريان الحياة للقارة، أو في ملف الهجرة الذي يختبر قيمها الإنسانية.
وأشارت إلى أن الحفاظ على وحدة أوروبا الداخلية يعد شرطا أساسيا لتعزيز تأثيرها الخارجي، مؤكدة أن استعادة ثقة الشركاء العالميين لن تتحقق إلا بخطاب واقعي منفتح يوازن بين المصالح والقيم.
ومستذكرا تجربة بلاده في المصالحة والتحرر، أكد ويليلي نهلابو، سفير جنوب أفريقيا السابق لدى الولايات المتحدة، أن العدالة يجب أن تكون محور أي نظام عالمي جديد، لافتا إلى أن الجنوب العالمي ليس مجرد رقم في المعادلة الدولية، بل قوة فاعلة قادرة على إعادة موازنة العلاقات بين الشمال والجنوب.
وأوضح أن تجربة جنوب أفريقيا مع العدالة الانتقالية يمكن أن تشكل نموذجا لإدارة الأزمات، داعيا إلى تعزيز التعاون كآلية عملية لمواجهة التحديات المشتركة، من الأمن الغذائي إلى التنمية الاقتصادية.
ومن آسيا، أوضح نافتيج سارنا، سفير الهند السابق في الولايات المتحدة، أن التعددية القطبية لم تعد خيارا بل واقعا قائما، مشددا على أن الهند، بما تمتلكه من ثقل ديموغرافي واقتصادي وتكنولوجي، أصبحت لاعبا لا غنى عنه في أي معادلة دولية.
وقال إن على الغرب أن يتعامل مع هذه الحقيقة بعقلية شراكة وليس وصاية، مضيفا أن آسيا بما تضم من الصين والهند ودول جنوب شرقها باتت تمثل قوة دفع رئيسية للاقتصاد العالمي، الأمر الذي يستوجب إعادة النظر في أنماط التحالفات والسياسات الدولية التقليدية.
ومن أمريكا اللاتينية، أكدت مارثا بارسينا كوكي، سفيرة المكسيك السابقة لدى الولايات المتحدة، أن العلاقة بين واشنطن وجوارها الجنوبي تمر بمرحلة إعادة صياغة جذرية.
وقالت إن شعوب أمريكا اللاتينية لم تعد تقبل بدور المتلقي للسياسات القادمة من الشمال، مشيرة إلى أن قضايا الهجرة والتنمية والعدالة الاجتماعية لم يعد ممكنا التعامل معها من منظور أمني ضيق، بل عبر رؤية إنسانية وتنموية شاملة.
واعتبرت أن تصاعد أصوات الجنوب العالمي في المحافل الدولية يعكس حقيقة أنه أصبح لاعبا سياسيا واقتصاديا مؤثرا لا يمكن تجاهله في صياغة الأجندة الدولية.
وتحت شعار "إعادة ضبط النظام العالمي: التجارة، التكنولوجيا، الحوكمة"، انطلقت صباح اليوم الإثنين، النسخة الثانية من منتدى هيلي، في العاصمة الإماراتية أبوظبي، بمشاركة دولية واسعة، وبتنظيم من مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية بالتعاون مع أكاديمية أنور قرقاش الدبلوماسية.
ويهدف المنتدى إلى إثراء النقاشات الاستراتيجية في دولة الإمارات، وتقديم إضافات علمية وبحثية، والإسهام في تحديد ملامح البيئة العالمية في ظل التحولات السريعة والعميقة التي تعيد تشكيل المشهد العالمي خلال المرحلة الحالية.