هذا التدخل ليس وليد ساعته بل امتد لعشرات السنين، لكنه في السنوات القليلة الماضية أصبح مكشوفا
ما من مرحلة صعبة عاشها العرب منذ عقود إلا وكانت مرسومة المعالم والأهداف والمطامع، وها نحن نسمع اليوم عن أخطر مرحلة مصيرية، والحقيقة هذه المرة هي أن كل المراحل كانت مصيرية وخطيرة وتحمل معالم المرحلة الحالية المؤلمة، مع اختلاف بسيط في السيناريو، وهو دخول تركيا وإيران على الحلبة لتنتزع حصة مزعومة تدعي أنها لها، مع وجود أطراف عربية فاعلة تتصدى لهما وتكشف أهدافهما للحد من هذا الخطر وتبشر بمستقبل عربي مشرق.
أما بالنسبة للسيناريو فهو يشبه إلى حد بعيد مرحلة "تركة الرجل المريض" التي تنافست فيها القوى العظمى على تقسيم الإمبراطورية العثمانية واقتسام الغنائم وتوزيع الدول والشعوب، محاصصة على من يملك اليد العليا ويفرض وجوده حسب انتصاراته في الحرب العالمية الأولى.
هذا التدخل ليس وليد ساعته بل امتد لعشرات السنين، لكنه في السنوات القليلة الماضية أصبح مكشوفاً، وظنت فيه تركيا أن الأهداف قد حان قطافها بعد أن شاهدت الآخرين ينتزعون حصصهم فتحينت الفرص واستغلت ما يشبه الحرب العالمية المصغرة في شمال سوريا والعراق لتدفع بقواتها إلى الداخل بعد سنوات من فرض القوة ودعم قوى مسلحة لصالح مطامعها وذرائعها
الاختلاف في السيناريو والهويات هذه المرة كان في الظروف والأهداف ونيل المطامع غلابا وليس بالتمني، حيث يحصل على الحصة الأكبر من يفرض قوته على الأرض.
أما الاختلاف الأكبر فكان في دور الرجل المريض الذي قام من غفوته بعد أن نام في عسل أحلام التوسع وضم الأراضي، واستعادة ما كان يدعي أنه مطوب على اسمه، ناسياً أنها كانت نتيجة احتلال واستعمار وضم بالقوم المعراة والظلم الذي استمر عدة قرون.
الرجل المريض من قبل كان تركيا، التي عادت إلى عادتها القديمة لتحاول أن تحيي ماضيا بائسا وتضرب ضرب عشواء، أما الرجل المريض الجديد فهو بعض الدول العربية المنكوبة بحروب وتدخلات ومطامع بثروات هي نعمة من الله، تحولت بكيد الطامعين إلى نقمة. وفي المقابل ظهرت قوى المعارضة والاستنكار لهذه التدخلات بعد أن تحولت من السر إلى العلن ومن الأقوال إلى الأفعال، مع الأمل في أن يتوحد الموقف العربي وراء هذه المعارضة وحماية الأرض العربية من المحيط إلى الخليج.
والواضح أن هذه التدخلات تشمل أرجاء الوطن العربي بالتآمر وإقامة التحالفات بالتدخل السافر، إلا أن التركيز اليوم على دور تركيا في سوريا وليبيا والعراق بشكل أقل، فهذا التدخل ليس وليد ساعته بل امتد بعشرات السنين، لكنه في السنوات القليلة الماضية أصبح مكشوفاً، وظنت فيه تركيا أن الأهداف قد حان قطافها بعد أن شاهدت الآخرين ينتزعون حصصهم، فتحينت الفرص واستغلت ما يشبه الحرب العالمية المصغرة في شمال سوريا والعراق لتدفع بقواتها إلى الداخل بعد سنوات من فرض القوة ودعم قوى مسلحة لصالح مطامعها وذرائعها، وزادت الضغوط بعد أن شهدت إيران تدخل على الساحة وتفرض نفوذها في سوريا والعراق، فيما روسيا والولايات المتحدة تفرضان مواقفهما. وزاد الطين بلة انتقال التدخل التركي إلى ليبيا لتصب تركيا الزيت على نار حربها المشبوهة عبر إرسال قوات ومليشيات وأسلحة، فيما الصراع الدولي حولها يحتدم بعد أن تركت الولايات المتحدة أمرها لصالح بعض الدول الأوروبية مثل إيطاليا وفرنسا وألمانيا، كجائزة ترضية من حصة النفط الليبي والثروات الأخرى.
هذه البانوراما لخارطة جزء من العالم العربي تظهره وهو يعاني من تقطيع أوصاله عبر حرب قذرة دخلت فيها تركيا كطرف محرض وفاعل ومدمر.
ويبقى السؤال خجولاً عن دور العرب وردهم قبل فوات الأوان، مع بارقة أمل تبقى مضيئة مع صمود تجارب عربية ناجحة وفاعلة وتسعى لمد يد العون لجميع الدول العربية. ومهما كانت المرحلة عصيبة وخطرة لا بد من التفاؤل ونفض غبار التشاؤم عن الجسد العربي الواحد رغم كيد الكائدين.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة