ورزازات المغربية.. "هوليود أفريقيا" تجذب حضارات العالم
المخرج الأمريكي مارتن سكورسيزي استعان بورزازات في فيلمه "الإغراء الأخير للمسيح"، وكذلك الأمريكي جوزيف فون ستيرنييرج بـ"القلوب المحترقة"
ينتصب بوذا شامخاً وسط معبده، مُندمجاً في جلسة تأمله، بينما تتسلل مومياوات إلى مقابرها الفرعونية، بعدما عرجت على حيثُ صُلب المسيح قبل أن تختبئ خوفاً من "لصوص علي بابا"، وهرباً من بطش وحوش "لعبة العروش".
بخطوات صغيرة تُسافر عبر الزمن، تعيش عهد الرومان، وتُشارك في الحرب العالمية الثانية، ثم تشرب قهوة على شرف سادة قُريش، لتحملك جياد جيش صلاح الدين إلى القدس، ثم يأتي إليك الحارس ليُخبرك أن وقت الزيارة قد انتهى، في مدينة ورزازات المغربية.
إبداع "بدون ضجيج"
تعني ورزازات بالأمازيغية "بدون ضجيج"، وهي اسم على مسمى، فالمدينة الواقعة جنوبي البلاد، عكس الأفلام الصاخبة التي صُورت فيها، تعيش بدون ضوضاء ولا ضجيج، يستوطنها الهدوء والصمت، ويسكنها الفن والإبداع، كشجرة تمتد جُذورها في التاريخ العميق، وتتشابك أغصانها لتُثمر فناً وإبداعاً. لوحة تجمع شظايا الكون، وفُسيفساء الحضارات.
يُسميها المغاربة باب الصحراء، ويحلو لمُحترفي السينما مُناداتها بـ"هوليود أفريقيا"، أو مدينة الضوء، نظراً للإنارة الطبيعية التي توفرها شمسها الساطعة أغلب فصول السنة، بحسب عبد المجيد الحاتمي، أحد المرشدين السياحيين بالمدينة.
عبدالمجيد، أكد لـ"العين الإخبارية"، أن للمدينة تاريخا طويلا في السينما والإبداع، يتجاوز قرناً من الزمن، موضحاً أن أول فيلم تم تصويره في المدينة يعود إلى سنة 1897 ميلادية، وهو العام الذي اختار فيه المخرج الفرنسي لوي لوميير المدينة لتصوير فيلمه الناطق بالفرنسية "راعي الماعز المغربي".
ويسترسل المتحدث مُعددا العشرات من الأفلام التي تناوب مُخرجوها على استوديوهات المدينة الـ3، "أوسكار أطلس"، "كلاس استوديو"، و"كان زمان"، ناهيك عن اللقطات التي شدت أنفاس الجماهير، من حروب ومواجهات، تم تم تصويرها في الأراضي الشاسعة للمدينة، عند سفوح جبال الأطلس المتوسط.
ومن التجارب التي تركت بصمتها في تاريخ المدينة السينمائية، فيلم "الرجل الذي يعرف أكثر من اللازم"، لرائد السينما التشويقية ألفريد هيتشكوك. والذي تم تصويره سنة 1955، بالإضافة إلى كُل من أفلام "سودوم وجوموري" للإيطالي سيرجيو ليوني (1961)، ثم فيلم "مائة ألف دولار تحت الشمس" للفرنسي هنري فيرنوي (1963).
واختيرت مدينة ورزازات لتصوير روائع أخرى مثل "لورانس العرب" (1962) لمخرجه البريطاني ديفيد لين وبطولة أنطوني كوين وعمر الشريف، ثم "شاي في الصحراء" (1990) للإيطالي برناندو برتولوتشي، و"جلاديايتور" (المصارع) (1998-1999) للمخرج الأمريكي ريدلي سكوت و"بابل" (2006) الذي جمع براد بيت وكايت بلانشيت وغيرها من الأعمال الشهيرة.
كما لاذ المخرج الأمريكي مارتن سكورسيزي، بورزازات، في فيلمه المثير للجدل "الإغراء الأخير للمسيح"، والأمريكي جوزيف فون ستيرنييرج، لتصوير فيلمه "القلوب المحترقة".
ويوضح عبدالمجيد أن نصف مداخيل الإنتاج السينمائي الأجنبي في المغرب يأتي عبر مدينة ورزازات، إذ إنه على سبيل المثال بلغ حجم الأرباح التي حققتها المدينة ما يُعادل 165 مليون درهم مغربي، من أصل 330 مليون درهم مغربي في المجموع.
ويُضيف أن المدينة لا تُساهم في مداخيل الدولة بالسينما فقط، بل تُعتبر أيضاً وجهة سياحية عالمية، إذ إن مئات الآلاف من السُياح يقصدونها سنوياً للاستمتاع بمُناخها، وجمال طبيعتها، بالإضافة إلى زيارة الاستوديوهات حيث تم تصوير الأفلام التي حضروها بشبابيك مُغلقة، إذ تجاوز عدد السياح لسنة 2017 عتبة الـ260 ألف زائر.
كومبارس بدرجة فنان
وتُعتبر السينما والسياحة، أول ملاذ للباحثين عن فُرص عمل، إذ إن الأعمال السينمائية الضخمة التي تحتضنها المدينة باستمرار، فجرت مواهب الآلاف من أبناء المدينة الذين يقومون بأدوار مختلفة بحسب طبيعة الفيلم واحتياجاته.
وعلى غرار هؤلاء، يُعرف عبدالعزيز بويدناين، بلقب أسامة بن لادن، وذلك نسبة لتجسيده دور زعيم تنظيم القاعدة في أحد الأفلام التي تم تصويرها في المدينة، بالإضافة إلى عشرات الأدوار الأخرى التي وقف فيها "كومبارس" إلى جانب أشهر نجوم هوليود.
ويوضح بويدناين، في حديث لـ"العين الإخبارية"، أنه لعب العديد من الأدوار في أفلام عالمية، لكن لم يُحالفه الحظ بعد في الوصول إلى النجومية التي يحلم بها، ومازال فنه لا يتجاوز حُدود مدينته، ولا يكاد يتجاوز مستوى العمل الموسمي الذي بالكاد يسد الرمق.