العراق وتحالفات ما بعد الانتخابات.. هل يعود السوداني؟
بطي صفحة انتخابات البرلمان، يدخل العراق مرحلة اختيار رئيس للوزراء لتشكيل حكومة في بلد ينبض على وقع تجاذبات قد تطيل مسار التوافقات>
وأظهرت نتائج أولية رسمية، أن ائتلاف إعادة الإعمار والتنمية بزعامة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني تصدّر نتائج الانتخابات البرلمانية بحصوله على أكثر من 1.3 مليون صوت.
فيما حل الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني بالمرتبة الثانية بحوالي مليون صوت.
وحصلت قائمة السوداني على 47 مقعدا في البرلمان بعموم العراق، فيما حصل خصمه ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي على 29 مقعداً.
وتمكنت القوائم الشيعية من حصد 197 مقعداً، بينهم 10 مرشحين من الطائفة السنية الذين دخلوا في قوائمهم في المحافظات الغربية مثل الأنبار وصلاح الدين والموصل.
وتتصاعد في الأوساط السياسية العراقية التكهنات حول مستقبل رئيس الوزراء محمد شياع السوداني وإمكانية حصوله على ولاية ثانية، في وقتٍ بدأت فيه الانقسامات داخل الإطار التنسيقي الشيعي، التحالف الذي أوصله إلى رئاسة الحكومة، تطفو إلى السطح مجدداً.
وفوز ائتلاف السوداني لا يكفيه لتشكيل حكومة، فهو يواجه حاليا مهمّة صعبة تتمثل في تأمين الدعم من الأطراف المُنافسة له خصوصا من الغالبية الشيعية، في مسعاه للحصول على ولاية حكومية ثانية.
وفي ظلّ عدم وجود غالبية مطلقة في البرلمان المؤلف من 329 مقعدا، قد تقضي الأطراف الرئيسية أسابيع أو أشهرًا، في التفاوض على تحالفات لبناء كتلة كبرى تتمكّن من فرض رئيس الوزراء المقبل.
معادلة جديدة
في قراءته لنتائج الانتخابات الأخيرة، يرى الباحث والمحلل السياسي العراقي محمد العلي أنها أفرزت معادلة جديدة داخل الإطار التنسيقي.
ويقول العلي، في حديث لـ"العين الإخبارية"، إن "النفوذ الحقيقي بات موزعاً بين نوري المالكي وقيس الخزعلي، فيما أصبحت فرص رئيس الوزراء محمد شياع السوداني في الحصول على ولاية ثانية غير مضمونة".
وحصلت قائمة "صادقون" التابعة لحركة "عصائب أهل الحق" بزعامة قيس الخزعلي على 27 مقعداً، ما يجعل هذه الحركة أحد المؤثرين في صناعة القرار داخل الإطار الشيعي.
وبحسب العلي فإن "السوداني لن يتمكن من ضمان بقائه في المنصب ما لم يعلن تحالفه بشكل واضح مع أحد القطبين الرئيسيين داخل الإطار"، مشيراً إلى أن "ميزان القوة بدأ يميل لصالح قيادات أخرى قادرة على فرض بدائل جديدة".
وأضاف أن "القوى الأساسية في الإطار الشيعي، وهي: "دولة القانون، صادقون، حقوق، تيار الحكمة، بدر، الأساس، والخدمات، تمتلك الآن أكثر من 100 مقعد برلماني، ما يمنحها إمكانية تشكيل الكتلة الأكبر دون الحاجة إلى دعم تحالف السوداني أو التحالف معه".
بين تيارين
في سياق متصل، قال سياسي كبير قريب من ائتلاف السوداني لـ"العين الإخبارية"، إن "السوداني يُعد أحد أبناء الإطار الشيعي ومرشحه الرسمي في انتخابات 2022".
ومستدركا: "إلا أن تجربته الحكومية المتوازنة ومحاولته الانفتاح على القوى السياسية الأخرى، وعلى المجتمع الدولي والعربي، جعلته في موقع وسط بين تيارين متضادين داخل الإطار".
وأضاف أن "هناك تيارات داخل الإطار تؤيد السوداني وترى في استمراره ضرورة لقدرته على إدارة الدولة بهدوء، واحتواء الأزمات دون صدام مع الشارع أو الأطراف الخارجية".
وتابع قائلا إن "تيارا آخر يقوده نوري المالكي، يرى أن السوداني تجاوز الحدود المرسومة له داخل الإطار، ويسعى إلى بناء قاعدة سياسية مستقلة".
وأوضح أن السوداني تمكن خلال عامين من ولايته الأولى من "تحييد الضغوط الأمريكية والإيرانية" إلى حد ما، ونسج علاقات متوازنة مع الدول العربية والخليجية، وهو ما يمنحه "رصيداً سياسياً يمكن أن يستخدمه كورقة تفاوض في معركة التجديد".
ولفت إلى إن الحديث عن الولاية الثانية للسوداني "يعمّق الشرخ داخل الإطار"، فبينما تدفع أطراف مثل "منظمة بدر بزعامة هادي العامري" وتيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم نحو "الإبقاء على السوداني" لضمان الاستقرار، فإن المالكي ومقربين منه يرفضون الفكرة جملة وتفصيلاً.
وبحسب المصدر، فإن "موقف المالكي يستند إلى قناعة بأن السوداني ابتعد عن التنسيق الداخلي مع قيادات الإطار، وبدأ يتصرف كرئيس حكومة فوق الكتل، لا كممثل لتحالف شيعي بعينه".
وسبق أن أشار المالكي في أكثر من مرة، خلال لقاءات مغلقة وتصريحات علنية، إلى أنه "لا يؤيد تجديد الولاية للسوداني"، معتبراً أن المرحلة المقبلة تتطلب شخصية "أكثر انسجاماً مع قوى الإطار".
مقاربة السلطة
في النظام السياسي العراقي، لا يتم تحديد منصب رئيس الوزراء بعدد المقاعد أو الترتيب البرلماني، بل من خلال توازنات القوى الشيعية وموافقة المرجعية الدينية في النجف، إضافة إلى القبول الوطني والإقليمي والدولي.
ويرى مراقبون أن السوداني سيتحرك نحو قوى سياسية خارج الإطار التنسيقي، فهو له علاقة وطيدة مع رئيس تحالف العزم، النائب عن المكون السني، مثنى السامرائي والذي حصل على 17 مقعداً في الانتخابات.
كما يمتلك السوداني علاقات مع تحالف السيادة وحلفائه بزعامة خميس الخنجر الذي حصل على 14 مقعداً في الانتخابات.
وتوترت العلاقات في السنة الأخيرة من حكومة السوداني مع رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي الحاصل على 28 مقعداً، كما توترت مع زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني الذي حصل على 27 مقعداً.
توافقات
من جانبه، يعتبر الباحث والمحلل السياسي العراقي عمر الناصر، أن نتائج الانتخابات، مهما بلغت من نسب مشاركة أو أصوات، تبقى غير متوازنة من حيث تحقيق جميع المكونات لاستحقاقاتها الانتخابية والدستورية.
ويقول الناصر لـ"العين الإخبارية"، إن غياب أي فاعل سياسي مؤثر قد يخل بالتوازن ويضعف القرارات المصيرية التي تتعلق بالقضايا الحساسة، خصوصاً تمكين السيادة الوطنية.
ولفت إلى أن التيار الوطني الشيعي كان له دور مؤثر في العملية السياسية منذ عام 2003، وما زال تأثيره قائمًا في تشكيل التوازن الداخلي.
وقال إن "تولي السوداني ولاية ثانية لرئاسة الوزراء يرتبط بشكل مباشر بالتوافقات السياسية الداخلية، ومدى قبول قوى الإطار التنسيقي لدوره في الحفاظ على التوازن بين العوامل الدولية والإقليمية".
وأوضح أن قدرة السوداني على الاستمرار تعتمد على الحفاظ على توازن القوى الشيعية، وتجنب الانقسامات التي قد تضعف القرارات الاستراتيجية في ملفات حساسة تتعلق بالأمن والسيادة والعلاقات الخارجية.
ويعكس موقف الناصر أن العملية السياسية في العراق لا تُحسم بالأغلبية الانتخابية وحدها، بل تتأثر بشكل كبير بالتوافقات الحزبية والشيعية الداخلية، وبقدرة رئيس الوزراء على إدارة التوازنات الإقليمية والدولية.
لقاءات ومشاورات
في غضون ذلك، بدأ نوري المالكي إجراء سلسلة من اللقاءات مع عدد من قيادات الإطار التنسيقي التي فازت في الانتخابات الأخيرة.
وحث المالكي، خلال استقباله النائب الأول لرئيس مجلس النواب محسن المندلاوي زعيم تحالف الأساس الذي حصل على 9 مقاعد في البرلمان، إلى الإسراع في تشكيل حكومة قوية قادرة على تحقيق تطلعات الشعب العراقي وحماية مستقبله.
وأكد الجانبان، وفق بيان، أن "المشاركة الشعبية في الانتخابات الأخيرة عكست إيمان الشعب بتجربته الديمقراطية، ومدى تمسكه بحقه الدستوري في التغيير والإصلاح وبناء الدولة العادلة والمقتدرة".
ودعا المالكي والمندلاوي جميع القوى الوطنية التي نالت ثقة الجماهير إلى الإسراع في تشكيل حكومة قوية، والعمل على استكمال الاستحقاقات الدستورية بما يحفظ أصوات الناخبين وإرادتهم.
كما استقبل المالكي زعيم حركة "عصائب أهل الحق" قيس الخزعلي، فيما أكد الأخير على ضرورة الإسراع بتشكيل الحكومة المقبلة
وأكد الخزعلي خلال اللقاء على ضرورة الإسراع في تشكيل الحكومة والارتقاء بالعملية السياسية بما يحقق الاستقرار ويستجيب لتطلعات الشعب العراقي.
كما اجتمع الخزعلي مع زعيم تيار الحكمة الوطني عمار الحكيم الحاصل على 18 مقعداً في البرلمان، وشدد الحكيم على ضرورة تشكيل الحكومة العراقية بأسرع وقت ممكن، وأهميةَ ترجمة الوعود الانتخابية إلى برامج عملٍ تخدم العراق وتحقق تطلعات شعبه.
أيضا التقى الأمين العام لمنظمة بدر هادي العامري (21 مقعداً) الخزعلي، وسط تأكيد على الإسراع بتشكيل الحكومة.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuNSA= جزيرة ام اند امز