العراق تجمعه حدود برية مع إيران، وهذا يجعله عرضة للخطر أكثر من غيره في خطر آخر من المخاطر التي تعصف به جراء النفوذ الإيراني
لا يكاد يجلس اثنان في العالم إلا وكان فيروس كورونا ثالثهما، إذ يشي واقع الأمر بأنّه لا أحد بمنأى عن خطورة هذا الوباء المتنقل من مكان إلى آخر، ومع الإمكانيات الطبية المتواضعة في بعض البلدان العربية فإنّ صد الهجمة الشرسة التي تتعرض لها البشرية نتيجة هذا الفيروس ستكون صعبة جدا على كثير من الحكومات في العالم.
الفيروس حصد من الأرواح لحد اللحظة ما يتجاوز 2762 ضحية غالبيتهم في "الصين"، الأمر الذي حدا بجميع دول العالم رفع الجاهزية الصحية لأعلى درجاتها احترازاً من هذا الخطر المحدق بالعالم، وذلك من خلال فرض القيود الصارمة حول التنقل من وإلى الدول التي سجلت حالات إصابة به، وهذا ما لم يجد الزخم ذاته بالنسبة للعراق المجاور لإيران.
يتطلب من الحكومة العراقية بنى تحتية وتحسين الواقع الإداري وتجهيز الكوادر الطبية المدربة وتكريس قواعد السلامة العامة والنهوض بالبلاد، شأنه شأن أي فيروس وبائي، فإن السياسة المتبعة من قبل التبع لـ"إيران" في العراق لا تبشّر إلا بتدهور الأوضاع
فعلى الرغم من أن العراق تجمعه حدود برية مع إيران، وهذا يجعله عرضة للخطر أكثر من غيره، نجد أن العراق اليوم على حافة تلقي خطر آخر من المخاطر التي تعصف به جراء النفوذ الإيراني، فبعد مآسي تصدير "الثورة الخمينية" وزراعة المليشيات والأذرع السياسية المتحكمة بهذا البلد أرضاً وشعباً، بات العراقيون وجها لوجه أمام كارثة تهدد بلادهم والمتمثل بفايروس "كورونا" الذي أصبحت "إيران" من الدول الحاضنة له رغما عنها وليس بإرداتها، وهذا ما لا يتمناه المرء للشعب الإيراني المنهك من سياسية حكامه مع دول العالم، فلا يشمت بالمرض سوى المتجرد من إنسانيته، ومع هذا لا بدّ من إجراءات تتخذها إيران في الدرجة الأولى وجيرانها بالدرجة الثانية لمنع انتشار المرض على نطاق واسع.
ففي ظل هذا الواقع المفزع وانطلاقاً من أخذ الأمر على درجة الخطورة المتمثلة به، والتي قد تصل لحد النتائج الكارثية، إن لم تغلق الحدود ويمنع التنقل بين إيران ومحيطها العربي على وجه الخصوص، لحين إيجاد العلاج الناجع للفيروس الذي إن حل ببلد فإنه يستنزف الاقتصاد، ويحول دولاً بأكملها إلى سجن ومدن أشباح محاطة بسياج الحجر الصحي، على الرغم من تقدم تلك الدول اقتصادياً وتكنولوجياً وعلمياً وطبياً كالصين، المكان الرئيسي الذي انتشر منه الفيروس.
إلا أن الحقيقة المرة تتمثل بمحاباة ومجاملة من بعض مسؤولي العراق لإيران، من خلال الترويج بأنّ طهران قادرة على السيطرة على المرض، وإلا كيف يفسر عدم إصدار قرارات من السلطات العراقية حتى هذه اللحظة بإغلاق الحدود ومنع السفر من وإلى إيران، التي إن شهدت بعض الإجراءات إلا أنها لا تعدو عن كونها شكلية لا تسمن ولا تغني من جوعٍ؟
ففي شريط مسجل -على سبيل المثال- للعقيد "سرمد مصدق" مدير منفذ المنذرية الحدودي مع إيران أشار إلى فقر الإمكانيات، وإلى العدد الكبير الذي يدخل يوميا إلى العراق، والذي يقارب 250 شخصاً قادمين من إيران دون إجراءات حجر أو منع أو حتى إجراءات طبية وصحية مثالية، وهو الأمر الذي كان يطالب به المجتمعون على المعبر من أبناء المنطقة حفاظاً على سلامتهم، وفي رده على سؤال أحدهم له بمنع أو إغلاق المعبر أجاب "أنا رجل دولة وأنفذ ما أتلقاه من تعليمات"، الأمر الذي ينقل الصورة الواقعية لتهاون الساسة العراقيين في التعاطي مع هذا الخطر.
نجاح إيران بحماية مواطنيها شيء مفرح، وهذا ما يتمناه الكثيرون خشية إصابة المواطنين الإيرانيين بهذا الداء الذي لا يمكن لدولة محاصرة اقتصاديا وقطاعها الطبي أكبر المتأثرين نتيجة هذه العقوبات التعامل بشكل مثالي مع هذه المعضلة الإنسانية، فمسألة مكافحة كورونا من قبل الإيرانيين أو غيرهم هي مسألة إيجابية حتما ستعود بالنفع على الجميع، سواء بموضوع اكتشاف الدواء أو حتى مسألة المناعة الواجب توافرها لدى الإنسان، كي لا يفقد حياته نتيجة إصابته.
لا شكّ أن الأسوياء لا يفكرون إطلاقا بتصدير هذا الفيروس لا من إيران ولا إليها، ولكن هذا لا يمنع الحذر من هذه الجزئية، خشية استغلالها من بعض فاقدي الضمير وتجار الحروب الذين لا يهمهم سوى نشر الخراب والدمار أينما وجدوا بلدانا آمنة، شأنهم شأن المتطرفين في ذلك.
الملفت للنظر خلال الأسابيع القليلة الماضية هو عدم اقتناع البعض، ولا سيما في العراق، وهم الذين لا يخفون ولاءهم لإيران بضرورة وقف الرحلات الجوية والسفر منها وإليها، متذرعين بأنها مؤامرة أمريكية تستهدف طهران، وهذا يعرض العراقيين وغيرهم إلى خطر لا يمكن للعراق التغلب على صعوباته، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية والسياسية القاسية التي تعصف به في هذا الوقت.
في واقع الأمر لا يمكن القبول بأي رأي يجامل أو يتستر على مسألة انتشار المرض، وإمكانية وصول حالات كثيرة من إيران أو غيرها من البلدان، وعليه لا بد من الإسراع في اتخاذ إجراءات تحمي البشرية جمعاء، وليس شعوب المنطقة العربية فحسب من هذا الفيروس الذي ينتشر بسرعة هائلة.
ومع كل هذا الخطر المحدق ببلاد الرافدين من كورونا إلا أن ثمة حقيقة لا بد من الإشارة إليها، خاصة مع عدم التحرك تجاه موضوع الحد من انتشار "كورونا"، وهي أن وكلاء إيران في العراق يوازون بخطورتهم وعبثهم خطر الفيروس المنتشر حديثا.
لذلك إذا كان "كورونا" يتطلب من الحكومة العراقية بنى تحتية وتحسين الواقع الإداري وتجهيز الكوادر الطبية المدربة وتكريس قواعد السلامة العامة والنهوض بالبلاد شأنه شأن أي فيروس وبائي، فإن السياسة المتبعة من قبل هؤلاء التبع لـ"إيران" في العراق لا تبشّر إلا بتدهور الأوضاع الصحية والاقتصادية والسياسية، كذلك وضياع البلاد بأكملها ودخولها إلى الحجر الصحي وإفراغ الشوارع من أية حركة، ليتسنى لهم إعداد طبختهم السياسية العميلة وإنضاجها على نار هادئة وبلا أدنى عقبة تعترض المشروع الوطني، الذي ضحى الشباب العراقي من أجله بدمه، مراهنا على عراق جديد بعيد عن الولاء والتبعية لإيران أو غيرها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة